الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قسم ]

                                                          قسم : القسم : مصدر قسم الشيء يقسمه قسما فانقسم ، والموضع مقسم مثال مجلس . وقسمه : جزأه وهي القسمة . والقسم بالكسر : النصيب والحظ ، والجمع أقسام ، وهو القسيم ، والجمع أقسماء وأقاسيم ، الأخيرة جمع الجمع . يقال : هذا قسمك وهذا قسمي . والأقاسيم : الحظوظ المقسومة بين العباد ، والواحدة أقسومة مثل أظفور وأظافير ، وقيل : الأقاسيم جمع الأقسام ، والأقسام جمع القسم . الجوهري : القسم ، بالكسر ، الحظ والنصيب من الخير مثل طحنت طحنا ، والطحن الدقيق . وقوله عز وجل : فالمقسمات أمرا هي الملائكة تقسم ما وكلت به . والمقسم والمقسم : كالقسم ، التهذيب : كتب عن أبي الهيثم أنه أنشد :


                                                          فما لك إلا مقسم ليس فائتا به أحد فاستأخرن أو تقدما

                                                          قال : القسم والمقسم والقسيم نصيب الإنسان من الشيء ، يقال : قسمت الشيء بين الشركاء وأعطيت كل شريك مقسمه وقسمه وقسيمه ، وسمي مقسم بهذا وهو اسم رجل . وحصاة القسم : حصاة تلقى في إناء ثم يصب فيها من الماء قدر ما يغمر الحصاة ثم يتعاطونها ، وذلك إذا كانوا في سفر ولا ماء معهم إلا شيء يسير فيقسمونه هكذا . الليث : كانوا إذا قل عليهم الماء في الفلوات عمدوا إلى قعب فألقوا حصاة في أسفله ، ثم صبوا عليه من الماء قدر ما يغمرها ، وقسم الماء بينهم على ذلك ، وتسمى تلك الحصاة المقلة . وتقسموا الشيء واقتسموه وتقاسموه : قسموه بينهم . واستقسموا بالقداح : قسموا الجزور على مقدار حظوظهم منها . الزجاج في قوله تعالى : وأن تستقسموا بالأزلام قال : موضع أن رفع ، المعنى : وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام ، والأزلام : سهام كانت لأهل الجاهلية مكتوب على بعضها : أمرني ربي وعلى بعضها : نهاني [ ص: 103 ] ربي فإذا أراد الرجل سفرا أو أمرا ضرب تلك القداح ، فإن خرج السهم الذي عليه أمرني ربي مضى لحاجته وإن خرج الذي عليه نهاني ربي لم يمض في أمره ، فأعلم الله - عز وجل - أن ذلك حرام ، قال الأزهري : ومعنى قوله - عز وجل - : وأن تستقسموا بالأزلام ، أي : تطلبوا من جهة الأزلام ما قسم لكم من أحد الأمرين ، ومما يبين ذلك أن الأزلام التي كانوا يستقسمون بها غير قداح الميسر ، ما روي عن عبد الرحمن بن مالك المدلجي ، وهو ابن أخي سراقة بن جعشم ، أن أباه أخبره أنه سمع سراقة يقول : جاءتنا رسل كفار قريش يجعلون لنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و أبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتلهما أو أسرهما ، قال : فبينا أنا جالس في مجلس قومي بني مدلج أقبل منهم رجل فقام على رءوسنا ، فقال : يا سراقة إني رأيت آنفا أسودة بالساحل لا أراها إلا محمدا وأصحابه ، قال : فعرفت أنهم هم ، فقلت : إنهم ليسوا بهم ، ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بغاة ، قال : ثم لبثت في المجلس ساعة ، ثم قمت فدخلت بيتي وأمرت جاريتي أن تخرج لي فرسي وتحبسها من وراء أكمة ، قال : ثم أخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت ، فخفضت عالية الرمح وخططت برمحي في الأرض حتى أتيت فرسي فركبتها ورفعتها تقرب بي حتى رأيت أسودتهما ، فلما دنوت منهم حيث أسمعهم الصوت عثرت بي فرسي فخررت عنها ، وأهويت بيدي إلى كنانتي فأخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضيرهم أم لا ، فخرج الذي أكره أن لا أضيرهم ، فعصيت الأزلام وركبت فرسي فرفعتها تقرب بي حتى إذا دنوت منهم عثرت بي فرسي وخررت عنها ، قال : ففعلت ذلك ثلاث مرات إلى أن ساخت يدا فرسي في الأرض ، فلما بلغتا الركبتين خررت عنها ثم زجرتها ، فنهضت فلم تكد تخرج يداها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان ، قال معمر - أحد رواة الحديث - : قلت لأبي عمرو بن العلاء ما العثان ؟ فسكت ساعة ثم قال لي : هو الدخان من غيرنا ، وقال : ثم ركبت فرسي حتى أتيتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فقلت له إن قومك جعلوا لي الدية وأخبرتهم بأخبار سفرهم وما يريد الناس منهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزءوني شيئا ولم يسألوني إلا قالوا أخف عنا ، قال : فسألت أن يكتب كتاب موادعة آمن به ، قال : فأمر عامر بن فهيرة - مولى أبي بكر - فكتبه لي في رقعة من أديم ، ثم مضى . قال الأزهري : فهذا الحديث يبين لك أن الأزلام قداح الأمر والنهي لا قداح الميسر ، قال : وقد قال المؤرج وجماعة من أهل اللغة إن الأزلام قداح الميسر ، قال : وهو وهم . واستقسم ، أي : طلب القسم بالأزلام . وفي حديث الفتح : دخل البيت فرأى إبراهيم و إسماعيل بأيديهما الأزلام ، فقال : قاتلهم الله ! والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط ، الاستقسام : طلب القسم الذي قسم له وقدر مما لم يقسم ولم يقدر ، وهو استفعال منه ، وكانوا إذا أراد أحدهم سفرا أو تزويجا أو نحو ذلك من المهام ضرب بالأزلام ، وهي القداح ، وكان على بعضها مكتوب أمرني ربي وعلى الآخر نهاني ربي وعلى الآخر غفل ، فإن خرج أمرني مضى لشأنه ، وإن خرج نهاني أمسك ، وإن خرج الغفل عاد فأجالها وضرب بها أخرى إلى أن يخرج الأمر أو النهي ، وقد تكرر في الحديث . وقاسمته المال : أخذت منه قسمك وأخذ قسمه . وقسيمك : الذي يقاسمك أرضا أو دارا أو مالا بينك وبينه ، والجمع أقسماء وقسماء . وهذا قسيم هذا ، أي : شطره . ويقال : هذه الأرض قسيمة هذه الأرض ، أي : عزلت عنها . وفي حديث علي - عليه السلام - : أنا قسيم النار ، قال القتيبي : أراد أن الناس فريقان : فريق معي وهم على هدى ، وفريق علي وهم على ضلال كالخوارج ، فأنا قسيم النار نصف في الجنة معي ونصف علي في النار . وقسيم : فعيل في معنى مقاسم مفاعل كالسمير والجليس والزميل ، قيل : أراد بهم الخوارج ، وقيل : كل من قاتله . وتقاسما المال واقتسماه والاسم القسمة مؤنثة . وإنما قال تعالى : فارزقوهم منه بعد قوله تعالى : وإذا حضر القسمة لأنها في معنى الميراث والمال فذكر على ذلك . والقسام : الذي يقسم الدور والأرض بين الشركاء فيها ، وفي المحكم : الذي يقسم الأشياء بين الناس قال لبيد :


                                                          فارضوا بما قسم المليك ، فإنما     قسم المعيشة بيننا قسامها



                                                          عنى بالمليك الله - عز وجل - . الليث : يقال قسمت الشيء بينهم قسما وقسمة . والقسمة : مصدر الاقتسام . وفي حديث قراءة الفاتحة : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ; أراد بالصلاة هاهنا القراءة تسمية للشيء ببعضه ، وقد جاءت مفسرة في الحديث ، وهذه القسمة في المعنى لا اللفظ ; لأن نصف الفاتحة ثناء ونصفها مسألة ودعاء ، وانتهاء الثناء عند قوله : إياك نعبد ، وكذلك قال في وإياك نستعين : هذه الآية بيني وبين عبدي . والقسامة : ما يعزله القاسم لنفسه من رأس المال ليكون أجرا له . وفي الحديث : إياكم والقسامة ، بالضم ، هي ما يأخذه القسام من رأس المال عن أجرته لنفسه كما يأخذ السماسرة رسما مرسوما لا أجرا معلوما ، كتواضعهم أن يأخذوا من كل ألف شيئا معينا ، وذلك حرام . قال الخطابي : ليس في هذا تحريم إذا أخذ القسام أجرته بإذن المقسوم لهم ، وإنما هو فيمن ولي أمر قوم فإذا قسم بين أصحابه شيئا أمسك منه لنفسه نصيبا يستأثر به عليهم ، وقد جاء في رواية أخرى : الرجل يكون على الفئام من الناس فيأخذ من حظ هذا وحظ هذا . وأما القسامة ، بالكسر ، فهي صنعة القسام كالجزارة والجزارة والبشارة والبشارة . والقسامة : الصدقة لأنها تقسم على الضعفاء . وفي الحديث عن وابصة : مثل الذي يأكل القسامة كمثل جدي بطنه مملوء رضفا ، قال ابن الأثير : جاء تفسيرها في الحديث أنها الصدقة ، قال : والأصل الأول . ابن سيده : وعنده قسم يقسمه ، أي : عطاء ولا يجمع وهو من القسمة ، وقسمهم الدهر يقسمهم فتقسموا ، أي : فرقهم فتفرقوا ، وقسمهم فرقهم قسما هنا وقسما هنا . ونوى قسوم : مفرقة مبعدة ، أنشد ابن الأعرابي :


                                                          نأت عن بنات العم وانقلبت بها     نوى ، يوم سلان البتيل قسوم



                                                          أي : مقسمة للشمل مفرقة له . والتقسيم : التفريق ، وقول الشاعر يذكر قدرا :

                                                          [ ص: 104 ]

                                                          نقسم ما فيها ، فإن هي قسمت     فذاك ، وإن أكرت فعن أهلها تكري



                                                          قال أبو عمرو : قسمت عمت في القسم ، وأكرت نقصت . ابن الأعرابي : القسامة الهدنة بين العدو والمسلمين ، وجمعها قسامات ، والقسم الرأي ، وقيل : الشك ، وقيل : القدر ، وأنشد ابن بري في القسم الشك لعدي بن زيد :


                                                          ظنة شبهت فأمكنها القس     م فأعدته ، والخبير خبير



                                                          وقسم أمره قسما : قدره ونظر فيه كيف يفعل ، وقيل : قسم أمره لم يدر كيف يصنع فيه . يقال : هو يقسم أمره قسما ، أي : يقدره ويدبره ينظر كيف يعمل فيه قال لبيد :


                                                          فقولا له إن كان يقسم أمره     ألما يعظك الدهر أمك هابل !



                                                          ويقال : قسم فلان أمره إذا ميل فيه أن يفعله أو لا يفعله . أبو سعيد : يقال تركت فلانا يقتسم ، أي : يفكر ويروي بين أمرين ، وفي موضع آخر : تركت فلانا يستقسم بمعناه . ويقال : فلان جيد القسم ، أي : جيد الرأي . ورجل مقسم : مشترك الخواطر بالهموم . والقسم بالتحريك : اليمين ، وكذلك المقسم ، وهو المصدر مثل المخرج ، والجمع أقسام . وقد أقسم بالله واستقسمه به وقاسمه : حلف له . وتقاسم القوم : تحالفوا . وفي التنزيل : قالوا تقاسموا بالله . وأقسمت : حلفت وأصله من القسامة . ابن عرفة في قوله تعالى : كما أنزلنا على المقتسمين ، هم الذين تقاسموا وتحالفوا على كيد الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال ابن عباس : هم اليهود و النصارى الذين جعلوا القرآن عضين آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه . وقاسمهما ، أي : حلف لهما . والقسامة : الذين يحلفون على حقهم ويأخذون . وفي الحديث : نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر ، تقاسموا : من القسم اليمين ، أي : تحالفوا ، يريد لما تعاهدت قريش على مقاطعة بني هاشم وترك مخالطتهم . ابن سيده : والقسامة الجماعة يقسمون على الشيء أو يشهدون ، ويمين القسامة منسوبة إليهم . وفي حديث : الأيمان تقسم على أولياء الدم . أبو زيد : جاءت قسامة الرجل سمي بالمصدر . وقتل فلان فلانا بالقسامة ، أي : باليمين . وجاءت قسامة من بني فلان ، وأصله اليمين ، ثم جعل قوما . والمقسم : القسم . والمقسم : الموضع الذي حلف فيه . والمقسم : الرجل الحالف ، أقسم يقسم إقساما . قال الأزهري : وتفسير القسامة في الدم أن يقتل رجل فلا تشهد على قتل القاتل إياه بينة عادلة كاملة ، فيجيء أولياء المقتول فيدعون قبل رجل أنه قتله ويدلون بلوث من البينة غير كاملة ، وذلك أن يوجد المدعى عليه متلطخا بدم القتيل في الحال التي وجد فيها ولم يشهد رجل عدل أو امرأة ثقه أن فلانا قتله ، أو يوجد القتيل في دار القاتل وقد كان بينهما عداوة ظاهرة قبل ذلك ; فإذا قامت دلالة من هذه الدلالات سبق إلى قلب من سمعه أن دعوى الأولياء صحيحة ، فيستحلف أولياء القتيل خمسين يمينا أن فلانا الذي ادعوا قتله انفرد بقتل صاحبهم ما شركه في دمه أحد ، فإذا حلفوا خمسين يمينا استحقوا دية قتيلهم ، فإن أبوا أن يحلفوا مع اللوث الذي أدلوا به حلف المدعى عليه وبرئ ، وإن نكل المدعى عليه عن اليمين خير ورثة القتيل بين قتله أو أخذ الدية من مال المدعى عليه ، وهذا جميعه قول الشافعي : والقسامة : اسم من الإقسام وضع موضع المصدر ، ثم يقال للذين يقسمون قسامة ، وإن لم يكن لوث من بينة حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرئ ، وقيل : يحلف يمينا واحدة . وفي الحديث : أنه استخلف خمسة نفر في قسامة معهم رجل من غيرهم ، فقال : ردوا الأيمان على أجالدهم ، قال ابن الأثير : القسامة ، بالفتح ، اليمين كالقسم ، وحقيقتها أن يقسم من أولياء الدم خمسون نفرا على استحقاقهم دم صاحبهم إذا وجدوه قتيلا بين قوم ولم يعرف قاتله ، فإن لم يكونوا خمسين أقسم الموجودون خمسين يمينا ، ولا يكون فيهم صبي ولا امرأة ولا مجنون ولا عبد ، أو يقسم بها المتهمون على نفي القتل عنهم ، فإن حلف المدعون استحقوا الدية ، وإن حلف المتهمون لم تلزمهم الدية ، وقد أقسم يقسم قسما وقسامة وقد جاءت على بناء الغرامة والحمالة ; لأنها تلزم أهل الموضع الذي يوجد فيه القتيل ، ومنه حديث عمر - رضي الله عنه - : القسامة توجب العقل ، أي : توجب الدية لا القود . وفي حديث الحسن : القسامة جاهلية ، أي : كان أهل الجاهلية يدينون بها ، وقد قررها الإسلام ، وفي رواية : القتل بالقسامة جاهلية ، أي : أن أهل الجاهلية كانوا يقتلون بها ، أو أن القتل بها من أعمال الجاهلية ، كأنه إنكار لذلك واستعظام .

                                                          والقسام : الجمال والحسن قال بشر بن أبي خازم :


                                                          يسن على مراغمها القسام

                                                          ، وفلان قسيم الوجه ومقسم الوجه ، وقال باعث بن صريم اليشكري ، ويقال هو كعب بن أرقم اليشكري ، قاله في امرأته وهو الصحيح :


                                                          ويوما توافينا بوجه مقسم     كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
                                                          ويوما تريد مالنا مع مالها     فإن لم ننلها لم تنمنا ولم تنم
                                                          نظل كأنا في خصوم غرامة     تسمع جيراني التألي والقسم
                                                          فقلت لها : إن لا تناهي فإنني     أخو النكر حتى تقرعي السن من ندم



                                                          وهذا البيت في التهذيب أنشده أبو زيد :


                                                          كأن ظبية تعطو إلى ناضر السلم

                                                          وقال : قال أبو زيد : سمعت بعض العرب ينشده : كأن ظبية ، يريد كأنها ظبية فأضمر الكناية ، وقول الربيع بن أبي الحقيق :


                                                          بأحسن منها ، وقامت تري     ك وجها كأن عليه قساما



                                                          أي : حسنا . وفي حديث أم معبد : قسيم وسيم القسامة : الحسن . ورجل مقسم الوجه ، أي : جميل كله ، كأن كل موضع منه أخذ قسما من الجمال . ويقال لحر الوجه : قسمة ، بكسر السين ، وجمعها قسمات . ورجل مقسم وقسيم ، والأنثى قسيمة ، وقد قسم . أبو عبيد : القسام والقسامة الحسن . وقال الليث : القسيمة المرأة الجميلة ، وأما قول الشاعر :


                                                          وكأن فارة تاجر بقسيمة     سبقت عوارضها إليك من الفم



                                                          فقيل : هي طلوع الفجر ، وقيل : هو وقت تغير الأفواه وذلك في [ ص: 105 ] وقت السحر ، قال : وسمي السحر قسيمة ; لأنه يقسم بين الليل والنهار ، وقد قيل في هذا البيت إنه اليمين ، وقيل : امرأة حسنة الوجه ، وقيل : موضع ، وقيل : هو جؤنة العطار ، قال ابن سيده : والمعروف عن ابن الأعرابي في جؤنة العطار قسمة ، فإن كان ذلك فإن الشاعر إنما أشبع للضرورة ، قال : والقسيمة السوق عن ابن الأعرابي ، ولم يفسر به قول عنترة ، قال ابن سيده : وهو عندي مما يجوز أن يفسر به ، وقول العجاج :


                                                          الحمد لله العلي الأعظم     باري السماوات بغير سلم
                                                          ورب هذا الأثر المقسم     من عهد إبراهيم لما يطسم



                                                          أراد المحسن ، يعني مقام إبراهيم - عليه السلام - كأنه قسم ، أي : حسن ، وقال أبو ميمون يصف فرسا :


                                                          كل طويل الساق حر الخدين     مقسم الوجه هريت الشدقين



                                                          ووشي مقسم ، أي : محسن . وشيء قسامي : منسوب إلى القسام ، وخفف القطامي ياء النسبة منه فأخرجه مخرج تهام وشآم ، فقال :


                                                          إن الأبوة والدين تراهما     متقابلين قساميا وهجانا



                                                          أراد أبوة والدين . والقسمة : الحسن . والقسمة : الوجه ، وقيل : ما أقبل عليك منه ، وقيل : قسمة الوجه ما خرج من الشعر ، وقيل : الأنف وناحيتاه ، وقيل : وسطه ، وقيل : أعلى الوجنة ، وقيل : ما بين الوجنتين والأنف ، تكسر سينها وتفتح ، وقيل : القسمة أعالي الوجه ، وقيل : القسمات مجاري الدموع ، والوجوه واحدتها قسمة . ويقال من هذا : رجل قسيم ومقسم إذا كان جميلا . ابن سيده : والمقسم موضع القسم ، قال زهير :


                                                          فتجمع أيمن منا ومنكم     بمقسمة تمور بها الدماء



                                                          وقيل : القسمات مجاري الدموع ، قال محرز بن مكعبر الضبي :


                                                          وإني أراخيكم على مط سعيكم     كما في بطون الحاملات رخاء
                                                          فهلا سعيتم سعي عصبة مازن     وما لعلائي في الخطوب سواء
                                                          كأن دنانيرا على قسماتهم     وإن كان قد شف الوجوه لقاء
                                                          لهم أذرع باد نواشز لحمها     وبعض الرجال في الحروب غثاء



                                                          وقيل : القسمة ما بين العينين ، روي ذلك عن ابن الأعرابي ، وبه فسر قوله دنانيرا على قسماتهم ، وقال أيضا : القسمة والقسمة ما فوق الحاجب ، وفتح السين لغة في ذلك كله . أبو الهيثم : القسامي الذي يكون بين شيئين . والقسامي : الحسن ، من القسامة . والقسامي : الذي يطوي الثياب أول طيها حتى تتكسر على طيه قال رؤبة :


                                                          طاوين مجدول الخروق الأحداب     طي القسامي برود العصاب



                                                          ورأيت في حاشية : القسام الميزان ، وقيل : الخياط . وفرس قسامي ، أي : إذا قرح من جانب واحد وهو من آخر ، رباع ، وأنشد الجعدي يصف فرسا :


                                                          أشق قساميا رباعي جانب     وقارح جنب سل أقرح أشقرا



                                                          وفرس قسامي : منسوب إلى قسام فرس لبني جعدة وفيه يقول الجعدي :


                                                          أغر قسامي كميت محجل     خلا يده اليمنى فتحجيله خسا



                                                          أي : فرد . وقال ابن خالويه : اسم الفرس قسامة بالهاء ، وأما قول النابغة يصف ظبية :


                                                          تسف بريره ، وترود فيه     إلى دبر النهار من القسام



                                                          قيل : القسامة شدة الحر ، وقيل : إن القسام أول وقت الهاجرة ، قال الأزهري : ولا أدري ما صحته ، وقيل : القسام وقت ذرور الشمس ، وهي تكون حينئذ أحسن ما تكون وأتم ما تكون مرآة ، وأصل القسام الحسن ، قال الأزهري : وهذا هو الصواب عندي ، وقول ذي الرمة :


                                                          لا أحسب الدهر يبلي جدة أبدا     ولا تقسم شعبا واحدا شعب



                                                          يقول : إني ظننت أن لا تنقسم حالات كثيرة ، يعني حالات شبابه ، حالا واحدا وأمرا واحدا ، يعني الكبر والشيب ، قال ابن بري : يقول كنت لغرتي أحسب أن الإنسان لا يهرم ، وأن الثوب الجديد لا يخلق ، وأن الشعب الواحد الممتنع لا يتفرق الشعب المتفرقة فيتفرق بعد اجتماع ويحصل متفرقا في تلك الشعب . والقسوميات : مواضع ، قال زهير :


                                                          ضحوا قليلا قفا كثبان أسنمة     ومنهم بالقسوميات معترك



                                                          وقاسم وقسيم وقسيم وقسام ومقسم ومقسم : أسماء . و القسم : موضع معروف . والمقسم : أرض ، قال الأخطل :


                                                          منقضبين انقضاب الخيل سعيهم     بين الشقيق وعين المقسم البصر



                                                          وأما قول القلاخ بن حزن السعدي :


                                                          أنا القلاخ في بغائي مقسما     أقسمت لا أسأم حتى تسأما



                                                          فهو اسم غلام له كان قد فر منه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية