الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قطر ]

                                                          قطر : قطر الماء والدمع وغيرهما من السيال يقطر قطرا وقطورا وقطرانا وأقطر ، الأخيرة عن أبي حنيفة ، وتقاطر ، أنشد ابن جني :


                                                          كأنه تهتان يوم ماطر من الربيع دائم التقاطر



                                                          وأنشده دائب بالباء ، وهو في معنى دائم ، وأراد من أيام الربيع ، وقطره الله وأقطره وقطره وقد قطر الماء وقطرته أنا ، يتعدى ولا يتعدى ، وقطران الماء ، بالتحريك ، وتقطير الشيء : إسالته قطرة قطرة . والقطر : المطر . والقطار : جمع قطر وهو المطر . والقطر : ما قطر من الماء وغيره ، واحدته قطرة ، والجمع قطار . وسحاب قطور ومقطار : كثير القطر ، حكاهما الفارسي عن ثعلب . وأرض مقطورة : أصابها القطر . واستقطر الشيء : رام قطرانه . وأقطر الشيء : حان أن يقطر . وغيث قطار : عظيم القطر . وقطر الصمغ من الشجرة يقطر قطرا : خرج . وقطارة الشيء : ما قطر منه ، وخص اللحياني به قطارة الحب ، قال : القطارة ، بالضم ، ما قطر من الحب ونحوه . وقطرت استه : مصلت ، وفي الإناء قطارة من ماء ، أي : قليل ، عن اللحياني : والقطران والقطران : عصارة الأبهل والأرز ونحوهما يطبخ فيتحلب منه ثم تهنأ به الإبل . قال أبو حنيفة : زعم بعض من ينظر في كلام العرب أن القطران هو عصير ثمر الصنوبر ، وأن الصنوبر إنما هو اسم لوزة ذاك ، وأن شجرته به سميت صنوبرا ، وسمع قول الشماخ في وصف ناقته وقد رشحت ذفراها فشبه ذفراها لما رشحت فاسودت بمناديل عصارة الصنوبر ، فقال :


                                                          كأن بذفراها مناديل فارقت     أكف رجال يعصرون الصنوبرا



                                                          فظن أن ثمره يعصر ، وفي التنزيل العزيز : سرابيلهم من قطران ، قيل ، والله أعلم : إنها جعلت من القطران ; لأنه يبالغ في اشتعال النار في الجلود ، وقرأها ابن عباس : من قطر آن . والقطر : النحاس والآني [ ص: 135 ] الذي قد انتهى حره . والقطران : اسم رجل سمي به لقوله :


                                                          أنا القطران والشعراء جربى     وفي القطران للجربى هناء



                                                          وبعير مقطور ومقطرن ، بالنون ، كأنه ردوه إلى أصله : مطلي بالقطران ، قال لبيد :


                                                          بكرت به جرشية مقطورة     تروي المحاجر بازل علكوم



                                                          وقطرت البعير : طليته بالقطران ، قال امرؤ القيس :


                                                          أتقتلني وقد شغفت فؤادها     كما قطر المهنوءة الرجل الطالي



                                                          قوله : شغفت فؤادها أي بلغ حبي منها شغاف قلبها كما بلغ القطران شغاف الناقة المهنوءة ، يقول : كيف تقتلني وقد بلغ من حبها لي ما ذكرته ، إذ لو أقدمت على قتله لفسد ما بينه وبينها ، وكان ذلك داعيا إلى الفرقة والقطيعة منها . والقطر بالكسر : النحاس الذائب ، وقيل : ضرب منه ، ومنه قوله تعالى : ( من قطر آن ) . والقطر ، بالكسر ، والقطرية : ضرب من البرود . وفي الحديث : أنه - عليه السلام - كان متوشحا بثوب قطري . وفي حديث عائشة : قال أيمن دخلت على عائشة وعليها درع قطري ثمنه خمسة دراهم ، أبو عمرو : القطر نوع من البرود ، وأنشد :


                                                          كساك الحنظلي كساء صوف     وقطريا فأنت به تفيد



                                                          شمر عن البكراوي ، قال : البرود القطرية حمر لها أعلام فيها بعض الخشونة ، وقال خالد بن جنبة : هي حلل تعمل بمكان لا أدري أين هو . قال : وهي جياد وقد رأيتها وهي حمر تأتي من قبل البحرين . قال أبو منصور : وبالبحرين على سيف وعمان مدينة يقال لها قطر ، قال : وأحسبهم نسبوا هذه الثياب إليها فخففوا وكسروا القاف للنسبة ، وقالوا : قطري ، والأصل قطري كما قالوا فخذ للفخذ ، قال جرير :


                                                          لدى قطريات إذا ما تغولت     بها البيد غاولن الحزوم الفيافيا



                                                          أراد بالقطريات نجائب نسبها إلى قطر وما والاها من البر ، قال الراعي وجعل النعام قطرية :


                                                          الأوب أوب نعائم قطرية     والآل آل نحائص حقب



                                                          نسب النعائم إلى قطر لاتصالها بالبر ومحاذاتها رمال يبرين . والقطر ، بالضم : الناحية والجانب ، والجمع أقطار . وقومك أقطار البلاد : على الظرف وهي من الحروف التي عزلها سيبويه ليفسر معانيها ولأنها غرائب . وفي التنزيل العزيز : من أقطار السماوات والأرض أقطارها : نواحيها ، واحدها قطر ، وكذلك أقتارها ، واحدها قتر . قال ابن مسعود : لا يعجبنك ما ترى من المرء حتى تنظر على أي قطريه يقع أي على أي شقيه يقع في خاتمة عمله ، أعلى شق الإسلام أو غيره . وأقطار الفرس : ما أشرف منه وهو كاثبته وعجزه ، وكذلك أقطار الخيل والجمل ما أشرف من أعاليه . وأقطار الفرس والبعير : نواحيه . والتقاطر : تقابل الأقطار . وطعنه فقطره أي ألقاه على قطره أي جانبه ، فتقطر أي سقط ، قال الهذلي المتنخل :


                                                          التارك القرن مصفرا أنامله     كأنه من عقار قهوة ثمل
                                                          مجدلا يتسقى جلده دمه     كما يقطر جذع الدومة القطل



                                                          ويروى : يتكسى جلده . والقطل : المقطوع . وقوله : مصفرا أنامله يريد أنه نزف دمه فاصفرت أنامله . والعقار : الخمر التي لازمت الدن وعاقرته . والثمل : الذي أخذ منه الشراب . والمجدل : الذي سقط بالجدالة وهي الأرض . والدومة : واحدة الدوم وهو شجر المقل . الليث : إذا صرعت الرجل صرعة شديدة قلت قطرته ، وأنشد :


                                                          قد علمت سلمى وجاراتها     ما قطر الفارس إلا أنا



                                                          وفي الحديث : فنفرت نقدة فقطرت الرجل في الفرات فغرق أي ألقته في الفرات على أحد قطريه أي شقيه . والنقد : صغار الغنم . وفي الحديث : أن رجلا رمى امرأة يوم الطائف فما أخطأ أن قطرها . وفي حديث عائشة تصف أباها - رضي الله عنهما - : قد جمع حاشيتيه وضم قطريه أي جمع جانبيه عن الانتشار والتبدد والتفرق ، والله أعلم .

                                                          وقطره فرسه وأقطره وتقطر به : ألقاه على تلك الهيئة . وتقطر هو : رمى بنفسه من علو . وتقطر الجذع : قطع أو انجعب كتقطل . والبعير القاطر : الذي لا يزال يقطر بوله . الفراء : القطاري الحية مأخوذ من القطار وهو سمه الذي يقطر من كثرته . أبو عمرو : القطارية الحية . وحية قطارية : تأوي إلى قطر الجبل ، بنى فعالا منه وليست بنسبة على القطر وإنما مخرجه مخرج أياري وفخاذي ، قال تأبط شرا :


                                                          أصم قطاري يكون خروجه     بعيد غروب الشمس مختلف الرمس



                                                          وتقطر للقتال تقطرا : تهيأ وتحرق له ، قال : والتقطر لغة في التقتر وهو التهيؤ للقتال . والقطر والقطر مثل عسر وعسر . العود الذي يتبخر به ، وقد قطر ثوبه وتقطرت المرأة ، قال امرؤ القيس :


                                                          كأن المدام وصوب الغمام     وريح الخزامى ونشر القطر
                                                          يعل بها برد أنيابها     إذا طرب الطائر المستحر



                                                          شبه ماء فيها في طيبه عند السحر بالمدام وهي الخمر ، وصوب الغمام : الذي يمزج به الخمر ، وريح الخزامى : وهو خيري البر . ونشر القطر : وهو رائحة العود ، والطائر المستحر : هو المصوت عند السحر . والمقطر والمقطرة : المجمر ، وأنشد أبو عبيد للمرقش الأصغر :


                                                          في كل يوم لها مقطرة     فيها كباء معد وحميم



                                                          أي ماء حار تحم به . الأصمعي : إذا تهيأ النبت لليبس قيل : اقطار اقطيرارا ، وهو الذي ينثني ويعوج ثم يهيج ، يعني النبات . وأقطر النبت واقطار : ولى وأخذ يجف وتهيأ لليبس ، قال سيبويه : ولا يستعمل إلا مزيدا . وأسود قطاري : ضخم ، عن ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          أترجو الحياة يا ابن بشر بن مسهر     وقد علقت رجلاك من ناب أسودا
                                                          أصم قطاري إذا عض عضة     تزيل أعلى جلده فتربدا ؟



                                                          وناقة مقطار على النسب ، وهي الخلفة . وقد اقطارت : تكسرت . والقطار : أن تقطر الإبل بعضها إلى بعض على نسق واحد . وتقطير الإبل : من القطار . وفي حديث ابن سيرين : أنه كان يكره القطر ، قال ابن الأثير : هو بفتحتين أن يزن جلة من تمر أو عدلا من متاع أو حب [ ص: 136 ] ونحوهما ويأخذ ما بقي على حساب ذلك ولا يزنه ، وهو المقاطرة ، وقيل : هو أن يأتي الرجل إلى آخر فيقول له : بعني ما لك في هذا البيت من التمر جزافا بلا كيل ولا وزن ، فيبيعه ، وكأنه من قطار الإبل لاتباع بعضه بعضا . وقال أبو معاذ : القطر هو البيع نفسه ، ومنه حديث عمارة : أنه مرت به قطارة جمال ، القطارة والقطار أن تشد الإبل على نسق واحدا خلف واحد . وقطر الإبل يقطرها قطرا وقطرها : قرب بعضها إلى بعض على نسق . وفي المثل : النفاض يقطر الجلب ، معناه أن القوم إذا أنفضوا ونفدت أموالهم قطروا إبلهم فساقوها للبيع قطارا قطارا . والقطار : قطار الإبل ، قال أبو النجم :


                                                          وانحت من حرشاء فلج حردله     وأقبل النمل قطارا تنقله



                                                          والجمع قطر وقطرات . وتقاطر القوم : جاءوا أرسالا ، وهو مأخوذ من قطار الإبل : وجاءت الإبل قطارا أي مقطورة . الرياشي : يقال أكريته مقاطرة إذا أكراه ذاهبا وجائيا ، وأكريته وضعة وتوضعة إذا أكراه دفعة . ويقال : اقطرت الناقة اقطرارا ، فهي مقطرة ، وذلك إذا لقحت فشالت بذنبها وشمخت برأسها ; قال الأزهري : وأكثر ما سمعت العرب تقول في هذا المعنى : اقمطرت ، فهي مقمطرة ، وكأن الميم زائدة فيها .

                                                          والقطيرة : تصغير القطرة وهو الشيء التافه الخسيس . والمقطرة : الفلق ، وهي خشبة فيها خروق ، كل خرق على قدر سعة الساق ، يدخل فيها أرجل المحبوسين ، مشتق من قطار الإبل ; لأن المحبوسين فيها على قطار واحد مضموم بعضهم إلى بعض ، أرجلهم في خروق خشبية مفلوقة على قدر سعة سوقهم . وقطر في الأرض قطورا ومطر مطورا : ذهب فأسرع . وذهب ثوبي وبعيري فما أدري من قطره ومن قطر به أي أخذه ، لا يستعمل إلا في الجحد . ويقال : تقطر عني أي تخلف عني ، وأنشد :


                                                          إني على ما كان من تقطري     عنك وما بي عنك من تأسري



                                                          والمقطئر : الغضبان المنتشر من الناس . وقطوراء ، ممدود : نبات ، وهي سوادية . والقطراء ، ممدود : موضع ، عن الفارسي . وقطر : موضع بالبحرين ، قال عبدة بن الطبيب :


                                                          تذكر ساداتنا أهلهم     وخافوا عمان وخافوا قطر



                                                          والقطار : ماء معروف . وقطري بن فجاءة المازني زعم بعضهم أن أصل الاسم مأخوذ من قطري النعال .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية