الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في المحبة في الله وما ورد في ثوابها .

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف } وهذه الأخوة الخاصة هي التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه .

وقد علم أن الأخوة العامة في قوله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } فهي واقعة بينهم قبل عقده ، غير أنه زاد الأمر الخاص ، وهذه الأخوة هي التي توجب المحبة في الله عز وجل وهي أوثق عرى الإيمان أن يحب في الله ويبغض في الله . وتقدم أن من جملة السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه .

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تعالى يقول : أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي } .

وعن أبي مسلم الخولاني قال : { أتيت مسجد أهل دمشق وإذا حلقة فيها كهول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا شاب فيهم أكحل [ ص: 482 ] العين براق الثنايا كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى ، فقلت لجليس لي من هذا ؟ قال : هذا معاذ بن جبل ، فجئت من العشاء فلم يحضر ، فغدوت من الغد فلم يجئ ، فرحت فإذا أنا بالشاب يصلي إلى سارية ، فركعت ، ثم تحولت إليه ، قال فسلم فدنوت منه فقلت : إني أحبك في الله عز وجل ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله } . قال فخرجت حتى لقيت عبادة بن الصامت فذكرت له حديث معاذ بن جبل ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن ربه تبارك وتعالى يقول : { حقت محبتي للمتحابين في ، وحقت محبتي للمتباذلين في ، وحقت محبتي للمتزاورين في ، والمتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله } ذكره الإمام ابن الجوزي في التبصرة . ورواه ابن حبان في صحيحه بلفظ { قلت لمعاذ والله إني لأحبك لغير دنيا أرجو أن أصيبها منك ولا قرابة بيني وبينك ، قال : فلأي شيء ؟ قلت : لله ، فجذب حبوتي ثم قال : أبشر إن كنت صادقا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء } الحديث .

وأخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال { : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأثر عن ربه تبارك وتعالى : حقت محبتي للمتحابين في ، وحقت محبتي للمتواصلين في ، وحقت محبتي للمتزاورين في ، وحقت محبتي للمتباذلين في } والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا .

واعلم أن هذا الثواب في هذه المحبة إنما يكون إذا كانت في الله خالصة لا يشوبها كدر ، وإذا قويت محبة الله عز وجل في القلب قويت محبة أوليائه والصالحين من عباده ، فلينظر الإنسان من يؤاخي ممن يحب ، ولا ينبغي أن يتخير إلا من سبر عقله ودينه .

وروى الإمام أحمد والترمذي والحاكم وقال صحيح الإسناد والبيهقي وغيرهم .

عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من أعطى لله ، ومنع لله ، وأحب لله ، وأبغض لله ، وأنكح [ ص: 483 ] لله ، فقد استكمل إيمانه } ورواه أبو داود من حديث أبي أمامة بنحوه وليس فيه وأنكح لله .

وفي صحيح ابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه { لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي } . وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاث أحلف عليهن : لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له . وأسهم الإسلام ثلاثة : الصلاة والصوم والزكاة . ولا يتولى الله عبدا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة ; ولا يحب رجل قوما إلا جعله الله معهم } الحديث رواه الإمام أحمد بإسناد جيد .

قال ابن الجوزي في التبصرة : كان يقال : اصحب من إذا صحبته زانك . وإذا خدمته صانك ; وإذا أصابتك خصاصة مانك ; وإن رأى منك حسنة سر بها ; وإن رأى منك سقطة سترها ; ومن إذا قلت صدق قولك ; ومن هو فوقك في الدين ; ودونك في الدنيا ; وكل أخ وجليس وصاحب لا تستفيد منه في دينك خيرا فانبذ عنك صحبته ; فإذا صفت المحبة وخلصت وقع الشوق والتزاور وصار بذل المال أحقر الأشياء .

وقد كان عمر رضي الله عنه يذكر الأخ من إخوانه في بعض الليل فيقول : يا طولها من ليلة ; فإذا صلى المكتوبة غدا إليه واعتنقه .

وقال مجاهد : إذا مشى أحد المتحابين في الله إلى الآخر فأخذ بيده فضحك إليه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر .

وروي عن معروف الكرخي رحمه الله أنه قال : امش ميلا ; صل جماعة ، امش ميلين ; صل جمعة ; امش ثلاثة أميال ; شيع حاجا أو معتمرا ، امش ستة أميال ; شيع غازيا في سبيل الله ; امش سبعة أميال بصدقة من رجل إلى رجل ; امش ثمانية أميال ; أصلح بين الناس ; امش تسعة أميال ; صل رحما وقرابة ; امش عشرة أميال في حاجة عيالك ; امش أحد عشر ميلا في معونة أخيك ; امش بريدا ; والبريد اثنا عشر ميلا ; زر أخا في الله عز وجل .

وقد قدمنا في الحديث { وحقت محبتي للمتباذلين في } .

التالي السابق


الخدمات العلمية