الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7712 ) مسألة ; قال : ( وإذا أدرك الصيد وفيه روح ، فلم يذكه حتى مات ، لم يؤكل ) يعني ، والله أعلم ، ما كان فيه حياة مستقرة ، فأما ما كانت حياته كحياة المذبوح ، فهذا يباح من غير ذبح ، في قولهم جميعا ، فإن الذكاة في مثل هذا لا تفيد شيئا .

                                                                                                                                            وكذلك لو ذبحه مجوسي ، ثم أعاد ذبحه مسلم . لم يحل ، فأما إن أدركه وفيه حياة مستقرة ، فلم يذبحه حتى مات ، نظرت ; فإن لم يتسع الزمان لذكاته حتى مات ، حل أيضا . قال قتادة : يأكله ما لم يتوان في ذكاته ، أو يتركه عمدا وهو قادر على أن يذكيه . ونحوه قول مالك ، والشافعي . وروي عن الحسن ، والنخعي . وقال أبو حنيفة : لا يحل ; لأنه أدركه حيا حياة مستقرة ، فتعلقت إباحته بتذكيته ، كما لو اتسع الزمان .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه لم يقدر على ذكاته بوجه ينسب فيه إلى التفريط ، ولم يتسع لها الزمان ، فكان عقره ذكاته ، كالذي قتله . ويفارق ما قاسوا عليه ; لأنه أمكنه ذكاته ، وفرط بتركها .

                                                                                                                                            ولو أدركه وفيه حياة مستقرة يعيش بها طويلا ، وأمكنته ذكاته ، فلم يدركه حتى مات ، لم يبح ، سواء كان به جرح يعيش معه أو لا ، وبه قال مالك ، والليث ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور وأصحاب الرأي ; لأن ما كان كذلك . فهو في حكم الحي . بدليل أن عمر . رضي الله عنه . كانت جراحاته موحية . فأوصى . وأجيزت وصاياه وأقواله في تلك الحال . ولا سقطت عنه الصلاة والعبادات . ولأنه ترك تذكيته مع القدرة عليها . فأشبه غير الصيد . ( 7713 ) .

                                                                                                                                            مسألة ; قال : ( فإن لم يكن معه ما يذكيه به . أشلى الصائد له عليه . حتى يقتله . فيؤكل ) يعني : أغرى الكلب به . وأرسله عليه . ومعنى أشلى في العربية : دعا . إلا أن العامة تستعمله بمعنى أغراه . ويحتمل أن الخرقي أراد دعاه ثم أرسله ; لأن إرساله على الصيد يتضمن دعاءه إليه . واختلف قول أحمد في هذه المسألة . فعنه مثل قول الخرقي . وهو قول الحسن . وإبراهيم .

                                                                                                                                            وقال في موضع : إني لأقشعر من هذا . يعني أنه لا يراه . وهو قول أكثر أهل العلم ; لأنه مقدور عليه . فلم يبح بقتل الجارح له . كبهيمة الأنعام . وكما لو أخذه سليما . ووجه الأولى . أنه صيد قتله الجارح له من غير إمكان ذكاته . فأبيح كما لو أدركه ميتا . ولأنها حال تتعذر فيها الذكاة في الحلق واللبة غالبا . فجاز أن تكون ذكاته على حسب الإمكان . كالمتردية في بئر .

                                                                                                                                            وحكي عن القاضي . أنه قال في هذا يتركه حتى يموت فيحل ; لأنه صيد تعذرت تذكيته . فأبيح بموته من عقر الصائد له . كالذي تعذرت تذكيته لقلة لبته . والأول أصح ; لأنه حيوان لا يباح بغير التذكية إذا كان معه آلة الذكاة . فلم يبح بغيرها إذا لم يكن معه آلة . كسائر المقدور على تذكيته . ومسألة الخرقي محمولة على ما يخاف موته إن لم يقتله الحيوان [ ص: 299 ] أو يذكى . فإن كان به حياة يمكن بقاؤه إلى أن يأتي به منزله . فليس فيه اختلاف أنه لا يباح إلا بالذكاة . لأنه مقدور على تذكيته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية