الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قفر ]

                                                          قفر : القفر والقفرة : الخلاء من الأرض ، وجمعه قفار وقفور ، قال الشماخ :


                                                          يخوض أمامهن الماء حتى تبين أن ساحته قفور



                                                          وربما قالوا : أرضون قفر . ويقال : أرض قفر ومفازة قفر وقفرة أيضا ، وقيل : القفر مفازة لا نبات بها ولا ماء ، وقالوا : أرض مقفار أيضا . وأقفر الرجل : صار إلى القفر ، وأقفرنا كذلك . وذئب قفر : منسوب إلى القفر كرجل نهر ، أنشد ابن الأعرابي :


                                                          فلئن غادرتهم في ورطة     لأصيرن نهزة الذئب القفر



                                                          وقد أقفر المكان وأقفر الرجل من أهله : خلا . وأقفر : ذهب طعامه وجاع . وقفر ماله قفرا : قل . قال أبو زيد : قفر مال فلان وزمر يقفر ويرمز قفرا وزمرا إذا قل ماله ، وهو قفر المال زمره . الليث : القفر المكان الخلاء من الناس ، وربما كان به كلأ قليل . وقد أقفرت الأرض من الكلإ والناس وأقفرت الدار : خلت ، وأقفرت من أهلها : خلت . وتقول : أرض قفر ودار قفر ، وأرض قفار ودار قفار ، تجمع على سعتها لتوهم المواضع ، كل موضع على حياله قفر ، فإذا سميت أرضا بهذا الاسم أنثت . ويقال : دار قفر ومنزل قفر ، فإذا أفردت قلت : انتهينا إلى قفرة من الأرض . ويقال : أقفر فلان من أهله إذا انفرد عنهم وبقي وحده ، وأنشد لعبيد :


                                                          أقفر من أهله عبيد     فاليوم لا يبدي ولا يعيد



                                                          ويقال : أقفر جسده من اللحم ، وأقفر رأسه من الشعر ، وإنه لقفر الرأس أي لا شعر عليه ، وإنه لقفر الجسم من اللحم ، قال العجاج :

                                                          [ ص: 159 ]

                                                          لا قفرا عشا ولا مهبجا



                                                          ابن سيده : رجل قفر الشعر واللحم قليلهما ، والأنثى قفرة وقفرة ، وكذلك الدابة ، تقول منه : قفرت المرأة ، بالكسر ، تقفر قفرا ، فهي قفرة أي قليلة اللحم . أبو عبيد : القفرة من النساء القليلة اللحم . ابن سيده : والقفر الشعر ، قال :


                                                          قد علمت خود بساقيها القفر



                                                          قال الأزهري : الذي عرفناه بهذا المعنى الغفر ، بالغين ، قال : ولا أعرف القفر . وسويق قفار : غير ملتوت . وخبز قفار : غير مأدوم . وقفر الطعام قفرا : صار قفارا . وأقفر الرجل : أكل طعامه بلا أدم . وأكل خبزه قفارا : بغير أدم . وأقفر الرجل إذا لم يبق عنده أدم . وفي الحديث : ما أقفر بيت فيه خل أي ما خلا من الأدام ولا عدم أهله الأدم ، قال أبو عبيد : قال أبو زيد وغيره : هو مأخوذ من القفار ، وهو كل طعام يؤكل بلا أدم ، والقفار ، بالفتح : الخبز بلا أدم . والقفار : الطعام بلا أدم . يقال : أكلت اليوم طعاما قفارا إذا أكله غير مأدوم ، قال : ولا أرى أصله إلا مأخوذا من القفر من البلد الذي لا شيء به . والقفار والقفير : الطعام إذا كان غير مأدوم . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : فإني لم آتهم ثلاثة أيام وأحسبهم مقفرين أي خالين من الطعام ، ومنه حديثه الآخر : قال للأعرابي الذي أكل عنده : كأنك مقفر . والقفار : شاعر ، قال ابن الأعرابي : هو خالد بن عامر أحد بني عميرة بن خفاف بن امرئ القيس ، سمي بذلك لأن قوما نزلوا به فأطعمهم الخبز قفارا ، وقيل : إنما أطعمهم خبزا بلبن ولم يذبح لهم فلامه الناس ، فقال :


                                                          أنا القفار خالد بن عامر     لا بأس بالخبز ولا بالخاثر
                                                          أتت بهم داهية الجواعر     بظراء ليس فرجها بطاهر



                                                          والعرب تقول : نزلنا ببني فلان فبتنا القفر ، إذا لم يقروا . والتقفير : جمعك التراب وغيره . والقفير : الزبيل ، يمانية . أبو عمرو : القفير والقليف والنجوية الجلة العظيمة البحرانية التي يحمل فيها القباب ، وهو الكنعد المالح . وقفر الأثر يقفره قفرا واقتفره اقتفارا وتقفره ، كله : اقتفاه وتتبعه . وفي الحديث : أنه سئل عمن يرمي الصيد فيقتفر أثره أي يتبعه . يقال : اقتفرت الأثر وتقفرته إذا تتبعته وقفوته . وفي حديث يحيى بن يعمر : ظهر قبلنا أناس يتقفرون العلم ، ويروى يقتفرون أي يتطلبونه . وفي حديث ابن سيرين : أن بني إسرائيل كانوا يجدون محمدا - صلى الله عليه وسلم - منعوتا عندهم وأنه يخرج من بعض هذه القرى العربية وكانوا يقتفرون الأثر ، وأنشد لأعشى باهلة يرثي أخاه المنتشر بن وهب :


                                                          أخو رغائب يعطيها ويسألها     يأبى الظلامة منه النوفل الزفر
                                                          من ليس في خيره شر يكدره     على الصديق ولا في صفوه كدر
                                                          لا يصعب الأمر إلا حيث يركبه     وكل أمر سوى الفحشاء يأتمر
                                                          لا يغمز الساق من أين ومن وصب     ولا يزال أمام القوم يقتفر



                                                          قال ابن بري : قوله : يأبى الظلامة منه النوفل الزفر ، يقضي ظاهره أن النوفل الزفر بعضه وليس كذلك ، وإنما النوفل الزفر هو نفسه ، قال : وهذا أكثر ما يجيء في كلام العرب بجعل الشيء نفسه بمنزلة البعض لنفسه ، كقولهم : لئن رأيت زيدا لترين منه السيد الشريف ، ولئن أكرمته لتلقين منه مجازيا للكرامة ، ومنه قوله تعالى : ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ظاهر الآية يقضي أن الأمة التي تدعو إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر هي بعض المخاطبين ، وليس الأمر على ذلك بل المعنى : ولتكونوا كلكم أمة يدعون إلى الخير ، وقال أيوب بن عياية في اقتفر الأثر تتبعه :


                                                          فتصبح تقفرها فتية     كما يقفر النيب فيها الفصيل



                                                          وقال أبو المثلم صخر :


                                                          فإني عن تقفركم مكيث



                                                          والقفور ، مثال التنور : كافور النخل ، وفي موضع آخر : وعاء طلع النخل ، قال الأصمعي : الكافور وعاء النخل ، ويقال له أيضا : قفور ، قال الأزهري : وكذلك الكافور الطيب يقال له : قفور . والقفور : نبت ترعاه القطا ، قال أبو حنيفة : لم يحل لنا ، وقد ذكره ابن أحمر فقال :


                                                          ترعى القطاة البقل قفوره     ثم تعر الماء فيمن يعر



                                                          الليث : القفور شيء من أفاويه الطيب ، وأنشد :


                                                          مثواة عطارين بالعطور     أهضامها والمسك والقفور



                                                          وقفيرة : اسم امرأة . الليث : قفيرة اسم أم الفرزدق ، قال الأزهري : كأنه تصغير القفرة من النساء ، وقد مر تفسيره .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية