الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قلب ]

                                                          قلب : القلب : تحويل الشيء عن وجهه . قلبه يقلبه قلبا وأقلبه ، الأخيرة عن اللحياني وهي ضعيفة . وقد انقلب وقلب الشيء وقلبه : حوله ظهرا لبطن . وتقلب الشيء ظهرا لبطن ، كالحية تتقلب على الرمضاء . وقلبت الشيء فانقلب أي انكب ، وقلبته بيدي تقليبا ، وكلام مقلوب ، وقد قلبته فانقلب ، وقلبته فتقلب . والقلب أيضا : صرفك إنسانا . تقلبه عن وجهه الذي يريده . وقلب الأمور : بحثها ونظر في عواقبها . وفي التنزيل العزيز : وقلبوا لك الأمور وكله مثل بما تقدم . وتقلب في الأمور وفي البلاد : تصرف فيها كيف شاء . وفي التنزيل العزيز : فلا يغررك تقلبهم في البلاد معناه : فلا يغررك سلامتهم في تصرفهم فيها ، فإن عاقبة أمرهم الهلاك . ورجل قلب : يتقلب كيف شاء . وتقلب ظهرا لبطن ، وجنبا لجنب : تحول . وقولهم : هو حول قلب أي محتال بصير بتقليب الأمور . والقلب الحول : الذي يقلب الأمور ويحتال لها . وروي عن معاوية لما احتضر : أنه كان يقلب على فراشه في مرضه الذي مات فيه ، فقال : إنكم لتقلبون حولا قلبا ، لو وقي هول المطلع ، وفي النهاية : إن وقي كبة النار أي رجلا عارفا بالأمور قد ركب الصعب والذلول ، وقلبهما ظهرا لبطن ، وكان محتالا في أموره حسن التقلب . وقوله تعالى : تتقلب فيه القلوب والأبصار ، قال الزجاج : معناه ترجف وتخف من الجزع والخوف ، قال : ومعناه أن من كان قلبه مؤمنا بالبعث والقيامة ازداد بصيرة ورأى ما وعد به ، ومن كان قلبه على غير ذلك رأى ما يوقن معه أمر القيامة والبعث فعلم ذلك بقلبه وشاهده ببصره ، فذلك تقلب القلوب والأبصار ، ويقال : قلب عينه وحملاقه عند الوعيد والغضب ; وأنشد :


                                                          قالب حملاقيه قد كاد يجن



                                                          وقلب الخبز ونحوه يقلبه قلبا إذا نضج ظاهره فحوله لينضج باطنه ، وأقلبها : لغة عن اللحياني وهي ضعيفة . وأقلبت الخبزة : حان لها أن تقلب وأقلب العنب : يبس ظاهره . فحول . والقلب بالتحريك : انقلاب في الشفة العليا واسترخاء ، وفي الصحاح : انقلاب الشفة ولم يقيد بالعليا . وشفة قلباء : بينة القلب ، ورجل أقلب . وفي المثل : اقلبي قلاب ، يضرب للرجل يقلب لسانه فيضعه حيث شاء . وفي حديث عمر رضي الله عنه : بينا يكلم إنسانا إذ اندفع يطربه ويطنب فأقبل عليه ، فقال : ما تقول يا جرير ؟ وعرف العضب في وجهه ، فقال : ذكرت أبا بكر وفضله ، فقال عمر : اقلب قلاب ، وسكت ، قال ابن الأثير : هذا مثل يضرب لمن تكون منه السقطة فيتداركها بأن يقلبها عن جهتها ويصرفها إلى غير معناها ، يريد : اقلب يا قلاب ، فأسقط حرف النداء وهو غريب لأنه إنما يحذف مع الأعلام . وقلبت القوم ، كما تقول : صرفت الصبيان ، عن ثعلب . وقلب المعلم الصبيان يقلبهم : أرسلهم ، ورجعهم إلى منازلهم ، وأقلبهم : لغة ضعيفة ، عن اللحياني ، على أنه قد قال : إن كلام العرب في كل ذلك إنما هو : قلبته ، بغير ألف . وفي حديث أبي هريرة : أنه كان يقال لمعلم الصبيان : اقلبهم أي اصرفهم إلى منازلهم . والانقلاب إلى الله عز وجل : المصير إليه والتحول وقد قلبه الله إليه هذا كلام العرب . وحكى اللحياني : أقلبه ، قال : وقال أبو ثروان : أقلبكم الله مقلب أوليائه ، ومقلب أوليائه ، فقالها بالألف . والمنقلب يكون مكانا ويكون مصدرا مثل المنصرف . والمنقلب : مصير العباد إلى الآخرة . وفي حديث دعاء السفر : أعوذ بك من كآبة المنقلب أي الانقلاب من السفر والعود إلى الوطن ، يعني أنه يعود إلى بيته فيرى فيه ما يحزنه . والانقلاب : الرجوع مطلقا ، ومنه حديث المنذر بن أبي أسيد حين ولد : فاقلبوه ، فقالوا : أقلبناه يا رسول الله ، قال ابن الأثير : هكذا جاء في صحيح مسلم ، وصوابه : قلبناه أي رددناه . وقلبه عن وجهه : صرفه ، وحكى اللحياني : أقلبه ، قال : وهي مرغوب عنها . وقلب الثوب ، والحديث ، وكل شيء : حوله ، وحكى اللحياني فيهما : أقلبه . وقد تقدم أن المختار عنده في جميع ذلك قلبت . وما بالعليل قلبة أي ما به شيء لا يستعمل إلا في النفي ، قال الفراء : هو مأخوذ من القلاب : داء يأخذ الإبل في رءوسها فيقلبها إلى فوق ، قال النمر :


                                                          أودى الشباب وحب الخالة الخلبه     وقد برئت فما بالقلب من قلبه



                                                          أي : برئت من داء الحب ، وقال ابن الأعرابي : معناه ليست به علة يقلب لها فينظر إليه . تقول : ما بالبعير قلبة أي ليس به داء يقلب له فينظر إليه ، وقال الطائي : معناه ما به شيء يقلقه فيتقلب من أجله على فراشه . الليث : ما به قلبة أي لا داء ولا غائلة . وفي الحديث : فانطلق يمشي ما به قلبة أي ألم وعلة ، وقال الفراء : معناه ما به علة يخشى عليه منها ، وهو مأخوذ من قولهم : قلب الرجل إذا أصابه وجع في قلبه وليس يكاد يفلت منه ، وقال ابن الأعرابي : أصل ذلك في الدواب أي ما به داء يقلب منه حافره ، قال حميد الأرقط يصف فرسا :


                                                          ولم يقلب أرضها البيطار     ولا لحبليه بها حبار



                                                          أي : لم يقلب قوائمها من علة بها . وما بالمريض قلبة أي علة يقلب منها . والقلب : مضغة من الفؤاد معلقة بالنياط . ابن سيده : القلب الفؤاد ، مذكر ، صرح بذلك اللحياني ، والجمع : أقلب وقلوب ، الأولى عن اللحياني . وقوله تعالى : نزل به الروح الأمين على قلبك ، قال الزجاج : معناه نزل به جبريل عليه السلام عليك ، فوعاه قلبك وثبت فلا تنساه أبدا . وقد يعبر بالقلب عن العقل ، قال الفراء في قوله تعالى : إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أي عقل ، قال الفراء : وجائز في العربية أن تقول : ما لك قلب وما قلبك معك ، تقول : ما عقلك معك ، وأين ذهب قلبك ؟ أي : أين ذهب عقلك ، وقال غيره : لمن كان له قلب أي تفهم وتدبر . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوبا وألين [ ص: 170 ] أفئدة ، فوصف القلوب بالرقة والأفئدة باللين . وكأن القلب أخص من الفؤاد في الاستعمال ، ولذلك قالوا : أصبت حبة قلبه وسويداء قلبه ; وأنشد بعضهم :


                                                          ليت الغراب رمى حماطة قلبه     عمرو بأسهمه التي لم تلغب



                                                          وقيل : القلوب والأفئدة قريبان من السواء ، وكرر ذكرهما لاختلاف اللفظين تأكيدا ، وقال بعضهم : سمي القلب قلبا لتقلبه ; وأنشد :


                                                          ما سمي القلب إلا من تقلبه     والرأي يصرف بالإنسان أطوارا



                                                          وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : سبحان مقلب القلوب ، وقال الله تعالى : ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ، قال الأزهري : ورأيت بعض العرب يسمي لحمة القلب كلها شحمها وحجابها : قلبا وفؤادا ، قال : ولم أرهم يفرقون بينهما ، قال : ولا أنكر أن يكون القلب هي العلقة السوداء في جوفه . وقلبه يقلبه ويقلبه قلبا ، الضم عن اللحياني وحده : أصاب قلبه ، فهو مقلوب ، وقلب قلبا : شكا قلبه . والقلاب : داء يأخذ في القلب ، عن اللحياني . والقلاب : داء يأخذ البعير ، فيشتكي منه قلبه ، فيموت من يومه ، يقال : بعير مقلوب وناقة مقلوبة ، قال كراع : وليس في الكلام اسم داء اشتق من اسم العضو إلا القلاب من القلب والكباد من الكبد والنكاف من النكفتين وهما غدتان تكتنفان الحلقوم من أصل اللحي . وقد قلب قلابا ، وقيل : قلب البعير قلابا عاجلته الغدة فمات . وأقلب القوم : أصاب إبلهم القلاب . الأصمعي : إذا عاجلت الغدة البعير ، فهو مقلوب ، وقد قلب قلابا . وقلب النخلة وقلبها وقلبها : لبها وشحمتها ، وهي هنة رخصة بيضاء تمتسخ فتؤكل ، وفيه ثلاث لغات : قلب وقلب وقلب ، وقال أبو حنيفة مرة : القلب أجود خوص النخلة وأشده بياضا ، وهو الخوص الذي يلي أعلاها واحدته قلبة ، بضم القاف وسكون اللام ، والجمع أقلاب وقلوب وقلبة . وقلب النخلة : نزع قلبها . وقلوب الشجر : ما رخص من أجوافها وعروقها التي تقودها . وفي الحديث : أن يحيى بن زكريا صلوات الله على نبينا وعليه كان يأكل الجراد وقلوب الشجر ، يعني الذي ينبت في وسطها غضا طريا ، فكان رخصا من البقول الرطبة قبل أن يقوى ويصلب ، واحدها قلب ، ، بالضم ، للفرق . وقلب النخلة : جمارها وهي شطبة بيضاء رخصة في وسطها عند أعلاها كأنها قلب فضة رخص طيب سمي قلبا لبياضه . شمر : يقال : قلب وقلب لقلب النخلة ، ويجمع قلبة . التهذيب : القلب ، ، بالضم ، السعف الذي يطلع من القلب . والقلب : هو الجمار وقلب كل شيء : لبه وخالصه ومحضه ، تقول : جئتك بهذا الأمر قلبا أي محضا لا يشوبه شيء . وفي الحديث : إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس . وقلب العقرب : منزل من منازل القمر ، وهو كوكب نير وبجانبيه كوكبان . وقولهم : هو عربي قلب وعربية قلبة وقلب أي خالص ، تقول منه : رجل قلب ، وكذلك هو عربي محض ، قال أبو وجزة يصف امرأة :


                                                          قلب عقيلة أقوام ذوي حسب     يرمى المقانب عنها والأراجيل



                                                          ورجل قلب وقلب : محض النسب يستوي فيه المؤنث والمذكر والجمع ، وإن شئت ثنيت وجمعت ، وإن شئت تركته في حال التثنية والجمع بلفظ واحد ، والأنثى قلب وقلبة ، قال سيبويه : وقالوا : هذا عربي قلب وقلبا ، على الصفة والمصدر والصفة أكثر . وفي الحديث : كان علي قرشيا قلبا أي خالصا من صميم قريش ، وقيل : أراد فهما فطنا من قوله تعالى : لذكرى لمن كان له قلب . والقلب من الأسورة : ما كان قلدا واحدا ، ويقولون : سوار قلب ، وقيل : سوار المرأة . والقلب : الحية البيضاء على التشبيه بالقلب من الأسورة . وفي حديث ثوبان : أن فاطمة حلت الحسن والحسين عليهم السلام بقلبين من فضة القلب : السوار . ومنه الحديث : أنه رأى في يد عائشة قلبين . وفي حديث عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، قالت : القلب ، والفتخة . والمقلب : الحديدة التي تقلب بها الأرض للزراعة . وقلبت المملوك عند الشراء أقلبه قلبا إذا كشفته لتنظر إلى عيوبه . والقليب على لفظ تصغير فعل : خرزة يؤخذ بها ، هذه عن اللحياني . والقليب والقلوب والقلوب والقلوب والقلاب : الذئب يمانية ، قال شاعرهم :


                                                          أيا جحمتا بكي على أم واهب     أكيلة قلوب ببعض المذانب



                                                          والقليب : البئر ما كانت . والقليب : البئر قبل أن تطوى ، فإذا طويت فهي الطوي ، ، والجمع القلب ، وقيل : هي البئر العادية القديمة التي لا يعلم لها رب ولا حافر تكون بالبراري تذكر وتؤنث ، وقيل : هي البئر القديمة مطوية كانت أو غير مطوية . ابن شميل : القليب اسم من أسماء الركي مطوية أو غير مطوية ، ذات ماء أو غير ذات ماء ، جفر أو غير جفر ، وقال شمر : القليب اسم من أسماء البئر البديء والعادية ، ولا يخص بها العادية ، قال : وسميت قليبا لأنه قلب ترابها ، وقال ابن الأعرابي : القليب ما كان فيه عين وإلا فلا ، والجمع أقلبة ، قال عنترة يصف جعلا :


                                                          كأن مؤشر العضدين حجلا     هدوجا بين أقلبة ملاح



                                                          وفي الحديث : أنه وقف على قليب بدر . القليب : البئر لم تطو ، وجمع الكثير : قلب ، قال كثير :


                                                          وما دام غيث من تهامة طيب     بها قلب عادية وكرار



                                                          والكرار : جمع كر للحسي . والعادية : القديمة ، وقد شبه العجاج بها الجراحات ، فقال


                                                          عن قلب ضجم توري من سبر



                                                          وقيل : الجمع قلب في لغة من أنث ، وأقلبة وقلب جميعا في لغة من ذكر ، وقد قلبت تقلب . وقلبت البسرة إذا احمرت ، قال ابن الأعرابي : القلبة الحمرة . الأموي في لغة بلحارث بن كعب : القالب ، بالكسر ، البسر الأحمر ، يقال منه : قلبت البسرة تقلب إذا احمرت ، وقال أبو حنيفة : إذا تغيرت البسرة كلها ، فهي القالب . وشاة قالب لون إذا كانت على غير لون أمها . وفي الحديث : أن موسى لما آجر [ ص: 171 ] نفسه من شعيب ، قال لموسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام : لك من غنمي ما جاءت به قالب لون ، فجاءت به كله قالب لون غير واحدة أو اثنتين . تفسيره في الحديث : أنها جاءت بها على غير ألوان أمهاتها ، كأن لونها قد انقلب . وفي حديث علي كرم الله وجهه في صفة الطيور : فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه . أبو زيد : يقال للبليغ من الرجال : قد رد قالب الكلام ، وقد طبق المفصل ووضع الهناء مواضع النقب . وفي الحديث : كان نساء بني إسرائيل يلبسن القوالب ، جمع قالب ، وهو نعل من خشب كالقبقاب ، وتكسر لامه وتفتح ، وقيل : إنه معرب . وفي حديث ابن مسعود : كانت المرأة تلبس القالبين تطاول بهما . والقالب والقالب : الشيء الذي تفرغ فيه الجواهر ليكون مثالا لما يصاغ منها ، وكذلك قالب الخف ونحوه دخيل . وبنو القليب : بطن من تميم وهو القليب بن عمرو بن تميم . وأبو قلابة : رجل من المحدثين .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية