الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في حكم المسح

                                                                                                                                                                        يباح المسح على الخف للصلاة ، وسائر ما يفتقر إلى الوضوء . وله المسح إلى إحدى غايات أربع :

                                                                                                                                                                        الأولى : مضي يوم وليلة للمقيم ، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر على المشهور الجديد . وفي القديم : يجوز غير مؤقت . والتفريع على الجديد . وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس . وأكثر ما يمكن المقيم أن يصلي من الفرائض المؤداة ، ست صلوات إن لم يجمع . فإن جمع لمطر ، فسبع ، والمسافر ست عشرة ، وبالجمع سبع عشرة . وأما المقضيات فلا تنحصر .

                                                                                                                                                                        واعلم أن المسافر إنما يمسح ثلاثة أيام إذا كان سفره طويلا ، وغير معصية ، فإن قصر سفره ، مسح يوما وليلة ، وإن كان معصية ، مسح يوما وليلة على الأصح . وعلى الثاني : لا يمسح شيئا . ويجزئ الوجهان في العاصي بالإقامة ، كالعبد المأمور بالسفر إذا أقام .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا لبس الخف في الحضر ، ثم سافر ، ومسح في السفر ، مسح مسح مسافر ، سواء كان أحدث في الحضر ، أم لا ، وسواء سافر بعد الحدث وخروج وقت الصلاة ، أم لا ، وقال المزني : إن أحدث في الحضر ، مسح مسح مقيم . وقال أبو إسحاق المروزي : إن خرج الوقت في الحضر ولم يصل ، ثم سافر ، مسح مسح مقيم . أما إذا مسح في الحضر ثم سافر ، فيتم مسح مقيم . والاعتبار في المسح بتمامه ، فلو مسح إحدى الخفين في الحضر ، ثم سافر ومسح الآخر في السفر ، فله مسح مسافر ، لأنه تم مسحه في السفر .

                                                                                                                                                                        [ ص: 132 ] قلت : هذا الذي جزم به الإمام الرافعي - رحمه الله - في مسألة المسح على أحد الخفين في الحضر ، هو الذي ذكره القاضي حسين وصاحب ( التهذيب ) . لكن الصحيح المختار ، ما جزم به صاحب ( التتمة ) واختاره الشاشي : أنه يمسح مسح مقيم ، لتلبسه بالعبادة في الحضر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        أما إذا مسح في السفر ثم أقام ، فإن كان بعد مضي يوم وليلة فأكثر ، فقد انقضت مدته ، ويجزئه ما مضى . وإن كان قبل يوم وليلة ، تممها . وقال المزني : يمسح ثلث ما بقي من ثلاثة أيام ولياليهن مطلقا . ولو شك الماسح في السفر أو الحضر في انقضاء مدته ، وجب الأخذ بانقضائها . ولو شك المسافر هل ابتدأ المسح في الحضر ، أم السفر ؟ أخذ بالحضر ، فيقتصر على يوم وليلة ، فلو مسح في اليوم الثاني شاكا ، وصلى به ، ثم علم في اليوم الثالث أنه كان ابتدأ في السفر ، لزمه إعادة ما صلى في اليوم الثاني . وله المسح في اليوم الثالث ، فإن كان مسح في اليوم الأول ، واستمر على الطهارة فلم يحدث في اليوم الثاني ، فله أن يصلي في الثالث بذلك المسح ، لأنه صحيح . فإن كان أحدث في الثاني ، ومسح شاكا ، وبقي على تلك الطهارة ، لم يصح مسحه ، فيجب إعادة المسح . وفي وجوب استئناف الوضوء القولان في الموالاة . وقال صاحب ( الشامل ) يجزئه المسح مع الشك . والصحيح الأول .

                                                                                                                                                                        الغاية الثانية : نزع الخفين أو أحدهما ، فإن وجد ذلك وهو على طهارة مسح ، لزمه غسل الرجلين ، ولا يلزمه استئناف الوضوء على الأظهر . واختلف في أصل القولين ، فقيل : بنفسيهما ، وقيل : مبنيان على تفريق الوضوء ، وضعفه الأصحاب . وقيل : على أن بعض الطهارة هل يختص بالانتقاض ، أم يلزمه من انتقاض بعضها انتقاض جميعها ؟ وقيل : مبنيان على أن مسح الخف يرفع الحدث عن الرجل ، أم لا ؟ فإن قلنا : لا يرفع ، اقتصر على غسل الرجلين ، وإلا استأنف الوضوء .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح عند الأصحاب أن مسح الخف يرفع الحدث عن الرجل ، كمسح [ ص: 133 ] الرأس . ولو خرج الخف عن صلاحية المسح ، لضعفه ، أو تخرقه ، أو غير ذلك ، فهو كنزعه . ولو انقضت المدة ، أو ظهرت الرجل وهو في صلاة ، بطلت . فلو لم يبق من المدة إلا ما يسع ركعة ، فافتتح ركعتين ، فهل يصح الافتتاح وتبطل صلاته عند انقضاء المدة ، أم لا تنعقد ؟ وجهان في ( البحر ) أصحهما : الانعقاد . وفائدتهما : أنه لو اقتدى به إنسان عالم بحاله ، ثم فارقه عند انقضاء المدة ، هل تصح صلاته ، أم لا تنعقد ؟ فيه الوجهان ، وفيما لو أراد الاقتصار على ركعة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الغاية الثالثة : أن يلزم الماسح غسل جنابة ، أو حيض ، أو نفاس ، فيجب استئناف اللبس بعده .

                                                                                                                                                                        الغاية الرابعة : إذا نجست رجله في الخف ولم يمكن غسلها فيه ، وجب النزع لغسلها . فإن أمكن غسلها فيه فغسلها ، لم يبطل المسح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        سليم الرجلين إذا لبس خفا في إحداهما ، لا يصح مسحه . فلو لم يكن له إلا رجل ، جاز المسح على خفها ، ولو بقيت من الرجل الأخرى بقية ، لم يجز المسح حتى يواريها بما يجوز المسح عليه .

                                                                                                                                                                        قلت : لو كان إحدى رجليه عليلة ، بحيث لا يجب غسلها ، فلبس الخف في الصحيحة ، قطع الدارمي بصحة المسح عليه . وصاحب ( البيان ) بالمنع . وهو الأصح ، لأنه يجب التيمم عن الرجل العليلة ، فهي كالصحيحة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية