الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قلل ]

                                                          قلل : القلة : خلاف الكثرة . والقل : خلاف الكثر ، وقد قل يقل قلة وقلا فهو قليل وقلال وقلال ، بالفتح ، عن ابن جني . وقلله وأقله : جعله قليلا ، وقيل : قلله جعله قليلا . وأقل : أتى بقليل . وأقل منه : كقلله عن ابن جني . وقلله في عينه أي أراه قليلا . وأقل الشيء : صادفه قليلا ، واستقله : رآه قليلا . يقال : تقلل الشيء واستقله وتقاله إذا رآه قليلا . وفي حديث أنس : أن نفرا سألوه عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها أي استقلوها ، وهو تفاعل من القلة . وفي الحديث : أنه كان يقل اللغو أي لا يلغو أصلا ، قال ابن الأثير : وهذا اللفظ يستعمل في نفي أصل الشيء كقوله تعالى : فقليلا ما يؤمنون ، قال : ويجوز أن يريد باللغو : الهزل والدعابة ، وأن ذلك كان منه قليلا . والقل : القلة مثل الذل والذلة . يقال : الحمد على القل والكثر ، والقل والكثر ، وما له قل ولا كثر . وفي حديث ابن مسعود : الربا وإن كثر فهو إلى قل ، معناه إلى قلة أي أنه وإن كان زيادة في المال عاجلا ، فإنه يئول إلى النقص ، كقوله : يمحق الله الربا ويربي الصدقات ، قاله أبو عبيد ; وأنشد قول لبيد :


                                                          كل بني حرة مصيرهم قل وإن أكثرت من العدد



                                                          وأنشد الأصمعي لخالد بن علقمة الدارمي :


                                                          ويل ام لذات الشباب معيشه     مع الكثر يعطاه الفتى المتلف الندي
                                                          قد يقصر القل الفتى دون همه     وقد كان لولا القل طلاع أنجد

                                                          وأنشد ابن بري لآخر :


                                                          فأرضوه إن أعطوه مني ظلامة     وما كنت قلا قبل ذلك أزيبا

                                                          وقولهم : لم يترك قليلا ولا كثيرا ، قال أبو عبيد : فإنهم يبدئون بالأدون ، كقولهم : القمران وربيعة ومضر وسليم وعامر . والقلال ، ، بالضم : القليل . وشيء قليل ، وجمعه قلل : مثل سرير وسرر . وشيء قل : قليل . وقل الشيء : أقله . والقليل من الرجال : القصير الدقيق الجثة ، وامرأة قليلة كذلك . ورجل قل : قصير الجثة . والقل من الرجال : الخسيس الدين ، ومنه قول الأعشى :


                                                          وما كنت قلا قبل ذلك أزيبا



                                                          ووصف أبو حنيفة العرض بالقلة ، فقال : المعول نصل طويل قليل العرض وقوم قليلون وأقلاء وقلل وقللون : يكون ذلك في قلة العدد ودقة الجثة ، وقوم قليل أيضا ، قال الله تعالى : واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم . وقالوا : قلما يقوم زيد ، هيأت ما قل ليقع بعدها الفعل ، قال بعض النحويين : قل من قولك ، قلما فعل لا فاعل له ; لأن ما أزالته عن حكمه في تقاضيه الفاعل وأصارته إلى حكم الحرف المتقاضي للفعل لا الاسم ، نحو لولا وهلا جميعا ، وذلك في التحضيض ، وإن في الشرط وحرف الاستفهام ، ولذلك ذهب سيبويه في قول الشاعر :


                                                          صددت فأطولت الصدود وقلما     وصال على طول الصدود يدوم



                                                          إلى أن وصال يرتفع بفعل مضمر يدل عليه يدوم حتى كأنه قال : وقلما يدوم وصال ، فلما أضمر يدوم فسره بقوله فيما بعد : يدوم ، فجرى ذلك في ارتفاعه بالفعل المضمر لا بالابتداء مجرى قولك : أوصال يدوم أو هلا وصال يدوم ؟ ونظير ذلك حرف الجر في نحو قول الله عز وجل : ربما يود الذين كفروا فما أصلحت رب لوقوع الفعل بعدها ومنعتها وقوع الاسم الذي هو لها في الأصل بعدها ، فكما فارقت رب بتركيبها مع ما حكمها قبل أن تركب معها ، فكذلك فارقت طال وقل بالتركيب الحادث فيهما ما كانتا عليه من طلبهما الأسماء ، ألا ترى أن لو قلت : طالما زيد عندنا ، أو : قلما محمد في الدار ، لم يجز ؟ وبعد فإن التركيب يحدث في المركبين معنى لم يكن قبل فيهما ، وذلك نحو إن مفردة ، فإنها للتحقيق فإذا دخلتها ما كافة صارت للتحقير ، كقولك : إنما أنا عبدك ، وإنما أنا رسول ، ونحو ذلك وقالوا : أقل امرأتين تقولان ذلك ، قال ابن جني : لما ضارع المبتدأ حرف النفي بقوا المبتدأ بلا خبر . وأقل : افتقر . والإقلال : قلة الجدة وقل ماله . ورجل مقل وأقل : فقير . يقال : فعل ذلك من بين أثرى وأقل أي من بين الناس كلهم . وقاللت له الماء إذا خفت العطش فأردت أن تستقل ماءك . أبو زيد : قاللت لفلان وذلك إذا قللت ما أعطيته . وتقاللت ما أعطاني أي استقللته ، وتكاثرته أي استكثرته . وهو قل بن قل ، وضل بن ضل : لا يعرف هو ولا أبوه ، قال سيبويه : وقالوا : قل رجل يقول ذلك إلا زيد . وقدم علينا قلل من الناس إذا كانوا من قبائل شتى متفرقين ، فإذا اجتمعوا جمعا فهم قلل . والقلة : الحب العظيم ، وقيل : الجرة العظيمة ، وقيل : الجرة عامة ، وقيل : الكوز الصغير ، ، والجمع قلل وقلال ، وقيل هو إناء للعرب كالجرة الكبيرة ، وقال جميل بن معمر :


                                                          فظللنا بنعمة واتكأنا     وشربنا الحلال من قلله

                                                          وقلال هجر : شبيهة بالحباب ، قال حسان :


                                                          وأقفر من حضاره ورد أهله     وقد كان يسقى في قلال وحنتم



                                                          وقال الأخطل :


                                                          يمشون حول مكدم قد كدحت     متنيه حمل حناتم وقلال



                                                          وفي الحديث : إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل نجسا وفي رواية : لم يحمل خبثا قال أبو عبيد في قوله قلتين : يعني هذه الحباب العظام واحدتها قلة وهي معروفة بالحجاز وقد تكون بالشام . وفي الحديث في ذكر الجنة وصفة سدرة المنتهى : ونبقها مثل قلال هجر ، وهجر : قرية قريبة من المدينة ، وليست هجر البحرين وكانت تعمل بها القلال . وروى شمر عن ابن جريج ، قال : أخبرني من رأى قلال هجر تسع القلة منها الفرق ، قال عبد الرزاق : الفرق أربعة أصوع بصاع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروي عن عيسى بن يونس ، قال : القلة يؤتى بها من ناحية اليمن تسع فيها خمس جرار أو ستا ، قال أحمد بن [ ص: 181 ] حنبل : قدر كل قلة قربتان ، قال : وأخشى على القلتين من البول ، فأما غير البول فلا ينجسه شيء ، وقال إسحاق : البول وغيره سواء إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء ، وهو نحو أربعين دلوا أكثر ما قيل في القلتين ، قال الأزهري : وقلال هجر والأحساء ونواحيها معروفة تأخذ القلة منها مزادة كبيرة من الماء وتملأ الراوية قلتين ، وكانوا يسمونها الخروس واحدها خرس ، ويسمونها القلال واحدتها قلة ، قال : وأراها سميت قلالا لأنها تقل أي ترفع إذا ملئت وتحمل . وفي حديث العباس : فحثا في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع ، يقال : أقل الشيء يقله واستقله يستقله إذا رفعه وحمله . وأقل الجرة : أطاق حملها . وأقل الشيء واستقله : حمله ورفعه . وقلة كل شيء : رأسه . والقلة : أعلى الجبل . وقلة كل شيء : أعلاه ، ، والجمع كالجمع وخص بعضهم به أعلى الرأس والسنام والجبل . وقلالة الجبل : كقلته ، قال ابن أحمر :


                                                          ما أم غفر في القلالة لم     يمسس حشاها قبله غفر



                                                          ورأس الإنسان قلة ; وأنشد سيبويه :


                                                          عجائب تبدي الشيب في قلة الطفل



                                                          والجمع قلل ومنه قول ذي الرمة يصف فراخ النعامة ويشبه رءوسها بالبنادق :


                                                          أشداقها كصدوع النبع في قلل     مثل الدحاريج لم ينبت لها زغب



                                                          وقلة السيف : قبيعته . وسيف مقلل إذا كانت له قبيعة ، قال بعض الهذليين :


                                                          وكنا إذا ما الحرب ضرس نابها     نقومها بالمشرفي المقلل

                                                          واستقل الطائر في طيرانه : نهض للطيران وارتفع في الهواء . واستقل النبات : أناف . واستقل القوم : ذهبوا واحتملوا سارين وارتحلوا ، قال الله عز وجل : حتى إذا أقلت سحابا ثقالا أي حملت . واستقلت السماء : ارتفعت . وفي الحديث : حتى تقالت الشمس أي استقلت في السماء وارتفعت وتعالت . وفي حديث عمرو بن عنبسة : قال له : إذا ارتفعت الشمس فالصلاة محظورة حتى يستقل الرمح بالظل حتى يبلغ ظل الرمح المغروس في الأرض أدنى غاية القلة والنقص ; لأن ظل كل شخص في أول النهار يكون طويلا ثم لا يزال ينقص حتى يبلغ أقصره ، وذلك عند انتصاف النهار ، فإذا زالت الشمس عاد الظل يزيد ، وحينئذ يدخل وقت الظهر وتجوز الصلاة ويذهب وقت الكراهة ، وهذا الظل المتناهي في القصر هو الذي يسمى ظل الزوال أي الظل الذي تزول الشمس عن وسط السماء وهو موجود قبل الزيادة ، فقوله : يستقل الرمح بالظل ، هو من القلة لا من الإقلال والاستقلال الذي بمعنى الارتفاع والاستبداد . والقلة والقل ، بالكسر : الرعدة ، وقيل : هي الرعدة من الغضب والطمع ونحوه يأخذ الإنسان ، وقد أقلته الرعدة واستقلته ، قال الشاعر :


                                                          وأدنيتني حتى إذا ما جعلتني     على الخصر أو أدنى استقلك راجف



                                                          يقال : أخذه قل من الغضب إذا أرعد ، ويقال للرجل إذا غضب : قد استقل . الفراء : القلة النهضة من علة أو فقر بفتح القاف . وفي حديث عمر : قال لأخيه زيد لما ودعه وهو يريد اليمامة : ما هذا القل الذي أراه بك ؟ القل ، بالكسر : الرعدة . والقلال : الخشب المنصوبة للتعريش ، حكاه أبو حنيفة ; وأنشد :


                                                          من خمر عانة ساقطا أفنانها     رفع النبيط كرومها بقلال



                                                          أراد بالقلال أعمدة ترفع بها الكروم من الأرض ويروى بظلال . وارتحل القوم بقليتهم أي لم يدعوا وراءهم شيئا . وأكل الضب بقليته أي بعظامه وجلده . أبو زيد : يقال : ما كان من ذلك قليلة ولا كثيرة ، وما أخذت منه قليلة ولا كثيرة ، بمعنى : لم آخذ منه شيئا ، وإنما تدخل الهاء في النفي . ابن الأعرابي : قل إذا رفع وقل إذا علا . وبنو قل : بطن . وقلقل الشيء قلقلة وقلقالا وقلقالا فتقلقل وقلقالا ، عن كراع ، وهي نادرة أي حركه فتحرك واضطرب ، فإذا كسرته فهو مصدر ، وإذا فتحت فهو اسم ، مثل : الزلزال والزلزال ، والاسم القلقال ، وقال اللحياني : قلقل في الأرض قلقلة وقلقالا ضرب فيها والاسم القلقال . وتقلقل : كقلقل . والقلقل والقلاقل : الخفيف في السفر المعوان السريع التقلقل . ورجل قلقال : صاحب أسفار .

                                                          وتقلقل في البلاد إذا تقلب فيها . وفرس قلقل وقلاقل : جواد سريع . وقلقل أي صوت ، وهو حكاية ، قال أبو الهيثم : رجل قلقل بلبل إذا كان خفيفا ظريفا ، والجمع قلاقل وبلابل . وفي حديث علي : قال أبو عبد الرحمن السلمي خرج علينا علي وهو يتقلقل ، التقلقل : الخفة والإسراع ، من الفرس القلقل ، بالضم ، ويروى بالفاء وقد تقدم . وفي الحديث : ونفسه تقلقل في صدره أي تتحرك بصوت شديد ، وأصله الحركة والاضطراب . والقلقلة : شدة الصياح . وذهب أبو إسحاق في قلقل وصلصل وبابه أنه فعفل . الليث : القلقلة والتقلقل : قلة الثبوت في المكان . والمسمار السلس يتقلقل في مكانه إذا قلق . والقلقلة : شدة اضطراب الشيء وتحركه وهو يتقلقل ويتلقلق . أبو عبيد : قلقلت الشيء ولقلقته بمعنى واحد . والقلقل : شجر أو نبت له حب أسود ، قال أبو النجم :


                                                          وآضت البهمى كنبل الصيقل     وحازت الريح يبيس القلقل



                                                          وفي المثل :


                                                          دقك بالمنحاز حب القلقل



                                                          والعامة تقول : حب الفلفل ، قال الأصمعي : وهو تصحيف ، إنما هو بالقاف وهو أصلب ما يكون من الحبوب ، حكاه أبو عبيد ، قال ابن بري : الذي ذكره سيبويه ورواه حب الفلفل بالفاء ، قال : وكذا رواه علي بن حمزة ; وأنشد :


                                                          وقد أراني في الزمان الأول     أدق في جار استها بمعول
                                                          دقك بالمنحاز حب الفلفل



                                                          وقيل : القلقل نبت ينبت في الجلد وغلظ السهل ولا يكاد ينبت في [ ص: 182 ] الجبال ، وله سنف أفيطح ينبت في حبات كأنهن العدس ، فإذا يبس فانتفخ وهبت به الريح سمعت تقلقله كأنه جرس ، وله ورق أغبر أطلس كأنه ورق القصب . والقلاقل والقلقلان : نبتان ، وقال أبو حنيفة : القلقل والقلاقل والقلقلان كله شيء واحد نبت ، قال : وذكر الأعراب القدم أنه شجر أخضر ينهض على ساق ، ومنابته الآكام دون الرياض وله حب كحب اللوبياء يؤكل ، والسائمة حريصة عليه ; وأنشد :


                                                          كأن صوت حليها إذا انجفل     هز رياح قلقلانا قد ذبل



                                                          والقلاقل : بقلة برية يشبه حبها حب السمسم ولها أكمام كأكمامها . الليث : القلقل شجر له حب عظام ويؤكل ; وأنشد :


                                                          أبعارها بالصيف حب القلقل

                                                          وحب القلقل مهيج على البضاع يأكله الناس لذلك ، قال الراجز وأنشده أبو عمرو لليلى :

                                                          أنعت أعيارا بأعلى قنه     أكلن حب قلقل فهنه
                                                          لهن من حب السفاد رنه



                                                          وقال الدينوري : القلقل والقلاقل والقلقلان كله واحد له حب كحب السمسم وهو مهيج للباه ، وقال ذو الرمة في القلقل ووصف الهيف :


                                                          وساقت حصاد القلقلان كأنما     هو الخشل أعراف الرياح الزعازع



                                                          والقلقلاني : طائر كالفاختة . وحروف القلقلة : الجيم والطاء والدال والقاف والباء ، حكاها سيبويه ، قال : وإنما سميت بذلك للصوت الذي يحدث عنها عند الوقف ؛ لأنك لا تستطيع أن تقف عنده إلا معه لشدة ضغط الحرف .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية