الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7821 ) مسألة ; قال : ( ولا بأس بأكل الضب والضبع ) أما الضب : فإنه مباح في قول أكثر أهل العلم ; منهم عمر بن الخطاب وابن عباس وأبو سعيد ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم قال أبو سعيد : كنا معشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لأن يهدى إلى أحدنا ضب أحب إليه من دجاجة . وقال عمر : ما يسرني أن مكان كل ضب دجاجة سمينة ، ولوددت أن في كل جحر ضب ضبين . وبهذا قال مالك والليث والشافعي وابن المنذر .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : هو حرام . وبهذا قال الثوري ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل لحم الضب . وروي نحوه عن علي ; ولأنه ينهش ، فأشبه ابن عرس .

                                                                                                                                            ولنا ما روى ابن عباس قال : دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة ، فأتي بضب محنوذ ، فقيل : هو ضب يا رسول الله . فرفع يده ، فقلت : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال { : لا ، ولكنه لم يكن بأرض قومي ، فأجدني أعافه } . قال خالد : فاجتررته فأكلته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر . متفق عليه .

                                                                                                                                            قال ابن عباس : ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الضب تقذرا ، وأكل على مائدته ، ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم { لم يحرم الضب ، ولكنه قذره } ، ولو كان عندي لأكلته . ولأن الأصل الحل ، ولم يوجد المحرم ، فبقي على الإباحة ، ولم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي ولا تحريم ; ولأن الإباحة قول من سمينا من الصحابة ، ولم يثبت عنهم خلافه ، فيكون إجماعا .

                                                                                                                                            ( 7822 ) فصل : فأما الضبع : فرويت الرخصة فيها عن سعد وابن عمر وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعكرمة وإسحاق . وقال عروة : مازالت العرب تأكل الضبع ولا ترى بأكلها بأسا . وقال أبو حنيفة والثوري ومالك : هو حرام .

                                                                                                                                            وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب ; لأنها من السباع ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع . وهي من السباع ، فتدخل في عموم النهي . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الضبع ، فقال { : ومن يأكل الضبع ؟ } . ولنا ما روى جابر ، قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل الضبع . قلت : صيد هي ؟ قال { : نعم } . احتج به أحمد .

                                                                                                                                            وفي لفظ قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع . فقال { : هو صيد ، ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم } . رواه أبو داود . [ ص: 337 ] قال ابن عبد البر : هذا لا يعارض حديث النهي عن كل ذي ناب من السباع ; لأنه أقوى منه . قلنا : هذا تخصيص لا معارض ، ولا يعتبر في التخصيص كون المخصص في رتبة المخصص ; بدليل تخصيص عموم الكتاب بأخبار الآحاد .

                                                                                                                                            فأما الخبر الذي فيه : " ومن يأكل الضبع ؟ " فحديث طويل ، يرويه عبد الكريم بن أبي المخارق ، ينفرد به ، وهو متروك الحديث . ولأن الضبع قد قيل : إنها ليس لها ناب . وسمعت من يذكر أن جميع أسنانها عظم واحد كصفحة نعل الفرس . فعلى هذا لا تدخل في عموم النهي والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية