الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قوب ]

                                                          قوب : القوب : أن تقوب أرضا أو حفرة شبه التقوير . قبت الأرض أقوبها إذا حفرت فيها حفرة مقورة فانقابت هي . ابن سيده : قاب الأرض قوبا وقوبها تقويبا : حفر فيها شبه التقوير . وقد انقابت وتقوبت ، وتقوب من رأسه مواضع ، أي : تقشر . والأسود المتقوب : هو الذي سلخ جلده من الحيات . الليث : الجرب يقوب جلد البعير ، فترى فيه قوبا قد انجردت من الوبر ، ولذلك سميت [ ص: 213 ] القوباء التي تخرج في جلد الإنسان فتداوى بالريق ، قال :


                                                          وهل تداوى القوبا بالريقه

                                                          وقال الفراء : القوباء تؤنث وتذكر وتحرك وتسكن ، فيقال : هذه قوباء ، فلا تصرف في معرفة ولا نكرة ، وتلحق بباب فقهاء ، وهو نادر . وتقول في التخفيف : هذه قوباء ، فلا تصرف في المعرفة ، وتصرف في النكرة . وتقول : هذه قوباء تنصرف في المعرفة والنكرة ، وتلحق بباب طومار ; وأنشد :


                                                          به عرصات الحي قوبن متنه     وجرد أثباج الجراثيم حاطبه

                                                          قوبن متنه ، أي : أثرن فيه بموطئهم ومحلهم ، قال العجاج :


                                                          من عرصات الحي أمست قوبا

                                                          أي : أمست مقوبة . وتقوب جلده : تقلع عنه الجرب وانحلق عنه الشعر ، وهي القوبة والقوبة والقوباء والقوباء ، وقال ابن الأعرابي : القوباء واحدة القوبة والقوبة ، قال ابن سيده : ولا أدري كيف هذا ; لأن فعلة وفعلة يكونان جمعا لفعلاء ولا هما من أبنية الجمع ، قال : والقوب جمع قوبة وقوبة ، قال : هذا بين ; لأن فعلا جمع لفعلة وفعلة . والقوباء والقوباء : الذي يظهر في الجسد ويخرج عليه ، وهو داء معروف يتقشر ويتسع يعالج ويداوى بالريق ، وهي مؤنثة لا تنصرف ، وجمعها قوب ، وقال ابن قنان الراجز :


                                                          يا عجبا لهذه الفليقه     هل تغلبن القوباء الريقه

                                                          الفليقة : الداهية . ويروى : يا عجبا بالتنوين على تأويل : يا قوم اعجبوا عجبا ، وإن شئت جعلته منادى منكورا ، ويروى : يا عجبا بغير تنوين ، يريد يا عجبي ، فأبدل من الياء ألفا على حد قول الآخر :


                                                          يا ابنة عما لا تلومي واهجعي

                                                          ومعنى رجز ابن قنان : أنه تعجب من هذا الحزاز الخبيث كيف يزيله الريق ؟ ويقال : إنه مختص بريق الصائم أو الجائع ، وقد تسكن الواو منها استثقالا للحركة على الواو ، فإن سكنتها ذكرت وصرفت ، والياء فيه للإلحاق بقرطاس ، والهمزة منقلبة منها ، قال ابن السكيت : وليس في الكلام فعلاء مضمومة الفاء ساكنة العين ممدودة الآخر إلا الخشاء ، وهو العظم الناتئ وراء الأذن وقوباء ، قال : والأصل فيهما تحريك العين خششاء وقوباء ، قال الجوهري : والمزاء عندي مثلهما ، فمن قال : قوباء بالتحريك ، قال في تصغيره . قويباء ، ومن سكن قال : قويبي ، وأما قول رؤبة :


                                                          من ساحر يلقي الحصى في الأكواب     بنشرة أثارة كالأقواب

                                                          فإنه جمع قوباء على اعتقاد حذف الزيادة على أقواب . الأزهري : قاب الرجل : تقوب جلده ، وقاب يقوب قوبا إذا هرب . وقاب الرجل إذا قرب . وتقول : بينهما قاب قوس ، وقيب قوس ، وقاد قوس ، وقيد قوس ، أي : قدر قوس . والقاب : ما بين المقبض والسية . ولكل قوس قابان وهما ما بين المقبض والسية ، وقال بعضهم في قوله عز وجل : فكان قاب قوسين أراد قابي قوس فقلبه ، وقيل : قاب قوسين طول قوسين . الفراء : قاب قوسين ، أي : قدر قوسين عربيتين . وفي الحديث : لقاب قوس أحدكم أو موضع قده من الجنة خير من الدنيا وما فيها ، قال ابن الأثير : القاب والقيب بمعنى القدر ، وعينها واو من قولهم : قوبوا في الأرض ، أي : أثروا فيها بوطئهم وجعلوا في مساقيها علامات . وقوب الشيء : قلعه من أصله . وتقوب الشيء إذا انقلع من أصله . وقاب الطائر بيضته ، أي : فلقها فانقابت البيضة ; وتقوبت بمعنى . والقائبة والقابة : البيضة . والقوب ، بالضم ، الفرخ . والقوبي : المولع بأكل الأقواب وهي الفراخ ; وأنشد :


                                                          لهن وللمشيب ومن علاه     من الأمثال قائبة وقوب

                                                          مثل هرب النساء من الشيوخ بهرب القوب ، وهو الفرخ من القابئة ، وهي البيضة ، فيقول : لا ترجع الحسناء إلى الشيخ ، كما لا يرجع الفرخ إلى البيضة . وفي المثل : تخلصت قائبة من قوب يضرب مثلا للرجل إذا انفصل من صاحبه ، قال أعرابي من بني أسد لتاجر استخفره : إذا بلغت بك مكان كذا فبرئت قائبة من قوب ، أي : أنا بريء من خفارتك . وتقوبت البيضة إذا تفلقت عن فرخها . يقال : انقضت قائبة من قوبها ، وانقضى قوبي من قاوبة معناه : أن الفرخ إذا فارق بيضته لم يعد إليها ، وقال :


                                                          فقائبة ما نحن يوما وأنتم     بني مالك إن لم تفيئوا وقوبها

                                                          ‌‌‌‌‌‌‌‌يعاتبهم على تحولهم بنسبهم إلى اليمن ، يقول : إن لم ترجعوا إلى نسبكم لم تعودوا إليه أبدا ، فكانت ثلبة ما بيننا وبينكم . وسمي الفرخ قوبا لانقياب البيضة عنه . شمر : قيبت البيضة فهي مقوبة إذا خرج فرخها ، ويقال : قابة وقوب بمعنى قائبة وقوب ، وقال ابن هانئ : القوب قشور البيض ، قال الكميت يصف بيض النعام :


                                                          على توائم أصغى من أجنتها     إلى وساوس عنها قابت القوب

                                                          قال : القوب : قشور البيض . أصغى من أجنتها ، يقول : لما تحرك الولد في البيض تسمع إلى وسواس ، جعل تلك الحركة وسوسة ، قال : وقابت تفلقت . والقوب : البيض . وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه نهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، وقال : إنكم إن اعتمرتم في أشهر الحج رأيتموها مجزئة من حجكم فقرع حجكم ، وكانت قائبة من قوب ، ضرب هذا مثلا لخلاء مكة من المعتمرين سائر السنة . والمعنى : أن الفرخ إذا فارق بيضته لم يعد إليها ، وكذا إذا اعتمروا في أشهر الحج لم يعودوا إلى مكة ، ويقال : قبت البيضة أقوبها قوبا فانقابت انقيابا ، قال الأزهري : وقيل للبيضة قائبة وهي مقوبة أراد أنها ذات فرخ ، ويقال لها قاوبة إذا خرج منها الفرخ ، والفرخ الخارج يقال له : قوب وقوبي ، قال الكميت :


                                                          وأفرخ من بيض الأنوق مقوبها

                                                          ويقال : انقاب المكان وتقوب إذا جرد فيه مواضع من الشجر والكلأ . ورجل مليء قوبة ، مثل همزة : ثابت الدار مقيم ، يقال ذلك للذي لا يبرح من المنزل . وقوب من الغبار ، أي : اغبر ، عن [ ص: 214 ] ثعلب . والمقوبة من الأرضين : التي يصيبها المطر فيبقى في أماكن منها شجر كان بها قديما ، حكاه أبو حنيفة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية