الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ميراث ولد الملاعنة وولد الزنى ]

ومن مسائل هذا الباب اختلاف العلماء في ميراث ولد الملاعنة وولد الزنى .

فذهب أهل المدينة ، وزيد بن ثابت إلى أن ولد الملاعنة يورث كما يورث غير ولد الملاعنة ، وأنه ليس لأمه إلا الثلث والباقي لبيت المال ، إلا أن يكون له إخوة لأم ، فيكون لهم الثلث أو تكون أمه مولاة [ ص: 684 ] فيكون باقي مالها لمواليها ، وإلا فالباقي لبيت مال المسلمين ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة وأصحابه ، إلا أن أبا حنيفة على مذهبه يجعل ذوي الأرحام أولى من جماعة المسلمين . وأيضا على قياس من يقول بالرد يرد على الأم بقية المال .

وذهب علي وعمر وابن مسعود إلى أن عصبته عصبة أمه ( أعني : الذي يرثونها ) .

وروي عن علي ، وابن مسعود أنهم لا يجعلون عصبته عصبة أمه إلا مع فقد الأم وكانوا ينزلون الأم بمنزلة الأب ، وبه قال الحسن ، وابن سيرين ، والثوري ، وابن حنبل وجماعة .

وعمدة الفريق الأول عموم قوله تعالى : ( فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ) فقالوا : هذه أم ، وكل أم لها الثلث ، فهذه لها الثلث .

وعمدة الفريق الثاني ما روي من حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنه ألحق ولد الملاعنة بأمه " ، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : " جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثته " ، وحديث واثلة بن الأسقع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " المرأة تحوز ثلاثة أموال : عتيقها ، ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه " ، وحديث مكحول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك ، خرج جميع ذلك أبو داود وغيره .

قال القاضي : هذه الآثار المصير إليها واجب ; لأنها قد خصصت عموم الكتاب . والجمهور على أن السنة يخصص بها الكتاب ، ولعل الفريق الأول لم تبلغهم هذه الأحاديث أو لم تصح عندهم ، وهذا القول مروي ، عن ابن عباس وعثمان ، وهو مشهور في الصدر الأول ، واشتهاره في الصحابة دليل على صحة هذه الآثار ، فإن هذا ليس يستنبط بالقياس ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية