الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2341 حدثنا محمد بن بكار بن الريان حدثنا إسمعيل بن زكرياء عن عاصم الأحول عن ابن سيرين قال سألت أنس بن مالك هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خضب فقال لم يبلغ الخضاب كان في لحيته شعرات بيض قال قلت له أكان أبو بكر يخضب قال فقال نعم بالحناء والكتم

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( سألت أنس بن مالك : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خضب ؟ فقال : لم يبلغ الخضاب ، كان في لحيته شعرات بيض ) وفي رواية : ( لم ير من الشيب إلا قليلا ) ، وفي رواية : ( لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه ، ولم يخضب ) ، وفي رواية : ( لم يخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان البياض في عنفقته ، وفي الصدغين ، وفي الرأس نبذ ) . وفي رواية : ( ما شانه الله ببيضاء ) . وفي رواية أبي جحيفة : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه منه بيضاء ) ، ووضع الراوي بعض أصابعه على عنفقته . وفي رواية له : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب ) . وفي رواية جابر بن سمرة ( أنه سئل عن شيب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كان إذا دهن رأسه لم ير منه شيء ، وإذا لم يدهن رئي منه ) . وفي رواية له : ( كان قد شمط مقدم رأسه ولحيته ) . وفي رواية لأنس : " يعد عدا ، توفي وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء . وفي حديث أم سلمة أنها أخرجت لهم شعرات من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم حمرا مخضوبة بالحناء والكتم . قال القاضي : اختلف العلماء هل خضب النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ فمنعه الأكثرون بحديث أنس ، وهو مذهب مالك . وقال بعض المحدثين : خضب لحديث أم سلمة هذا ، [ ص: 486 ] ولحديث ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة . قال : وجمع بعضهم بين الأحاديث بما أشار إليه في حديث أم سلمة من كلام أنس في قوله : فقال ما أدري في هذا الذي يحدثون إلا أن يكون شيء من الطيب الذي كان يطيب به شعره ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يستعمل الطيب كثيرا ، وهو يزيل سواد الشعر . فأشار أنس إلى أن تغيير ذلك ليس بصبغ ، وإنما هو لضعف لون سواده بسبب الطيب .

                                                                                                                قال : ويحتمل أن تلك الشعرات تغيرت بعده لكثرة تطييب أم سلمة لها إكراما . هذا آخر كلام القاضي . والمختار أنه صلى الله عليه وسلم صبغ في وقت ، وتركه في معظم الأوقات ، فأخبر كل بما رأى ، وهو صادق وهذا التأويل كالمتعين ، فحديث ابن عمر في الصحيحين ، ولا يمكن تركه ، ولا تأويل له . والله أعلم .

                                                                                                                وأما اختلاف الرواية في قدر شيبه فالجمع بينها أنه رأى شيئا يسيرا ، فمن أثبت شيبه أخبر عن ذلك اليسير ، ومن نفاه أراد أنه لم يكثر فيه كما قال في الرواية الأخرى : لم يشتد الشيب أي لم يكثر ، ولم يخرج شعره عن سواده وحسنه . كما قال في الرواية الأخرى : ( لم ير من الشيب إلا قليلا ) .




                                                                                                                الخدمات العلمية