الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8027 ) مسألة ; قال ( ومن لم يصب إلا مسكينا واحدا ، ردد عليه في كل يوم تتمة عشرة أيام ) [ ص: 7 ] وجملته أن المكفر لا يخلو من أن يجد المساكين بكمال عددهم ، أولا يجدهم ، فإن وجدهم ، لم يجزئه إطعام أقل من عشرة في كفارة اليمين ، ولا أقل من ستين في كفارة الظهار وكفارة الجماع في رمضان . وبهذا قال الشافعي ، وأبو ثور . وأجاز الأوزاعي دفعها إلى واحد . وقال أبو عبيد إن خص بها أهل بيت شديدي الحاجة ، جاز ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمجامع في رمضان ، حين أخبره بشدة حاجته وحاجة أهله : ( أطعمه عيالك ) ولأنه دفع حق الله - تعالى - إلى من هو من أهل الاستحقاق ، فأجزأه ، كما لو دفع زكاته إلى واحد .

                                                                                                                                            وقال أصحاب الرأي : يجوز أن يرددها على مسكين واحد في عشرة أيام ، إن كانت كفارة يمين ، أو في ستين إن كان الواجب إطعام ستين مسكينا ، ولا يجوز دفعها إليه في يوم واحد . وحكاه أبو الخطاب رواية عن أحمد ; لأنه في كل يوم قد أطعم مسكينا ما يجب للمسكين ، فأجزأ ، كما لو أعطى غيره ، ولأنه لو أطعم هذا المسكين من كفارة أخرى ، أجزأه ، فكذلك إذا أطعمه من هذه الكفارة . ولنا ، قول الله - تعالى : { فكفارته إطعام عشرة مساكين } .

                                                                                                                                            ومن أطعم واحدا ، فما أطعم عشرة ، فما امتثل الأمر ، فلا يجزئه ، ولأن الله - تعالى - جعل كفارته إطعام عشرة مساكين ، فإذا لم يطعم عشرة فما أتى بالكفارة ، ولأن من لم يجز الدفع إليه في اليوم الأول ، لم يجز في اليوم الثاني ، مع اتفاق الحال ، كالولد ، فأما الواقع على أهله ، فإنما أسقط الله - تعالى - الكفارة عنه ، لعجزه عنها ، فإنه لا خلاف في أن الإنسان لا يأكل كفارة نفسه ، ولا يطعمها عائلته ، وقد أمر بذلك الحال الثاني العاجز عن عدد المساكين كلهم ، فإنه يردد على الموجودين منهم في كل يوم حتى تتم عشرة ، فإن لم يجد إلا واحدا ، ردد عليه ، تتمة عشرة أيام ، وإن وجد اثنين ، ردد عليهما خمسة أيام ، وعلى هذا ونحو هذا . قال الثوري . وهو اختيار أكثر الأصحاب .

                                                                                                                                            وعن أحمد ، رواية أخرى ، لا يجزئه إلا كمال العدد . وهو مذهب مالك ، والشافعي ; لما ذكرنا في حال القدرة . ولنا ، أن ترديد الإطعام في عشرة أيام ، في معنى إطعام عشرة ; لأنه يدفع الحاجة في عشرة أيام ، فأشبه ما لو أطعم في كل يوم واحدا ، والشيء بمعناه يقوم مقامه بصورته عند تعذرها ، ولهذا شرعت الأبدال ; لقيامها مقام المبدلات في المعنى ، ولا يجتزأ بها مع القدرة على المبدلات ، كذا هاهنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية