الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        251 - الحديث الأول : عن أبي قتادة الأنصاري { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا . فخرجوا معه . فصرف طائفة منهم - فيهم أبو قتادة - وقال : خذوا ساحل البحر ، حتى نلتقي . فأخذوا ساحل البحر [ ص: 484 ] فلما انصرفوا أحرموا كلهم ، إلا أبا قتادة ، فلم يحرم . فبينما هم يسيرون إذ رأوا حمر وحش . فحمل أبو قتادة على الحمر . فعقر منها أتانا . فنزلنا فأكلنا من لحمها . ثم قلنا : أنأكل لحم صيد ، ونحن محرمون ؟ فحملنا ما بقي من لحمها فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فسألناه عن ذلك ؟ فقال : منكم أحد أمره أن يحمل عليها ، أو أشار إليها ؟ قالوا : لا . قال : فكلوا ما بقي من لحمها } وفي رواية " قال : هل معكم منه شيء ؟ فقلت : نعم . فناولته العضد ، فأكل منها " .

                                        التالي السابق


                                        تكلموا في كون أبي قتادة لم يكن محرما ، مع كونهم خرجوا للحج ، ومروا بالميقات . ومن كان كذلك وجب عليه الإحرام من الميقات .

                                        وأجيب بوجوه : منها : ما دل عليه أول هذا الحديث ، من أنه أرسل إلى جهة أخرى لكشفها . وكان الالتقاء بعد مضي مكان الميقات . ومنها : أنه قبل توقيت المواقيت . و " الأتان " الأنثى من الحمر . وقولهم " نأكل من لحم صيد ونحن محرمون " ورجوعهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك : دليل على أمرين : أحدهما : جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنهم أكلوه باجتهاد والثاني : وجوب الرجوع إلى النصوص عند تعارض الأشباه والاحتمالات .

                                        { وقوله صلى الله عليه وسلم منكم أحد أمره أن يحمل عليها ، أو أشار إليها } فيه دليل على أنهم لو فعلوا ذلك لكان سببا للمنع .

                                        وقوله عليه السلام " فكلوا ما بقي من لحمها " دليل على جواز أكل المحرم لحم الصيد ، إذا لم يكن منه دلالة ولا إشارة . وقد اختلف الناس في أكل المحرم لحم الصيد على مذاهب :

                                        أحدها : أنه ممنوع مطلقا ، صيد لأجله أو لا . وهذا مذكور عن بعض السلف ودليله : حديث الصعب ، على ما سنذكره .

                                        والثاني : أنه ممنوع إن صاده أو صيد لأجله ، سواء كان بإذنه أو بغير إذنه ، وهو مذهب مالك [ ص: 485 ] والشافعي .

                                        والثالث : أنه إن كان باصطياده ، أو بإذنه ، أو بدلالته حرم ، وإن كان على غير ذلك : لم يحرم .

                                        وحديث أبي قتادة - هذا - يدل على جواز أكله في الجملة . وهو على خلاف مذهب الأول . ويدل ظاهره : على أنه إذا لم يشر المحرم إليه ، ولا دل عليه : يجوز أكله . فإنه ذكر الموانع المانعة من أكله . والظاهر : أنه لو كان غيرها مانعا لذكر . وإنما احتج الشافعي على تحريم ما صيد لأجله مطلقا ، وإن لم يكن بدلالته وإذنه : بأمور أخرى . منها : حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم { لحم الصيد لكم حلال ، ما لم تصيدوه ، أو يصد لكم } .

                                        والذي في الرواية الأخرى : من قوله عليه السلام " هل معكم منه شيء ؟ " فيه أمران :

                                        أحدهما : تبسط الإنسان إلى صاحبه في طلب مثل هذا .

                                        والثاني : زيادة تطييب قلوبهم في موافقتهم في الأكل . وقد تقدم لنا قوله عليه السلام { لو استقبلت من أمري ما استدبرت ، لما سقت الهدي } والإشارة إلى أن ذلك لطلب موافقتهم في الحلق فإنه كان أطيب لقلوبهم .




                                        الخدمات العلمية