الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كرب

                                                          كرب : الكرب ، على وزن الضرب مجزوم : الحزن والغم الذي يأخذ بالنفس ، وجمعه كروب . وكربه الأمر والغم يكربه كربا : اشتد عليه فهو مكروب وكريب ، والاسم الكربة وإنه لمكروب النفس . والكريب : المكروب . وأمر كارب . واكترب لذلك : اغتم . والكرائب : الشدائد ، الواحدة كريبة ; قال سعد بن ناشب المازني :


                                                          فيال رزام رشحوا بي مقدما إلى الموت ، خواضا إليه الكرائبا



                                                          قال ابن بري : مقدما منصوب برشحوا ، على حذف موصوف ، تقديره : رشحوا بي رجلا مقدما ، وأصل الترشيح : التربية والتهيئة ، يقال : رشح فلان للإمارة أي هيئ لها ، وهو لها كفؤ . ومعنى رشحوا بي مقدما أي اجعلوني كفؤا مهيأ لرجل شجاع ; ويروى : رشحوا بي مقدما أي رجلا متقدما ، وهذا بمنزلة قولهم وجه في معنى توجه ، ونبه في معنى تنبه ، ونكب في معنى تنكب . وفي الحديث : كان إذا أتاه الوحي كرب له أي أصابه الكرب ، فهو مكروب . والذي كربه كارب . وكرب الأمر يكرب كروبا : دنا . يقال : كربت حياة النار أي قرب انطفاؤها ، قال عبد القيس بن خفاف البرجمي :


                                                          أبني ! إن أباك كارب يومه     فإذا دعيت إلى المكارم فاعجل
                                                          أوصيك إيصاء امرئ لك ، ناصح     طبن بريب الدهر غير مغفل
                                                          الله فاتقه وأوف بنذره     وإذا حلفت مباريا فتحلل
                                                          والضيف أكرمه فإن مبيته     حق ولا تك لعنة للنزل
                                                          واعلم بأن الضيف مخبر أهله     بمبيت ليلته وإن لم يسأل
                                                          وصل المواصل ما صفا لك وده     واجذذ حبال الخائن المتبذل
                                                          واحذر محل السوء ، لا تحلل به     وإذا نبا بك منزل فتحول
                                                          واستأن حلمك في أمورك كلها     وإذا عزمت على الهوى فتوكل
                                                          واستغن ، ما أغناك ربك ، بالغنى     وإذا تصبك خصاصة فتجمل
                                                          وإذا افتقرت فلا ترى متخشعا     ترجو الفواضل عند غير المفضل
                                                          وإذا تشاجر في فؤادك مرة     أمران فاعمد للأعف الأجمل
                                                          وإذا هممت بأمر سوء فاتئد     وإذا هممت بأمر خير فاعجل
                                                          وإذا رأيت الباهشين إلى الندى     غبرا أكفهم بقاع ممحل
                                                          فأعنهم وايسر بما يسروا به     وإذا هم نزلوا بضنك فانزل



                                                          ويروى : فابشر بما بشروا به ، وهو مذكور في الترجمتين . وكل شيء دنا : فقد كرب . وقد كرب أن يكون ، وكرب يكون ، وهو ، عند سيبويه ، أحد الأفعال التي لا يستعمل اسم الفاعل منها موضع الفعل الذي هو خبرها ، لا تقول كرب كائنا ، وكرب أن يفعل كذا أي كاد يفعل ; وكربت الشمس للمغيب : دنت ; وكربت الشمس : دنت للغروب ; وكربت الجارية أن تدرك . وفي الحديث : فإذا استغنى أو كرب استعف ; قال أبو عبيد : كرب أي دنا من ذلك وقرب . وكل دان قريب ، فهو كارب . وفي حديث رقيقة : أيفع الغلام أو كرب أي قارب الإيفاع . وكراب المكوك وغيره من الآنية : دون الجمام . وإناء كربان إذا كرب أن يمتلئ ; وجمجمة كربى ، والجمع كربى وكراب ; [ ص: 42 ] وزعم يعقوب أن كاف كربان بدل من قاف قربان ; قال ابن سيده : وليس بشيء . الأصمعي : أكربت السقاء إكرابا إذا ملأته ; وأنشد :


                                                          بج المزاد مكربا توكيرا



                                                          وأكرب الإناء : قارب ملأه . وهذه إبل مائة أو كربها أي نحوها وقرابتها . وقيد مكروب إذا ضيق . وكربت القيد إذا ضيقته على المقيد ; قال عبد الله بن عنمة الضبي :


                                                          ازجر حمارك لا يرتع بروضتنا     إذا يرد ، وقيد العير مكروب



                                                          ضرب الحمار ورتعه في روضتهم مثلا أي لا تعرضن لشتمنا ، فإنا قادرون على تقييد هذا العير ومنعه من التصرف ; وهذا البيت في شعره :


                                                          أردد حمارك لا ينزع سويته     إذا يرد ، وقيد العير مكروب



                                                          والسوية : كساء يحشى بثمام ونحوه كالبرذعة ، يطرح على ظهر الحمار وغيره ، وجزم ينزع على جواب الأمر ، كأنه قال : إن تردده لا ينزع سويته التي على ظهره . وقوله : إذا يرد جواب ، على تقدير أنه قال : لا أرد حماري ، فقال مجيبا له : إذا يرد . وكرب وظيفي الحمار أو الجمل : دانى بينهما بحبل أو قيد . وكارب الشيء : قاربه . وأكرب الرجل : أسرع . وخذ رجليك بأكراب إذا أمر بالسرعة ، أي اعجل وأسرع . قال الليث : ومن العرب من يقول : أكرب الرجل إذا أخذ رجليه بأكراب ، وقلما يقال : وأكرب الفرس وغيره مما يعدو : أسرع ; هذه عن اللحياني . أبو زيد : أكرب الرجل إكرابا إذا أحضر وعدا . وكربت الناقة : أوقرتها . الأصمعي : أصول السعف الغلاظ هي الكرانيف ، واحدتها كرنافة ، والعريضة التي تيبس فتصير مثل الكتف هي الكربة . ابن الأعرابي : سمي كرب النخل كربا لأنه استغني عنه ، وكرب أن يقطع ودنا من ذلك . وكرب النخل : أصول السعف ; وفي المحكم : الكرب أصول السعف الغلاظ العراض التي تيبس فتصير مثل الكتف ، واحدتها كربة . وفي صفة نخل الجنة : كربها ذهب ، وهو بالتحريك ، أصل السعف ; وقيل : ما يبقى من أصوله في النخلة بعد القطع كالمراقي ; قال الجوهري هنا ; وفي المثل :


                                                          متى كان حكم الله في كرب النخل ؟



                                                          قال ابن بري : ليس هذا الشاهد الذي ذكره الجوهري مثلا ، وإنما هو عجز بيت لجرير ; وهو بكماله :


                                                          أقول ولم أملك سوابق عبرة :     متى كان حكم الله في كرب النخل ؟



                                                          قال ذلك لما بلغه أن الصلتان العبدي فضل الفرزدق عليه في النسيب ، وفضل جريرا على الفرزدق في جودة الشعر في قوله :


                                                          أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله     جرير ولكن في كليب تواضع



                                                          فلم يرض جرير قول الصلتان ، ونصرته الفرزدق . قلت : هذه مشاحة من ابن بري للجوهري في قوله : ليس هذا الشاهد مثلا ، وإنما هو عجز بيت لجرير . والأمثال قد وردت شعرا ، وغير شعر ، وما يكون شعرا لا يمتنع أن يكون مثلا . والكرابة والكرابة : التمر الذي يلتقط من أصول الكرب ، بعد الجداد ، والضم أعلى ، وقد تكربها . الجوهري : والكرابة ، بالضم ، ما يلتقط من التمر في أصول السعف بعدما تصرم . الأزهري : يقال : تكربت الكرابة إذا تلقطتها ، من الكرب . والكرب : الحبل الذي يشد على الدلو ، بعد المنين ، وهو الحبل الأول ، فإذا انقطع المنين بقي الكرب . ابن سيده : الكرب حبل يشد على عراقي الدلو ، ثم يثنى ثم يثلث ، والجمع أكراب ; وفي الصحاح : ثم يثنى ثم يثلث ليكون هو الذي يلي الماء ، فلا يعفن الحبل الكبير . رأيت في حاشية نسخة من الصحاح الموثوق بها قول الجوهري : ليكون هو الذي يلي الماء ، فلا يعفن الحبل الكبير إنما هو من صفة الدرك ، لا الكرب . قلت : الدليل على صحة هذه الحاشية أن الجوهري ذكر في ترجمة درك هذه الصورة أيضا ، فقال : والدرك قطعة حبل يشد في طرف الرشاء إلى عرقوة الدلو ، ليكون هو الذي يلي الماء ، فلا يعفن الرشاء . وسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى ; وقال الحطيئة :


                                                          قوم ، إذا عقدوا عقدا لجارهم     شدوا العناج ، وشدوا ، فوقه الكربا



                                                          ودلو مكربة : ذات كرب ; وقد كربها يكربها كربا ، وأكربها فهي مكربة وكربها ، قال امرؤ القيس :


                                                          كالدلو بتت عراها وهي مثقلة     وخانها وذم منها وتكريب



                                                          على أن التكريب قد يجوز أن يكون هنا اسما ، كالتنبيت والتمتين ، وذلك لعطفها على الوذم الذي هو اسم ، لكن الباب الأول أشيع وأوسع . قال ابن سيده : أعني أن يكون مصدرا ، وإن كان معطوفا على الاسم الذي هو الوذم . وكل شديد العقد ، من حبل أو بناء أو مفصل : مكرب . الليث : يقال لكل شيء من الحيوان إذا كان وثيق المفاصل : إنه لمكروب المفاصل . وروى أبو الربيع عن أبي العالية ، أنه قال : الكروبيون سادة الملائكة ، منهم جبريل و ميكائيل و إسرافيل ، هم المقربون ; وأنشد شمر لأمية :


                                                          كروبية منهم ركوع وسجد



                                                          ويقال لكل حيوان وثيق المفاصل : إنه لمكرب الخلق إذا كان شديد القوى ، والأول أشبه ; ابن الأعرابي : الكريب الشوبق ، وهو الفيلكون ; وأنشد :


                                                          لا يستوي الصوتان حين تجاوبا     صوت الكريب وصوت ذئب مقفر



                                                          والكرب : القرب . والملائكة الكروبيون : أقرب الملائكة إلى حملة العرش . ووظيف مكرب : امتلأ عصبا ، وحافر مكرب : صلب ; قال :


                                                          يترك خوار الصفا ركوبا     بمكربات قعبت تقعيبا



                                                          والمكرب : الشديد الأسر من الدواب ، بضم الميم ، وفتح الراء . وإنه [ ص: 43 ] لمكرب الخلق إذا كان شديد الأسر . أبو عمرو : المكرب من الخيل الشديد الخلق والأسر . ابن سيده : وفرس مكرب شديد . وكرب الأرض يكربها كربا وكرابا : قلبها للحرث ، وأثارها للزرع . التهذيب : الكراب : كربك الأرض حتى تقلبها ، وهي مكروبة مثارة . التكريب : أن يزرع في الكريب الجادس . والكريب : القراح ; والجادس : الذي لم يزرع قط ; قال ذو الرمة يصف جرو الوحش :


                                                          تكربن أخرى الجزء ، حتى إذا انقضت     بقاياه والمستمطرات الروائح



                                                          وفي المثل : الكراب على البقر لأنها تكرب الأرض أي لا تكرب الأرض إلا بالبقر . قال : ومنهم من يقول : الكلاب على البقر ، بالنصب ، أي أوسد الكلاب على بقر الوحش . وقال ابن السكيت : المثل هو الأول . والمكربات : الإبل التي يؤتى بها إلى أبواب البيوت في شدة البرد ليصيبها الدخان فتدفأ . والكراب : مجاري الماء في الوادي . وقال أبو عمرو : هي صدور الأودية ; قال أبو ذؤيب يصف النحل :


                                                          جوارسها تأري الشعوف دوائبا     وتنصب ألهابا ، مصيفا كرابها



                                                          واحدتها كربة . المصيف : المعوج ، من صاف السهم ; وقوله :


                                                          كأنما مضمضت من ماء أكربة     على سيابة نخل ، دونه ملق



                                                          قال أبو حنيفة : الأكربة هاهنا شعاف يسيل منها ماء الجبال ، واحدتها كربة ; قال ابن سيده : وهذا ليس بقوي ؛ لأن فعلا لا يجمع على أفعلة . وقال مرة : الأكربة جمع كرابة ، وهو ما يقع من ثمر النخل في أصول الكرب ; قال : وهو غلط . قال ابن سيده : وكذلك قوله عندي غلط أيضا ؛ لأن فعالة لا يجمع على أفعلة ، اللهم إلا أن يكون على طرح الزائد ، فيكون كأنه جمع فعالا . وما بالدار كراب ، بالتشديد ، أي أحد . والكرب : الفتل ; يقال : كربته كربا أي فتلته ; قال :


                                                          في مرتع اللهو لم يكرب إلى الطول



                                                          والكريب : الكعب من القصب أو القنا ; والكريب أيضا : الشوبق عن كراع . وأبو كرب اليماني ، بكسر الراء : ملك من ملوك حمير ، واسمه أسعد بن مالك الحميري ، وهو أحد التبابعة . وكريب ومعديكرب : اسمان ، فيه ثلاث لغات : معديكرب ، برفع الباء لا يصرف ، ومنهم من يقول : معديكرب يضيف ويصرف كربا ، ومنهم من يقول : معديكرب ، يضيف ولا يصرف كربا ، يجعله مؤنثا معرفة ، والياء من معديكرب ساكنة على كل حال . وإذا نسبت إليه قلت : معدي ، وكذلك النسب في كل اسمين جعلا واحدا ، مثل بعلبك وخمسة عشر ، وتأبط شرا تنسب إلى الاسم الأول تقول بعلي وخمسي وتأبطي ، وكذلك إذا صغرت تصغر الأول ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية