الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8120 ) مسألة ; قال : ( ولو حلف أن لا يشرب ماء هذا الإناء ، فشرب بعضه ، حنث ، إلا أن يكون أراد أن لا يشربه كله ) وجملة ذلك أنه إذا حلف ليفعلن شيئا ، لم يبر إلا بفعل جميعه ، وإن حلف أن لا يفعله ، وأطلق ، ففعل بعضه ، ففيه روايتان ، تقدم ذكرهما . وإن نوى فعل جميعه ، أو كان في يمينه ما يدل عليه ، لم يحنث إلا بفعل جميعه . وإن نوى فعل البعض . أو كان في يمينه ما يدل عليه ، حنث بفعل البعض ، رواية واحدة . فإن حلف أن لا يشرب ماء هذا الإناء ، فشرب بعضه ، فهل يحنث بذلك ؟ فيه روايتان . وإن حلف : لا يشرب ماء دجلة ، أو ماء هذا النهر . حنث بشرب أدنى شيء منه ; لأن شرب جميعه ممتنع بغير يمينه ، فلا حاجة إلى توكيد المنع بيمينه ، فتصرف يمينه إلى منع نفسه مما يمكن فعله ، وهو شرب البعض ، كما لو حلف : لا شربت الماء . وبهذا قال أبو حنيفة .

                                                                                                                                            وقال أصحاب الشافعي : إن حلف على الجنس ، كالناس والماء والخبز والتمر ونحوه ، حنث بفعل البعض ، وإن تناولت يمينه الجميع ، كالمسلمين والمشركين والمساكين ، لم يحنث بفعل البعض ، وإن تناولت اسم جنس يضاف ، كماء النهر ، وماء دجلة ، ففيه وجهان . ولنا ، أنه حلف على - ما لا يمكنه فعل جميعه ، فتناولت يمينه بعضه منفردا ، كاسم الجنس فإن حلف : لا شربت من الفرات ، فشرب من مائه ، حنث ، سواء كرع فيه ، أو اغترف منه ثم شرب . وبهذا قال الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يحنث حتى يكرع فيه ; لأن حقيقة ذلك الكرع ، فلم يحنث بغيره ، كما لو حلف : لا شربت من هذا الإناء . فصب منه في غيره وشرب . ولنا ، أن معنى يمينه أن لا يشرب من ماء الفرات ; لأن الشرب يكون من مائها ، ومنها في العرف ، فحملت اليمين عليه ، كما لو حلف : لا شربت من هذه البئر ، ولا أكلت من هذه الشجرة ، ولا شربت من هذه الشاة . ويفارق الكوز ; فإن الشرب في العرف منه ، لأنه آلة للشرب ، بخلاف النهر ، وما ذكروه يبطل بالبئر والشاة والشجرة ، وقد سلموا أنه لو استقى من البئر ، أو احتلب لبن الشاة ، أو التقط من الشجرة ، وشرب وأكل ، حنث ، فكذا في مسألتنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية