الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 210 ]

                قالوا : وجوبها مع استحالة فعلها في الكفر ، وانتفاء قضائها في الإسلام غير مفيد .

                قلنا : الوجوب بشرط تقديم الشرط ، كما سبق . والقضاء بأمر جديد ، أو بالأمر الأول ، ولكن انتفى بدليل شرعي ، نحو : الإسلام يجب ما قبله . وفائدة الوجوب ، عقابهم على تركها في الآخرة ، وقد صرح به النص ، نحو : وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين . والتكليف بالمناهي ، يستدعي نية الترك تقربا . ولا نية لكافر .

                التالي السابق


                قوله : " قالوا : وجوبها مع استحالة فعلها في الكفر ، وانتفاء قضائها في الإسلام ، غير مفيد " .

                هذا دليل المانعين من تكليفهم بالفروع . وتقريره : أن التكليف لا بد وأن يكون مفيدا ، إذ هو لغير فائدة عبث محال على الشرع . والفائدة إما أن تكون صحة فعلها حال الكفر ، أو وجوب قضائها بعد الإسلام ، وكلاهما منتف ، لأن الكافر لا تصح منه عبادة فرعية حال كفره ، ولا يجب عليه قضاؤها بعد الإسلام ، فينتفي التكليف لانتفاء فائدته .

                قوله : " قلنا " إلى آخره . هذا جواب السؤال الذي تضمنه دليلهم .

                وتقريره : أن وجوبها حال الكفر ، إنما هو بشرط تقديم الشرط - وهو الإيمان - كما سبق أول المسألة ، فلا يرد قولهم : إن وجوبها حال الكفر مع عدم صحتها منهم ، لأن المحال إنما يلزم لو أوجبناها عليهم مطلقا ، ونحن إنما نوجبها بشرط تقديم الإيمان ، وأما عدم وجوب قضائها عليهم بعد الإسلام ، فنقول :

                قضاء العبادات اختلف فيه ، هل هو بأمر جديد ، أو بالأمر الأول ؟ يعني : [ ص: 211 ] الخطاب الذي ثبت به أصل التكليف ، كما سيأتي في موضعه ، إن شاء الله تعالى . فإن قلنا : هو بأمر جديد ، سقط السؤال ، لأنا نقول : قضاء العبادات ، إنما لم يجب عليهم بعد الإسلام ، لانتفاء ورود الأمر الجديد بها ، لا أنها لم تكن واجبة عليهم حال الكفر .

                وإن قلنا : إن القضاء بالأمر الأول ، قلنا : هم مأمورون بها حال الكفر ، لكن سقط قضاؤها عنهم بعد الإسلام بدليل شرعي متجدد ، نحو قوله - عليه السلام - : الإسلام - يجب ما قبله ، والحج يجب ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها أي : يقطع ما قبله من أحكام الكفر ، حتى كأن الكافر بعد إسلامه لم يصدر منه معصية لله تعالى أصلا ، ولحظ الشارع في ذلك مصلحة عامة ، وهو تيسير الدخول في الإسلام عليهم ، وتكثيره منهم ، إذ من أسلم بعد مائة سنة في الكفر ، لو علم أنه يلزمه قضاء صلواتها ، وسائر عباداتها ، لجبن عن الدخول فيه ، وإذا علم أنه لا يطالب بشيء من ذلك ، سهل عليه بالضرورة .

                أما حقوق الآدميين ، فلا يسقطها الإسلام ، تحقيقا للعدل العام بين العالم .

                قوله : " وفائدة الوجوب عقابهم على تركها في الآخرة " هذا من تمام [ ص: 212 ] الجواب ، أي : لا نسلم أن تكليفهم بالفروع غير مفيد ، بل فائدته عقابهم على تركها في الدار الآخرة ، فيعاقبون على ترك الإيمان بالتخليد ، وعلى ترك فروعه بالتضعيف ، وهو زيادة كمية العذاب أضعافا يستحقونها في علم الله تعالى . وقد صرح النص بذلك نحو قوله تعالى : وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون [ فصلت : 6 - 7 ] ، وقوله سبحانه وتعالى حكاية عن أصحاب اليمين : في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين [ المدثر : 40 - 45 ] - وهذه كلها فروع - وكنا نكذب بيوم الدين [ المدثر : 46 ] ، هذا هو الأصل الذي بتركه والجزم بضده يكون الإيمان . وقوله سبحانه وتعالى : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون إلى قوله : يضاعف له العذاب يوم القيامة [ الفرقان : 68 - 69 ] .

                ووجه الاستدلال بهذه النصوص ، أنه رتب الوعيد فيها على مجموع ترك الأصل والفرع ، فكانت الفروع جزءا من سبب الوعيد ، وذلك يستلزم أنهم مكلفون بها ، فإن قيل : المستقل بالوعيد في هذه النصوص هو الكفر وحده ، بدليل استقلاله بالتخليد .

                فجوابه من وجهين :

                أحدهما : لا نسلم استقلاله بالوعيد ، وهو محل النزاع ، بل الوعيد على المجموع ، لأن الفروع في النصوص المذكورة ، معطوفة بالواو وهي للجمع ، فصار كأنه قال : ويل لمن وجد منه مجموع الإشراك ومنع الزكاة . ولا يمكنهم أن يثبتوا استقلال الكفر بالتخليد ، وإن كنا نوافقهم عليه كما سبق ، لأنكم لو فرضتم كافرا أتى في حال كفره بجميع الفروع [ لم يقبل ] منه مع كفره ، وإنما كلف بها بشرط [ ص: 213 ] أن يوقعها مسلما .

                الوجه الثاني : أن الكفر وإن استقل بالتخليد ، لكن يعاقبون على ترك الفروع بالمضاعفة ، كما قال سبحانه وتعالى : ومن يفعل ذلك يعني الإشراك والقتل والزنى يلق أثاما يضاعف له العذاب ، يعني على كل واحد من هذه الأشياء يعذب ضعفا من العذاب .



                قلت : وهذه الفائدة ، أعني عقابهم على ترك الفروع في الآخرة ، بعض الأصوليين يعينها ، أي : لا فائدة لتكليفهم إلا ذلك ، وبعضهم ذكر هنا فوائد :

                منها : تيسير الإسلام على الكافر ، فإنه إذا علم أنه مخاطب بها ربما سهل عليه فعلها ، دون فعل أصلها وهو الإيمان ، لأن فروع الشريعة كلها حسن عقلا ، تميل الطباع إليها ، وقد كان في الجاهلية من ليس بينه وبين أن يكون وليا لله إلا الشهادتان . مثل حاتم الطائي على ما عرف من جوده ، ومحبته للعدل ، ومكارم الأخلاق ، والتوكل ، والإيمان بالمعاد ، وبعض من أدرك الدعوة الإسلامية ، أجاب إلى جميع ما وردت به ، وامتنع من الصلاة ، لما فيها من إرغام الأنوف ، فإذا علم الكافر أنه مخاطب بها ، وفعلها بنية الطاعة ، والإجابة لداعي الشرع - وإن لم يكن له نية صحيحة - فربما يسر الله عليه الهدى ببركة ذلك المعروف والبر . ويروى في الحديث ، أن المؤمن ليختم له بالكفر بسبب كثرة ذنوبه ، فيناسب أن يختم للكافر بالإيمان بسبب كثرة حسناته . [ ص: 214 ]

                ومنها : الترغيب في الإسلام ، فإن الكافر إذا علم أنه مخاطب بالفروع ، وأنه يثبت في حقه الوجوب والحظر ، وقد أتى منها بكبائر ، كالقتل والظلم والفساد في الأرض . وأن إثم ذلك لاحق له ، ثم عرف أن الإسلام يجب ذلك كله ، ربما استشعر الخوف من عاقبة ما فعل منها ، فدعاه ذلك إلى الإسلام الهادم لها .

                ومنها : الحكم بتخفيف العذاب على الكافر بفعل بعض الخيرات ، وترك بعض الشرور ، إذا عرف أنه مخاطب بها ، وفعلها جاز أن يخفف عنه العذاب في الآخرة بالنسبة إلى من لم يفعل ذلك ، فإن أهل النار فيها متفاوتون في المنازل والدركات بحسب أعمالهم ، كما أن أهل الجنة متفاوتون فيها في المنازل والدرجات بحسب أعمالهم . كما قررته في " القواعد الصغرى " .

                ذكر هذه الفوائد الثلاث القرافي في " شرح التنقيح " وأحال بفوائد أخر على شرحه لـ " المحصول " .

                ومن المآخذ السمعية الإجماع على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا الناس عامة إلى قبول جميع ما جاء به .

                قوله : " والتكليف بالمناهي ، يستدعي نية الترك تقربا ، ولا نية لكافر " .

                هذا تقرير لضعف مذهب القائلين بأن الكفار مكلفون بمناهي الشرع الفرعية ، كترك المحظورات ، دون مأموراته ، كفعل الواجبات ، ووجه الفرق على قولهم : هو أن مقصود الأوامر الشرعية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بإيجادها ، وما [ ص: 215 ] يترتب عليها من مصلحة عاجلة ، كإغناء الفقراء بالزكاة ، ونحوه . والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، لا يصح إلا بعد تصديق المخبر عنه ، وذلك هو الإيمان . فمقصود الأوامر لا يتصور من الكافر قبل الإيمان ، بخلاف المناهي ، فإن مقصودها إعدام مفسدتها المترتبة عليها ، كمفسدة القتل والزنى والظلم والبغي ، ونحو ذلك .

                وترك هذه المفسدة وبراءة تاركها من عهدتها لا يتوقف على تصديق ولا إيمان ، والمؤمن والكافر فيه سيان .

                وتقرير الجواب أن نقول : قولكم : التقرب بالمأمورات لا يصح إلا بعد التصديق والإيمان . قلنا : نعم ، وكذلك نقول ، لكن ليس كلامنا في الصحة ، إنما هو في التكليف بها حال الكفر ، بشرط تقدم الإسلام على فعلها ، وقد سبق دليل ذلك وفوائده .

                أما قولكم : إن الكافر يخرج من عهدة المنهي عنه بتركه ، فيصح تكليفه به ، بخلاف المأمورات .

                قلنا : هذا موضع تحقيق وتفصيل ، وبيانه : أن الإنسان بالنسبة إلى الشرع مثاب ومعاقب ، بناء على أنه مأمور ومنهي ، فثوابه يحصل تارة عن فعل مأمور ، كالصلاة ، وتارة عن ترك محظور ، كالزنى والربا ، وعقابه يحصل ، تارة عن فعل محظور ، كالزنى ، وتارة عن ترك مأمور ، كالصلاة ، ومدار الأمر في ذلك كله على النية والقصد ، لأن القاعدة الشرعية أن الأعمال بالنيات ، ففاعل المأمور لا يثاب عليه [ ص: 216 ] الثواب الشرعي إلا بنية التقرب ، وتارك المحظور لا يثاب عليه الثواب الشرعي ، وهو ثواب من اتقى الله سبحانه وتعالى وخافه ، وآثره على نفسه ، وترك شهواته لرضاه ، إلا بنية ذلك ، والثواب والعقاب من آثار التكليف ، وكلامنا فيه .

                أما براءة العهدة من مفسدة المنهي بتركه ، فذلك من قبيل العدل ، يستوي فيه المؤمنون والكفار ، والعقلاء وغيرهم ، حتى إن المجنون لو أكره امرأة على الزنى ، وجب مهرها في ماله ، ولو هم بها ، ثم كف عنها ، خرج عن عهدة الغرامة التي كانت متوقعة بفعله لو فعل ، ولم يجب في ماله شيء ، وكذلك العاقل المسلم ، لو فعل هذا بعينه ، للزمه المهر من حيث العدل ، والإثم من حيث التكليف ، ولو كف عنها بعد أن هم بها ناويا التقرب ، لبرئ من عهدة المهر ، من حيث العدل ، ومن عهدة الحد ، من حيث التكليف ، ولحصل له أجر الكف ، وثواب المتقين ، من حيث التكليف أيضا ، لقوله تعالى : وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى [ النازعات : 40 - 41 ] ، ولو كف عنها غير ناو للقربة ، برئ من عهدة المهر ، من حيث العدل الثابت بين المخلوقين ، وبرئ من عهدة الحد ، من حيث التكليف بمقتضى العدل الثابت بين الله سبحانه وتعالى وخلقه ، ثم نظرنا ، فإن كان كفه خوفا من مخلوق ، فهو جبن لا تقوى ، وإن كان إيثارا لطهارة العرض ، والشجاعة على ضبط النفس ، ونحو ذلك مما يتعافاه أصحاب الهمم والنفوس الفاضلة الأبية ، فهذا محمود على عفافه العرفي ، وبالضرورة لا يساوي من كان كفه خوفا من الله تعالى ، ورغبة فيما عنده . [ ص: 217 ]

                وإذا تقرر هذا ، قلنا : قولكم : الكافر يخرج من عهدة المنهي بتركه ، فيصح تكليفه . إن عنيتم أنه يبرأ من عهدة العدل ، كالغرامات المترتبة على المناهي ، فهذا ليس من باب التكليف ، بل من باب العدل ، وليس الكلام فيه .

                وإن عنيتم أنه يبرأ من عهدة أذى يلحقه من المخلوقين ، في نفس أو مال أو عرض ، فهذا من باب الجبن أو العفاف العرفي .

                وإن عنيتم أنه تحصل له فضيلة المتقين ، ومن نهى النفس عن الهوى ، فهذا يتوقف على نية التقرب ، ولا نية لكافر ، بحيث يترتب عليها الثواب الشرعي ، فهذا تقرير قوله : " والتكليف بالمناهي يستدعي نية الترك تقربا ، ولا نية لكافر " .

                فروع :

                أحدها : أن الجهاد خاص بالمؤمنين ، فقيل : لم يكلف به الكفار بالأصالة ، لعدم حصول مصلحته منهم ، لأن الله سبحانه وتعالى حيث أمر بالجهاد لم يعين الكفار ، ولم يذكر صيغة يندرجون فيها ، بل قال : ياأيها النبي جاهد الكفار [ التوبة : 72 ] ، ياأيها الذين آمنوا قاتلوا [ التوبة : 123 ] ، اللهم إلا عمومات بعيدة ، نحو : ياأيها الناس اتقوا ربكم [ الحج : 1 ] ، ومن التقوى فعل المأمور ، ومن المأمور الجهاد ، فتتناولهم هذه العمومات على بعدها ، وهو أصح طردا لحكم المسألة في جميع الفروع من غير استثناء شيء منها .

                وأما عدم حصول مصلحة الجهاد منهم ، فهو مصلحة الصلاة لا تحصل [ ص: 218 ] بفعلها حال الكفر ، ولكنه مكلف بالجهاد والصلاة ، وغيرهما من الفروع ، بشرط تقديم الإسلام .



                الفرع الثاني : وقع النزاع بين بعض الفقهاء في سنتنا هذه - وهي سنة ثمان وسبعمائة للهجرة المحمدية - صلوات الله على منشئها - في أن الجن مكلفون بفروع الدين أم لا ؟

                واستفتي فيها شيخنا أبو العباس أحمد بن تيمية بالقاهرة - أيده الله تعالى - فأجاب فيها بما ملخصه أنهم مكلفون بها بالجملة ، لكن لا على حد تكليف الإنس بها ، لأنهم مخالفون للإنس بالحد فبالضرورة يخالفونهم في بعض التكاليف .

                قلت : مثاله ، أن الجن قد أعطي بعضهم قوة الطيران في الهواء ، فهذا يخاطب بقصد البيت الحرام للحج طائرا .

                والإنسان لعدم تلك القوة فيه ، لا يخاطب بذلك ، فهذا في طرف زيادة تكليفهم على تكليف الإنس .

                وأما من جهة نقص تكليفهم عن تكليف الإنس ، فكل تكليف يتعلق بخصوص طبيعة الإنس ، ينتفي في حق الجن ، لعدم تلك الخصوصية فيهم .

                والدليل على تكليف الجن بالفروع ، الإجماع على أن - النبي صلى الله عليه وسلم - أرسل بالقرآن الكريم إلى الجن والإنس ، فجميع أوامره ونواهيه متوجهة إلى الجنسين ، وهي مشتملة [ ص: 219 ] على الأصول والفروع ، نحو : آمنوا بالله [ الحديد : 7 ] ، وأقيموا الصلاة [ البقرة : 43 ] .

                وقد تضمن هذا الدليل ، على أن كفار الإنس مخاطبون بها ، وكذلك كفار الجن ، لتوجه القرآن بجميع ما فيه إلى مؤمني الجنسين وكفارهم .

                الفرع الثالث : ذكر الزنجاني في كتاب " تخريج الفروع على الأصول " أن الخلاف في أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالقهر مبني على الخلاف في تكليفهم بالفروع .

                فإن قلنا : هم مكلفون بها ، لم يملكوها ، لأن من الفروع تحريم أخذ مال الغير بالقهر ، والمأخوذ بسبب حرام لا يملك ، وهم قد أخذوا أموال المسلمين بهذا السبب المحرم ، وتحريمه ثابت في حقهم ، فلا يملكونها به .

                وإن قلنا : ليسوا مكلفين بالفروع ، ملكوا الأموال بالقهر ، لأن التحريم غير ثابت في حقهم ، فيكون أخذهم لها مباحا بالنسبة إليهم .

                قلت : الصحيح من مذهب أحمد أنهم يملكونها ، وهو ينافي أصله في أنهم مكلفون بالفروع ، لكن مأخذه في ملكهم لها غير ذلك ، وهو أن المسلمين يعوضون عن أموالهم الأجر ، فلو بقيت على ملكهم ، لاجتمع لهم العوض والمعوض ، وهو باطل عقلا ، وغير معهود شرعا .

                قلت : وهو تقرير لطيف حسن ، غير أنه ينتقض بالمغصوب منه ، فإنه يؤجر على مصيبته في ماله المغصوب ، مع أن الغاصب لا يملكه ، ولا فرق بين الصورتين إلا الكفر والإسلام وداراهما ، ولا يظهر تأثيره في الحكم ، وأيضا ، فإن الأجر ليس عوضا [ ص: 220 ] ماليا ، وامتناع العوض والمعوض إنما هو في الماليات ، فتخريج ملك الكفار لأموال المسلمين على تكليفهم جيد .

                ولهذا قال أبو الخطاب : لا يملكونها ، فكان قوله أحرى على أصول أحمد - رحمة الله عليهما - .




                الخدمات العلمية