الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8254 ) فصل : ولا يسمع الجرح إلا مفسرا ، ويعتبر فيه اللفظ فيقول : أشهد أنني رأيته يشرب الخمر ، أو يعامل بالربا ، أو يظلم الناس بأخذ أموالهم أو ضربهم ، أو سمعته يقذف . أو يعلم ذلك باستفاضته في الناس . ولا بد من ذكر السبب وتعيينه .

                                                                                                                                            وبهذا قال الشافعي ، وسوار . وقال أبو حنيفة : يقبل الجرح المطلق ، وهو أن يشهد أنه فاسق ، أو أنه ليس بعدل . وعن أحمد مثله ; لأن التعديل يسمع مطلقا ; فكذلك الجرح ، ولأن التصريح بالسبب يجعل الجارح فاسقا ، ويوجب عليه الحد في بعض الحالات ، وهو أن يشهد عليه بالزنى ، فيفضي الجرح إلى جرح الجارح ، وتبطيل شهادته ، ولا يتجرح بها المجروح .

                                                                                                                                            ولنا ، أن الناس يختلفون في أسباب الجرح ، كاختلافهم في شارب النبيذ ، فوجب أن لا يقبل مجرد الجرح ، لئلا يجرحه بما لا يراه القاضي جرحا ; ولأن الجرح ينقل عن الأصل ، فإن الأصل في المسلمين العدالة ، والجرح ينقل عنها ، فلا بد أن يعرف الناقل ، لئلا يعتقد نقله بما لا يراه الحاكم ناقلا . وقولهم : إنه يفضي إلى جرح الجارح ، وإيجاب الحد عليه .

                                                                                                                                            قلنا : ليس كذلك ; لأنه يمكنه التعريض من غير تصريح . فإن قيل : ففي بيان السبب هتك المجروح . قلنا : لا بد من هتكه ; فإن الشهادة عليه بالفسق هتك له . ولكن جاز ذلك للحاجة الداعية إليه ، كما جازت الشهادة عليه به لإقامة الحد عليه ، بل هاهنا أولى ; فإن فيه دفع الظلم عن المشهود عليه ، وهو حق آدمي ، فكان أولى بالجواز ، ولأن هتك عرضه بسببه ، لأنه تعرض للشهادة مع ارتكابه ما يوجب جرحه ، فكان هو الهاتك لنفسه ، إذ كان فعله هو المحوج للناس إلى جرحه . فإن صرح الجارح بقذفه بالزنى ، فعليه الحد إن لم يأت بتمام أربعة شهداء .

                                                                                                                                            وبهذا قال أبو حنيفة . وقال الشافعي : لا حد عليه إذا كان بلفظ الشهادة ; لأنه لم يقصد إدخال المعرة عليه . ولنا ، قول الله تعالى { : والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } . الآية . ولأن أبا بكرة ورفيقيه شهدوا على المغيرة بالزنى ، ولم يكمل زياد شهادته فجلدهم عمر حد القذف بمحضر [ ص: 113 ] الصحابة ، فلم ينكره منكر ، فكان إجماعا . ويبطل ما ذكروه بما إذا شهدوا عليه لإقامة الحد عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية