الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8276 ) فصل : ولا يسمع الحاكم الدعوى إلا محررة ، إلا في الوصية والإقرار ; لأن الحاكم يسأل المدعى عليه عما ادعاه ، فإن اعترف به لزمه ، ولا يمكنه أن تلزمه مجهولة ويفارق الإقرار ; فإن الحق عليه ، فلا يسقط بتركه إثباته ، وإنما صحت الدعوى في الوصية مجهولة ; لأنها تصح مجهولة ; فإنه لو وصى له بشيء أو سهم صح ، فلا يمكنه أن يدعيها إلا مجهولة كما ثبت ، وكذلك الإقرار ، لما صح أن يقر بمجهول ، صح لخصمه أن يدعي عليه أنه أقر له بمجهول .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإن كان المدعى أثمانا ، فلا بد من ذكر ثلاثة أشياء ; الجنس ، والنوع ، والقدر ، فيقول [ ص: 123 ] عشرة دنانير بصرية . وإن اختلفت بالصحاح والمكسرة ، قال : صحاح . أو قال : مكسرة .

                                                                                                                                            وإن كانت الدعوى في غير الأثمان ، وكانت عينا تنضبط بالصفات ، كالحبوب والثياب والحيوان ، احتاج أن يذكر الصفات التي تشترط في السلم ، وإن ذكر القيمة كان آكد ، إلا أن الصفة تغني فيه كما تغني في العقد .

                                                                                                                                            وإن كانت جواهر ونحوها مما لا ينضبط بالصفة ، فلا بد من ذكر قيمتها ; لأنها لا تنضبط إلا بها . وإن كان المدعى تالفا ، وهو مما له مثل ، كالمكيل والموزون ، ادعى مثله ، وضبطه بصفته . وإن كان مما لا مثل له ، كالنبات والحيوان ، ادعى قيمته ; لأنها تجب بتلفه .

                                                                                                                                            وإن كان التالف شيئا محلى بفضة أو بذهب ، قومه بغير جنس حليته ، وإن كان محلى بذهب وفضة ، قومه بما شاء منهما ; لأنه موضع حاجة . وإن كان المدعى عقارا ، فلا بد من بيان موضعه وحدوده ، فيدعي أن هذه الدار بحدودها وحقوقها لي ، وأنها في يده ظلما ، وأنا أطالبه بردها علي . وإن ادعى عليه أن هذه الدار لي ، وأنه يمنعني منها ، صحت الدعوى وإن لم يقل إنها في يده ; لأنه يجوز أن ينازعه ويمنعه وإن لم تكن في يده .

                                                                                                                                            وإن ادعى جراحة لها أرش معلوم ، كالموضحة من الحر ، جاز أن يدعي الجراحة ولا يذكر أرشها ; لأنه معلوم . وإن كانت من عبد ، أو كانت من حر لا مقدر فيها ، فلا بد من ذكر أرشها . وإن ادعى على أبيه دينا ، لم تسمع الدعوى حتى يدعي أن أباه مات ، وترك في يده مالا ; لأن الولد لا يلزمه قضاء دين والده ما لم يكن كذلك .

                                                                                                                                            ويحتاج أن يذكر تركة أبيه ، ويحررها ، ويذكر قدرها ، كما يصنع في قدر الدين . هكذا ذكره القاضي . والصحيح أنه يحتاج إلى ذكر ثلاثة أشياء ; تحرير دينه ، وموت أبيه ، وأنه وصل إليه من تركة أبيه ما فيه وفاء لدينه . وإن قال : ما فيه وفاء لبعض دينه . احتاج أن يذكر ذلك القدر .

                                                                                                                                            والقول قول المدعى عليه ، في نفي تركة الأب مع يمينه . وإن أنكر موت أبيه ، فالقول قوله مع يمينه ، ويكفيه أن يحلف على نفي العلم ; لأنه على نفي فعل الغير ، وقد يموت ولا يعلم به ابنه ، ويكفيه أن يحلف أن ما وصل إليه من تركة أبيه ما فيه وفاء حقه ، ولا شيء منه ، ولا يلزمه أن يحلف أن أباه لم يخلف شيئا ; لأنه قد يخلف تركة فلا تصل إليه ، فلا يلزمه الإيفاء منه ، فإن لم يحسن المدعي تحرير الدعوى ، فهل للحاكم أن يلقنه تحريرها ؟ يحتمل وجهين ; أحدهما ، يجوز ; لأنه لا ضرر على صاحبه في ذلك . والثاني ، لا يجوز ; لأن فيه إعانة أحد الخصمين في حكومته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية