الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كلم

                                                          كلم : القرآن كلام الله وكلم الله وكلماته وكلمته ، وكلام الله لا يحد ولا يعد ، وهو غير مخلوق ، تعالى الله عما يقول المفترون علوا كبيرا . وفي الحديث : أعوذ بكلمات الله التامات قيل : هي القرآن ؛ قال ابن الأثير : إنما وصف كلامه بالتمام لأنه لا يجوز أن يكون في شيء من كلامه نقص أو عيب كما يكون في كلام الناس ، وقيل : [ ص: 105 ] معنى التمام ها هنا أنها تنفع المتعوذ بها وتحفظه من الآفات وتكفيه . وفي الحديث : سبحان الله عدد كلماته كلمات الله أي كلامه ، وهو صفته وصفاته لا تنحصر بالعدد ، فذكر العدد ها هنا مجاز بمعنى المبالغة في الكثرة ، وقيل : يحتمل أن يريد عدد الأذكار أو عدد الأجور على ذلك ، ونصب عدد على المصدر ؛ وفي حديث النساء : استحللتم فروجهن بكلمة الله هي قوله تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقيل : هي إباحة الله الزواج وإذنه فيه . ابن سيده : الكلام القول ، معروف ، وقيل : الكلام ما كان مكتفيا بنفسه وهو الجملة ، والقول ما لم يكن مكتفيا بنفسه ، وهو الجزء من الجملة ؛ قال سيبويه : اعلم أن قلت إنما وقعت في الكلام على أن يحكى بها ما كان كلاما لا قولا ، ومن أدل الدليل على الفرق بين الكلام والقول إجماع الناس على أن يقولوا القرآن كلام الله ولا يقولوا القرآن قول الله ، وذلك أن هذا موضع ضيق متحجر لا يمكن تحريفه ولا يسوغ تبديل شيء من حروفه ، فعبر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون إلا أصواتا تامة مفيدة ؛ قال أبو الحسن : ثم إنهم قد يتوسعون فيضعون كل واحد منهما موضع الآخر ؛ ومما يدل على أن الكلام هو الجمل المتركبة في الحقيقة قول كثير :


                                                          لو يسمعون كما سمعت كلامها خروا لعزة ركعا وسجودا



                                                          فمعلوم أن الكلمة الواحدة لا تشجي ولا تحزن ولا تتملك قلب السامع ، وإنما ذلك فيما طال من الكلام وأمتع سامعيه لعذوبة مستمعه ورقة حواشيه ، وقد قال سيبويه : هذا باب أقل ما يكون عليه الكلم ، فذكر هنالك حرف العطف وفاءه ولام الابتداء وهمزة الاستفهام وغير ذلك مما هو على حرف واحد ، وسمى كل واحدة من ذلك كلمة . الجوهري : الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير ، والكلم لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأنه جمع كلمة مثل نبقة ونبق ، ولهذا قال سيبويه : هذا باب علم ما الكلم من العربية ، ولم يقل ما الكلام لأنه أراد نفس ثلاثة أشياء : الاسم والفعل والحرف ، فجاء بما لا يكون إلا جمعا وترك ما يمكن أن يقع على الواحد والجماعة ، وتميم تقول : هي كلمة ، بكسر الكاف ، وحكى الفراء فيها ثلاث لغات : كلمة وكلمة وكلمة ، مثل كبد وكبد وكبد ، وورق وورق وورق ، وقد يستعمل الكلام في غير الإنسان ؛ قال :


                                                          فصبحت والطير لم تكلم     جابية حفت بسيل مفعم



                                                          وكأن الكلام في هذا الاتساع إنما هو محمول على القول ، ألا ترى إلى قلة الكلام هنا وكثرة القول ؟ والكلمة : لغة تميمية ، والكلمة : اللفظة ، حجازية ، وجمعها كلم ، تذكر وتؤنث . يقال : هو الكلم وهي الكلم . التهذيب : والجمع في لغة تميم الكلم ؛ قال رؤبة :


                                                          لا يسمع الركب به رجع الكلم



                                                          وقول سيبويه : هذا باب الوقف في أواخر الكلم المتحركة في الوصل ، يجوز أن تكون المتحركة من نعت الكلم فتكون الكلم حينئذ مؤنثة ، ويجوز أن تكون من نعت الأواخر ، فإذا كان ذلك فليس في كلام سيبويه هنا دليل على تأنيث الكلم بل يحتمل الأمرين جميعا ؛ فأما قول مزاحم العقيلي :


                                                          لظل رهينا خاشع الطرف حطه     تحلب جدوى والكلام الطرائف



                                                          فوصفه بالجمع ، فإنما ذلك وصف على المعنى كما حكى أبو الحسن عنهم من قولهم : ذهب به الدينار الحمر والدرهم البيض ؛ وكما قال :


                                                          تراها الضبع أعظمهن رأسا



                                                          فأعاد الضمير على معنى الجنسية لا على لفظ الواحد ، لما كانت الضبع هنا جنسا ، وهي الكلمة ، تميمية وجمعها كلم ، ولم يقولوا كلما على اطراد فعل في جمع فعلة . وأما ابن جني فقال : بنو تميم يقولون كلمة وكلم ككسرة وكسر . وقوله تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات قال ثعلب : هي الخصال العشر التي في البدن والرأس . وقوله تعالى : فتلقى آدم من ربه كلمات قال أبو إسحاق : الكلمات ، والله أعلم ، اعتراف آدم وحواء بالذنب لأنهما قالا ربنا ظلمنا أنفسنا . قال أبو منصور : والكلمة تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء ، وتقع على لفظة مؤلفة من جماعة حروف ذات معنى ، وتقع على قصيدة بكمالها وخطبة بأسرها . يقال : قال الشاعر في كلمته أي في قصيدته . قال الجوهري : الكلمة القصيدة بطولها . وتكلم الرجل تكلما وتكلاما وكلمه كلاما ، جاءوا به على موازنة الأفعال ، وكالمه : ناطقه . وكليمك : الذي يكالمك . وفي التهذيب : الذي تكلمه ويكلمك . يقال : كلمته تكليما وكلاما مثل كذبته تكذيبا وكذابا . وتكلمت كلمة وبكلمة . وما أجد متكلما ، بفتح اللام ، أي موضع كلام . وكالمته إذا حادثته ، وتكالمنا بعد التهاجر . ويقال : كانا متصارمين فأصبحا يتكالمان ولا تقل يتكلمان . ابن سيده : تكالم المتقاطعان كلم كل واحد منهما صاحبه ، ولا يقال تكلما . وقال أحمد بن يحيى في قوله تعالى : وكلم الله موسى تكليما ، لو جاءت كلم الله موسى مجردة لاحتمل ما قلنا وما قالوا يعني المعتزلة ، فلما جاء " تكليما " خرج الشك الذي كان يدخل في الكلام ، وخرج الاحتمال للشيئين ، والعرب تقول إذا وكد الكلام لم يجز أن يكون التوكيد لغوا ، والتوكيد بالمصدر دخل لإخراج الشك . وقوله تعالى : وجعلها كلمة باقية في عقبه قال الزجاج : عنى بالكلمة هنا كلمة التوحيد ، وهي لا إله إلا الله ، جعلها باقية في عقب إبراهيم لا يزال من ولده من يوحد الله عز وجل . ورجل تكلام وتكلامة وتكلامة وكلماني : جيد الكلام فصيح حسن الكلام منطيق . وقال ثعلب : رجل كلماني كثير الكلام ، فعبر عنه بالكثرة ، قال : والأنثى كلمانية ، قال : ولا نظير لكلماني ، ولا لتكلامة . قال أبو الحسن : وله عندي نظير وهو قولهم رجل تلقاعة كثير الكلام . والكلم : الجرح ، والجمع كلوم وكلام ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          يشكو إذا شد له حزامه     شكوى سليم ذربت كلامه



                                                          سمى موضع نهشة الحية من السليم كلما ، وإنما حقيقته الجرح ، وقد [ ص: 106 ] يكون السليم هنا الجريح ، فإذا كان كذلك فالكلم هنا أصل لا مستعار . وكلمه يكلمه كلما وكلمه كلما : جرحه ، وأنا كالم ورجل مكلوم وكليم ؛ قال :


                                                          عليها الشيخ كالأسد الكليم



                                                          والكليم فالجر على قولك عليها الشيخ كالأسد الكليم إذا جرح فحمي أنفا ، والرفع على قولك عليها الشيخ الكليم كالأسد ، والجمع كلمى . وقوله تعالى : أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم قرئت : تكلمهم وتكلمهم ، فتكلمهم : تجرحهم وتسمهم ، وتكلمهم : من الكلام ، وقيل : تكلمهم وتكلمهم سواء كما تقول تجرحهم وتجرحهم ، قال الفراء : اجتمع القراء على تشديد تكلمهم وهو من الكلام ، وقال أبو حاتم : قرأ بعضهم تكلمهم وفسر تجرحهم ، والكلام : الجراح ، وكذلك إن شدد تكلمهم فذلك المعنى تجرحهم ، وفسر فقيل : تسمهم في وجوههم ، تسم المؤمن بنقطة بيضاء فيبيض وجهه ، وتسم الكافر بنقطة سوداء فيسود وجهه . والتكليم : التجريح ؛ قال عنترة :

                                                          إذ لا أزال على رحالة سابح     نهد تعاوره الكماة ، مكلم



                                                          وفي الحديث : ذهب الأولون لم تكلمهم الدنيا من حسناتهم شيئا أي : لم تؤثر فيهم ولم تقدح في أديانهم ، وأصل الكلم الجرح . وفي الحديث : إنا نقوم على المرضى ونداوي الكلمى ؛ جمع كليم وهو الجريح ، فعيل بمعنى مفعول ، وقد تكرر ذكره اسما وفعلا مفردا ومجموعا . وفي التهذيب في ترجمة مسح في قوله عز وجل : بكلمة منه اسمه المسيح قال أبو منصور : سمى الله ابتداء أمره كلمة لأنه ألقى إليها الكلمة ثم كون الكلمة بشرا ، ومعنى الكلمة معنى الولد ، والمعنى يبشرك بولد اسمه المسيح ؛ وقال الجوهري : وعيسى - عليه السلام - كلمة الله لأنه لما انتفع به في الدين كما انتفع بكلامه سمي به كما يقال فلان سيف الله وأسد الله . والكلام : أرض غليظة صليبة أو طين يابس ، قال ابن دريد : ولا أدري ما صحته ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية