الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كلا

                                                          كلا : ابن سيده : كلا كلمة مصوغة للدلالة على اثنين ، كما أن كلا مصوغة للدلالة على الجمع ، قال سيبويه : وليست كلا من لفظ كل ، كل صحيحة وكلا معتلة . ويقال للأنثيين كلتا وبهذه التاء حكم على أن ألف كلا منقلبة عن واو ؛ لأن بدل التاء من الواو أكثر من بدلها من الياء ، قال : وأما قول سيبويه جعلوا كلا كمعى ، فإنه لم يرد أن ألف كلا منقلبة عن ياء كما أن ألف معى منقلبة عن ياء ، بدليل قولهم معيان ، وإنما أراد سيبويه أن ألف كلا كألف معى في اللفظ ، لا أن الذي انقلبت عليه ألفاهما واحد ، فافهم ، وما توفيقنا إلا بالله ، وليس لك في إمالتها دليل على أنها من الياء لأنهم قد يميلون بنات الواو أيضا ، وإن كان أوله مفتوحا كالمكا والعشا ، فإذا كان ذلك مع الفتحة كما ترى فإمالتها مع الكسرة في كلا أولى ، قال : وأما تمثيل صاحب الكتاب لها بشروى ، وهي من شريت ، فلا يدل على أنها عنده من الياء دون الواو ، ولا من الواو دون الياء ؛ لأنه إنما أراد البدل حسب فمثل بما لامه من الأسماء من ذوات الياء ، مبدلة أبدا نحو الشروى والفتوى . قال ابن جني : أما كلتا فذهب سيبويه إلى أنها فعلى بمنزلة الذكرى والحفرى ، قال : وأصلها كلوا فأبدلت الواو تاء كما أبدلت في أخت وبنت ، والذي يدل على أن لام كلتا معتلة قولهم في مذكرها كلا ، وكلا فعل ولامه معتلة بمنزلة لام حجا ورضا ، وهما من الواو لقولهم حجا يحجو والرضوان ، ولذلك مثلها سيبويه بما اعتلت لامه فقال هي بمنزلة شروى ، وأما أبو عمر الجرمي فذهب إلى أنها فعتل ، وأن التاء فيها علم تأنيثها وخالف سيبويه ، ويشهد بفساد هذا القول أن التاء لا تكون علامة تأنيث الواحد إلا وقبلها فتحة نحو طلحة وحمزة وقائمة وقاعدة ، أو أن يكون قبلها ألف نحو سعلاة وعزهاة ، واللام في كلتا ساكنة كما ترى ، فهذا وجه ، ووجه آخر أن علامة التأنيث لا تكون أبدا وسطا ، إنما تكون آخرا لا محالة ، قال : وكلتا اسم مفرد يفيد معنى التثنية بإجماع من البصريين ، فلا يجوز أن يكون علامة تأنيثه التاء وما قبلها ساكن ، وأيضا فإن فعتلا مثال لا يوجد في الكلام أصلا فيحمل هذا عليه ، قال : وإن سميت بكلتا رجلا لم تصرفه في قول سيبويه معرفة ولا نكرة ؛ لأن ألفها للتأنيث بمنزلتها في ذكرى ، وتصرفه نكرة في قول أبي عمر لأن أقصى أحواله عنده أن يكون كقائمة وقاعدة وعزة وحمزة ، ولا تنفصل كلا ولا كلتا من الإضافة . وقال ابن الأنباري : من العرب من يميل ألف كلتا ومنهم من لا يميلها ، فمن أبطل إمالتها قال ألفها ألف تثنية كألف غلاما وذوا ، وواحد كلتا كلت ، وألف التثنية لا تمال ، ومن وقف على كلتا بالإمالة فقال كلتا اسم واحد عبر عن التثنية ، وهو بمنزلة شعرى وذكرى . وروى الأزهري عن المنذري عن أبي الهيثم أنه قال : العرب إذا أضافت كلا إلى اثنين لينت لامها وجعلت معها ألف التثنية ، ثم سوت بينهما في الرفع والنصب والخفض فجعلت إعرابها بالألف وأضافتها إلى اثنين وأخبرت عن واحد ، فقالت : كلا أخويك كان قائما ولم يقولوا كانا قائمين ، وكلا عميك كان فقيها ، وكلتا المرأتين كانت جميلة ، ولا يقولون كانتا جميلتين . قال الله عز وجل : كلتا الجنتين آتت أكلها ولم يقل آتتا . ويقال : مررت بكلا الرجلين ، وجاءني كلا الرجلين ، فاستوى في كلا إذا أضفتها إلى ظاهرين الرفع والنصب والخفض ، فإذا كنوا عن مخفوضها أجروها بما يصيبها من الإعراب فقالوا أخواك مررت بكليهما ، فجعلوا نصبها وخفضها بالياء ، وقالوا [ ص: 107 ] أخواي جاءاني كلاهما فجعلوا رفع الاثنين بالألف ، وقال الأعشى في موضع الرفع :


                                                          كلا أبويكم كان فرعا دعامة



                                                          يريد : كل واحد منهما كان فرعا ؛ وكذلك قال لبيد :


                                                          فغدت كلا الفرجين تحسب أنه     مولى المخافة خلفها وأمامها



                                                          غدت : يعني بقرة وحشية ، كلا الفرجين : أراد كلا فرجيها ، فأقام الألف واللام مقام الكناية ، ثم قال تحسب ، يعني البقرة ، أنه ولم يقل أنهما مولى المخافة أي ولي مخافتها ، ثم ترجم عن كلا الفرجين فقال خلفها وأمامها ، وكذلك تقول : كلا الرجلين قائم وكلتا المرأتين قائمة ؛ وأنشد :


                                                          كلا الرجلين أفاك أثيم



                                                          وقد ذكرنا تفسير كل في موضعه . الجوهري : كلا في تأكيد الاثنين نظير كل في المجموع ، وهو اسم مفرد غير مثنى ، فإذا ولي اسما ظاهرا كان في الرفع والنصب والخفض على حالة واحدة بالألف ، تقول : رأيت كلا الرجلين ، وجاءني كلا الرجلين ، ومررت بكلا الرجلين ، فإذا اتصل بمضمر قلبت الألف ياء في موضع الجر والنصب ، فقلت : رأيت كليهما ومررت بكليهما ، كما تقول عليهما ، وتبقى في الرفع على حالها ؛ وقال الفراء : هو مثنى مأخوذ من كل فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية ، وكذلك كلتا للمؤنث ، ولا يكونان إلا مضافين ولا يتكلم منهما بواحد ، ولو تكلم به لقيل كل وكلت وكلان وكلتان ؛ واحتج بقول الشاعر :


                                                          في كلت رجليها سلامى واحده     كلتاهما مقرونة بزائده



                                                          أراد : في إحدى رجليها ، فأفرد ، قال : وهذا القول ضعيف عند أهل البصرة ؛ لأنه لو كان مثنى لوجب أن تنقلب ألفه في النصب والجر ياء مع الاسم الظاهر ، ولأن معنى كلا مخالف لمعنى كل ؛ لأن كلا للإحاطة وكلا يدل على شيء مخصوص ، وأما هذا الشاعر فإنما حذف الألف للضرورة وقدر أنها زائدة ، وما يكون ضرورة لا يجوز أن يجعل حجة ، فثبت أنه اسم مفرد كمعى إلا أنه وضع ليدل على التثنية ، كما أن قولهم نحن اسم مفرد يدل على الاثنين فما فوقهما ؛ يدل على ذلك قول جرير :


                                                          كلا يومي أمامة يوم صد     وإن لم نأتها إلا لماما



                                                          قال : أنشدنيه أبو علي ، قال : فإن قال قائل فلم صار كلا بالياء في النصب والجر مع المضمر ولزمت الألف مع المظهر كما لزمت في الرفع مع المضمر ؟ قيل له : من حقها أن تكون بالألف على كل حال مثل عصا ومعى ، إلا أنها لما كانت لا تنفك من الإضافة شبهت بعلى ولدى ، فجعلت بالياء مع المضمر في النصب والجر ؛ لأن على لا تقع إلا منصوبة أو مجرورة ولا تستعمل مرفوعة ، فبقيت كلا في الرفع على أصلها مع المضمر ؛ لأنها لم تشبه بعلى في هذه الحال ، قال : وأما كلتا التي للتأنيث فإن سيبويه يقول ألفها للتأنيث والتاء بدل من لام الفعل ، وهي واو والأصل كلوا ، وإنما أبدلت تاء لأن في التاء علم التأنيث ، والألف في كلتا قد تصير ياء مع المضمر فتخرج عن علم التأنيث ، فصار في إبدال الواو تاء تأكيد للتأنيث . قال : وقال أبو عمر الجرمي : التاء ملحقة والألف لام الفعل ، وتقديرها عنده فعتل ، ولو كان الأمر كما زعم لقالوا في النسبة إليها كلتوي ، فلما قالوا كلوي وأسقطوا التاء دل أنهم أجروها مجرى التاء التي في أخت التي إذا نسبت إليها قلت أخوي ؛ قال ابن بري في هذا الموضع : كلوي قياس من النحويين إذا سميت بها رجلا ، وليس ذلك مسموعا فيحتج به على الجرمي . الأزهري في ترجمة كلأ عند قوله تعالى : قل من يكلؤكم بالليل والنهار ، قال الفراء : هي مهموزة ولو تركت همزة مثله في غير القرآن قلت يكلوكم ، بواو ساكنة ، ويكلاكم ، بألف ساكنة ، مثل يخشاكم ، ومن جعلها واوا ساكنة قال كلات ، بألف ، يترك النبرة منها ، ومن قال يكلاكم قال كليت مثل قضيت ، وهي من لغة قريش ، وكل حسن ، إلا أنهم يقولون في الوجهين مكلوة ومكلو أكثر مما يقولون مكلي ، قال : ولو قيل مكلي في الذين يقولون كليت كان صوابا ؛ قال : وسمعت بعض العرب ينشد :


                                                          ما خاصم الأقوام من ذي خصومة     كورهاء مشني ، إليها ، حليلها



                                                          فبنى على شنيت بترك النبرة . أبو نصر : كلى فلان يكلي تكلية ، وهو أن يأتي مكانا فيه مستتر ، جاء به غير مهموز . والكلوة : لغة في الكلية لأهل اليمن ؛ قال ابن السكيت : ولا تقل كلوة ، بكسر الكاف . الكليتان من الإنسان وغيره من الحيوان : لحمتان منتبرتان حمراوان لازقتان بعظم الصلب عند الخاصرتين في كظرين من الشحم ، وهما منبت بيت الزرع ، هكذا يسميان في الطب ، يراد به زرع الولد . سيبويه : كلية وكلى ، كرهوا أن يجمعوا بالتاء فيحركوا العين بالضمة فتجيء هذه الياء بعد ضمة ، فلما ثقل عليهم تركوه واجتزءوا ببناء الأكثر ، ومن خفف قال كليات . وكلاه كليا أصاب كليته . ابن السكيت : كليت فلانا فاكتلى ، وهو مكلي ، أصبت كليته ؛ قال حميد الأرقط :


                                                          من علق المكلي والموتون



                                                          وإذا أصبت كبده فهو مكبود . وكلا الرجل واكتلى : تألم لذلك ؛ قال العجاج :


                                                          لهن في شباته صئي     إذا اكتلى واقتحم المكلي



                                                          ويروى : كلا ؛ يقول : إذا طعن الثور الكلب في كليته وسقط الكلب المكلي الذي أصيبت كليته . وجاء فلان بغنمه حمر الكلى أي مهازيل ؛ وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          إذا الشوي كثرت ثوائجه     وكان من عند الكلى مناتجه



                                                          كثرت ثوائجه من الجدب لا تجد شيئا ترعاه . وقوله : من عند الكلى مناتجه ، يعني سقطت من الهزال فصاحبها يبقر بطونها من خواصرها في موضع كلاها فيستخرج أولادها منها . وكلية المزادة والراوية : جليدة مستديرة مشدودة العروة قد خرزت مع الأديم تحت عروة [ ص: 108 ] المزادة . وكلية الإداوة : الرقعة التي تحت عروتها ، وجمعها الكلى ، وأنشد :


                                                          كأنه من كلى مفرية سرب



                                                          الجوهري : والجمع كليات وكلى ، قال : وبنات الياء إذا جمعت بالتاء لم يحرك موضع العين منها بالضم . وكلية السحابة : أسفلها ، والجمع كلى . يقال : انبعجت كلاه ؛ قال :


                                                          يسيل الربى واهي الكلى عارض الذرى     أهلة نضاخ الندى سابغ القطر



                                                          وقيل : إنما سميت بكلية الإداوة ، وقول أبي حية :


                                                          حتى إذا سربت عليه وبعجت     وطفاء ساربة كلي مزاد



                                                          يحتمل أن يكون جمع كلية على كلي ، كما جاء حلية وحلي في قول بعضهم لتقارب البناءين ، ويحتمل أن يكون جمعه على اعتقاد حذف الهاء كبرد وبرود . والكلية من القوس : أسفل من الكبد ، وقيل : هي كبدها ، وقيل : معقد حمالتها ، وهما كليتان ، وقيل : كليتها مقدار ثلاثة أشبار من مقبضها . والكلية من القوس : ما بين الأبهر والكبد ، وهما كليتان . وقال أبو حنيفة : كليتا القوس مثبت معلق حمالتها . والكليتان : ما عن يمين النصل وشماله . والكلى : الريشات الأربع التي في آخر الجناح يلين جنبه . والكلية : اسم موضع ، قال الفرزدق :


                                                          هل تعلمون غداة يطرد سبيكم     بالسفح بين كلية وطحال ؟



                                                          والكليان : اسم موضع ، قال القتال الكلابي :


                                                          لظبية ربع بالكليين دارس     فبرق نعاج غيرته الروامس



                                                          قال الأزهري في المعتل ما صورته : تفسير كلا الفراء : قال : قال الكسائي لا تنفي حسب وكلا تنفي شيئا وتوجب شيئا غيره ، من ذلك قولك للرجل قال لك أكلت شيئا فقلت لا ، ويقول الآخر أكلت تمرا فتقول أنت كلا ، أردت أي أكلت عسلا لا تمرا ، قال : وتأتي كلا بمعنى قولهم حقا ، قال : روى ذلك أبو العباس أحمد بن يحيى . وقال ابن الأنباري في تفسيره كلا : هي عند الفراء تكون صلة لا يوقف عليها وتكون حرف رد بمنزلة نعم ولا في الاكتفاء ، فإذا جعلتها صلة لما بعدها لم تقف عليها كقولك كلا ورب الكعبة ، لا تقف على كلا لأنها بمنزلة إي والله ، قال الله سبحانه وتعالى : كلا والقمر الوقف على كلا قبيح لأنها صلة لليمين . قال : وقال الأخفش معنى كلا الردع والزجر ، قال الأزهري : وهذا مذهب سيبويه وإليه ذهب الزجاج في جميع القرآن . وقال أبو بكر بن الأنباري : قال المفسرون معنى كلا حقا ، قال : وقال أبو حاتم السجستاني جاءت كلا في القرآن على وجهين : فهي في موضع بمعنى لا ، وهو رد للأول كما قال العجاج :


                                                          قد طلبت شيبان أن تصاكموا     كلا ولما تصطفق مآتم



                                                          قال : وتجيء كلا بمعنى ألا التي للتنبيه كقوله تعالى : ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه وهي زائدة لو لم تأت كان الكلام تاما مفهوما ، قال : ومنه المثل كلا زعمت العير لا تقاتل ؛ وقال الأعشى :


                                                          كلا زعمتم بأنا لا نقاتلكم     إنا لأمثالكم ، يا قومنا قتل



                                                          قال أبو بكر : وهذا غلط معنى كلا في البيت . وفي المثل : لا ، ليس الأمر على ما تقولون . قال : وسمعت أبا العباس يقول لا يوقف على كلا في جميع القرآن لأنها جواب ، والفائدة تقع فيما بعدها ، قال : واحتج السجستاني في أن كلا بمعنى ألا بقوله جل وعز : كلا إن الإنسان ليطغى فمعناه ألا ؛ قال أبو بكر : ويجوز أن يكون بمعنى حقا إن الإنسان ليطغى ، ويجوز أن يكون ردا كأنه قال : لا ، ليس الأمر كما تظنون . أبو داود عن النضر : قال الخليل قال مقاتل بن سليمان ما كان في القرآن كلا فهو رد إلا موضعين ، فقال الخليل : أنا أقول كله رد . وروى ابن شميل عن الخليل أنه قال : كل شيء في القرآن كلا رد يرد شيئا ويثبت آخر . وقال أبو زيد : سمعت العرب تقول كلاك والله وبلاك والله ، في معنى كلا والله ، وبلى والله . وفي الحديث : تقع فتن كأنها الظلل ، فقال أعرابي : كلا يا رسول الله ؛ قال : كلا ردع في الكلام وتنبيه وزجر ، ومعناها انته لا تفعل ، إلا أنها آكد في النفي والردع من لا لزيادة الكاف ، وقد ترد بمعنى حقا كقوله تعالى : كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية . والظلل : السحاب ، وقد تكرر في الحديث .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية