الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8312 ) فصل : وإن كانت بينهما أرض واحد يمكن قسمتها ، وتتحقق فيها الشروط التي ذكرناها ، أجبر الممتنع على قسمها ، سواء كانت فارغة أو ذات شجر وبناء . فإن كان فيها نخل ، وكرم ، وشجر مختلف ، وبناء ، فطلب أحدهما قسمة كل عين على حدتها ، وطلب الآخر قسمة الجميع بالتعديل بالقيمة ، فقال أبو الخطاب : تقسم كل عين على حدتها ، وكذلك كل مقسوم ، إذا أمكنت التسوية بين الشريكين في جيده ورديئه ، كان أولى .

                                                                                                                                            ونحو هذا قال أصحاب الشافعي ; فإنهم قالوا : إذا أمكنت التسوية بين الشريكين في جيده ورديئه ، بأن يكون الجيد في مقدمها والرديء في مؤخرها ، فإذا قسمناها صار لكل واحد من الجيد والرديء مثل ما للآخر ، وجبت القسمة ، وأجبر الممتنع عليها ، وإن لم تمكن القسمة هكذا ، بأن تكون العمارة أو الشجر والجيد لا تمكن قسمته وحده ، وأمكن التعديل بالقيمة عدلت بالقيمة ، وأجبر الممتنع من القسمة عليها . وقال الشافعي ، في أحد القولين : لا يجبر الممتنع من القسمة عليها .

                                                                                                                                            وقالوا : إذا كانت الأرض ثلاثين جريبا ، قيمة عشرة [ ص: 146 ] أجربة منها كقيمة عشرين ، لم يجبر الممتنع من القسمة عليها ; لتعذر التساوي في الذرع ، ولأنه لو كان حقلان متجاوران لم يجبر الممتنع من القسمة ، إذا لم تمكن إلا بأن يجعل لكل واحد منهما سهما ، كذا هاهنا . ولنا ، أنه مكان واحد ، أمكنت قسمته ، وتعديله ، من غير رد عوض ولا ضرر ، فوجبت قسمته ، كالدور . ولأن ما ذكروه يفضي إلى منع وجوب القسمة في البساتين كلها والدور ; فإنه لا يمكن تساوي الشجر وبناء الدور ومساكنها إلا بالقيمة ، ولأنه مكان لو بيع بعضه وجبت فيه الشفعة لشريك البائع ، فوجبت قسمته ، كما لو أمكنت التسوية بالزرع .

                                                                                                                                            وأما إذا كان بستانان ، لكل واحد منهما طريق ، أو حقلان ، أو داران ، أو دكانان متجاوران أو متباعدان ، فطلب أحد الشريكين قسمته ، بجعل كل واحد بينهما ، لم يجبر الآخر على هذا ، سواء كانا متساويين أو مختلفين . وهذا ظاهر مذهب الشافعي ; لأنهما شيئان متميزان ، لو بيع أحدهما ، لم تجب الشفعة فيه لمالك الآخر ، بخلاف البستان الواحد ، والأرض الواحدة وإن عظمت ، فإنه إذا بيع بعضها ، وجبت الشفعة لمالك البعض الباقي ، والشفعة كالقسمة ; لأن كل واحد منهما يراد لإزالة ضرر الشركة ، ونقصان التصرف ، فما لا تجب قسمته ، لا تجب الشفعة فيه ، فكذلك ما لا شفعة فيه ، لا تجب قسمته ، وعكس هذا ما تجب قسمته ، تجب فيه الشفعة ، وما تجب الشفعة فيه ، تجب قسمته . ولأنه لو بدا الصلاح في بعض البستان ، كان صلاحا لباقيه وإن كان كبيرا . ولم يكن صلاحا لما جاوزه وإن كان صغيرا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية