الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8337 ) فصل : وأكثر أهل العلم يرون ثبوت المال لمدعيه بشاهد ويمين . وروي ذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم وهو قول الفقهاء السبعة ، وعمر بن عبد العزيز ، والحسن ، وشريح ، وإياس ، وعبد الله بن عتبة ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، ويحيى بن يعمر ، وربيعة ، ومالك ، وابن أبي ليلى ، وأبي الزناد ، والشافعي .

                                                                                                                                            وقال الشعبي ، والنخعي ، وأصحاب الرأي ، والأوزاعي : لا يقضى بشاهد ويمين . وقال محمد بن الحسن : من قضى بالشاهد واليمين ، نقضت حكمه ; لأن الله تعالى قال : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } . فمن زاد في ذلك ، فقد زاد في النص ، والزيادة في النص نسخ ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر } . فحصر اليمين في جانب المدعى عليه ، كما حصر البينة في جانب المدعي .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روى سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد الواحد . } رواه سعيد بن منصور في " سننه " ، والأئمة من أهل السنن والمسانيد ، قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، وفي الباب عن علي ، وابن عباس ، وجابر ، ومسروق . وقال النسائي : إسناد حديث ابن عباس في اليمين مع الشاهد إسناد جيد .

                                                                                                                                            ولأن اليمين تشرع في حق من ظهر صدقه ، وقوي جانبه ، ولذلك شرعت في حق صاحب اليد لقوة جنبه بها ، وفي حق المنكر لقوة جنبه ، فإن الأصل براءة ذمته ، والمدعي هاهنا قد ظهر صدقه ، فوجب أن تشرع اليمين في حقه . ولا حجة لهم في الآية ; لأنها دلت على مشروعية الشاهدين ، والشاهد والمرأتين ، ولا نزاع في هذا . وقولهم : إن الزيادة في النص نسخ .

                                                                                                                                            غير صحيح ; لأن النسخ الرفع والإزالة ، والزيادة في الشيء تقرير له ، لا رفع ، والحكم بالشاهد واليمين لا يمنع الحكم بالشاهدين ، ولا يرفعه ; ولأن الزيادة لو كانت متصلة بالمزيد عليه لم ترفعه ، ولم تكن نسخا ، فكذلك إذا انفصلت عنه ، ولأن الآية واردة في التحمل دون الأداء ، ولهذا قال : { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } .

                                                                                                                                            والنزاع في الأداء ، وحديثهم ضعيف ، وليس هو للحصر ; بدليل أن اليمين تشرع في حق المودع إذا ادعى رد الوديعة وتلفها ، وفي حق الأمناء لظهور جنايتهم ، وفي حق الملاعن ، وفي القسامة ، وتشرع في حق البائع والمشتري إذا اختلفا في الثمن والسلعة قائمة . وقول محمد [ ص: 159 ] في نقض قضاء من قضى بالشاهد واليمين ، يتضمن القول بنقض قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الذين قضوا به ، وقد قال الله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } . والقضاء بما قضى به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أولى من قضاء محمد بن الحسن المخالف له . :

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية