الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 38 ] بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة يوسف عليه السلام

هذه السورة مكية، ويروى أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف فنزلت السورة بسبب ذلك، ويروى أن اليهود أمروا كفار مكة أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السبب الذي أحل بني إسرائيل بمصر فنزلت السورة، وقيل: سبب نزولها تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يفعله به قومه بما فعل إخوة يوسف بيوسف، وسورة يوسف لم يتكرر من معناها في القرآن شيء كما تكررت قصص الأنبياء، ففيها حجة على من اعترض بأن الفصاحة تمكنت بترداد القول، وفي تلك القصص حجة على من قال في هذه: لو كررت لفترت فصاحتها.

قوله عز وجل:

الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين

تقدم القول في فواتح السور، و"الكتاب": القرآن، ووصفه بـ "المبين" قيل: من جهة أحكامه وحلاله وحرامه، وقيل: من جهة مواعظه وهداه ونوره، وقيل: من جهة بيان اللسان العربي وجودته إذ فيه ستة أحرف لم تجتمع في لسان، -روي هذا القول عن معاذ بن جبل- ويحتمل أن يكون مبينا لنبوة محمد بإعجازه والصواب أنه مبين بجميع هذه الوجوه، والضمير في قوله: "أنزلناه" للكتاب، والإنزال إما بمعنى [ ص: 39 ] الإثبات، وإما أن تتصف به التلاوة والعبارة، وقال الزجاج : الضمير في "أنزلناه" يراد به خبر يوسف .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وهذا ضعيف.

وقوله: "لعلكم" يحتمل أن تتعلق بـ "أنزلناه"، أي: أنزلناه لعلكم، ويحتمل أن تتعلق بقوله: "عربيا"، أي: جعلناه عربيا لعلكم تعقلون إذ هو لسانكم، و"قرآنا" حال، و"عربيا" صفة له، وقيل: إن "قرآنا" بدل من الضمير، وهذا فيه نظر، وقيل: "قرآنا" توطئة للحال، و"عربيا" حال، وهذا كما تقول: "مررت بزيد رجلا صالحا".

وقوله تعالى: "نحن نقص عليك" الآية. روى ابن مسعود أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا: لو قصصت علينا يا رسول الله، فنزلت هذه الآية، ثم ملوا ملة أخرى فقالوا: لو حدثتنا يا رسول الله، فنزلت: الله نزل أحسن الحديث كتابا ، [ ص: 40 ] و"القصص": الإخبار بما جرى من الأمور، كأن الأنباء تتبع بالقول كما يقتص الأثر، وقوله: بما أوحينا إليك أي: بوحينا، و"القرآن" نعت لـ "هذا"، ويجوز فيه البدل، وعطف البيان فيه ضعيف. و"إن" هي المخففة من الثقيلة، واللام في خبرها لام التأكيد، هذا مذهب البصريين، ومذهب أهل الكوفة أن "إن" بمعنى "لها"، و(اللام) بمعنى (إلا)، والضمير في "قبله" للقصص العام لما في جميع القرآن منه، و من الغافلين أي عن معرفة هذا القصص. ومن قال: إن الضمير في "قبله" عائد على "القرآن" جعل لمن الغافلين في معنى قوله تعالى: ووجدك ضالا فهدى ، أي: على طريق غير هذا الدين الذي بعثت به، ولم يكن عليه السلام في ضلال الكفار ولا في غفلتهم، لأنه لم يشرك قط، وإنما كان مستهديا ربه عز وجل موحدا، والسائل عن الطريق المتحير يقع عليه -في اللغة- اسم ضال.

التالي السابق


الخدمات العلمية