الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8373 ) مسألة ; قال : ( وتجوز شهادة الكفار من أهل الكتاب ، في الوصية في السفر ، إذا لم يكن غيرهم ) وجملته ، أنه إذا شهد بوصية المسافر الذي مات في سفره شاهدان من أهل الذمة ، قبلت شهادتهما ، إذا لم يوجد غيرهما ، ويستحلفان بعد العصر ما خانا ولا كتما ، ولا اشتريا به ثمنا قليلا { ولو كان ذا قربى ، ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين } . قال ابن المنذر وبهذا قال أكابر الماضين . يعني الآية التي في سورة المائدة .

                                                                                                                                            وممن قاله شريح ، والنخعي ، والأوزاعي ، ويحيى بن حمزة . وقضى بذلك ابن مسعود ، وأبو موسى رضي الله عنهما . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي : لا تقبل ; لأن من لا تقبل شهادته على غير الوصية ، لا تقبل في الوصية ; كالفاسق ولأن الفاسق لا تقبل شهادته ، فالكافر أولى . واختلفوا في تأويل الآية ; فمنهم من حملها على التحمل دون الأداء ، ومنهم من قال : المراد بقوله { من غيركم } . أي من غير عشيرتكم . ومنهم من قال : الشهادة في الآية اليمين .

                                                                                                                                            ولنا ، قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت } . وهذا نص الكتاب ، وقد قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فروى { ابن عباس ، قال : خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري ، وعدي بن زيد ، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم ، فلما قدما بتركته فقدوا جام فضة مخوصا بالذهب ، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وجدوا الجام بمكة ، فقالوا : اشتريناه من تميم وعدي ، فقام رجلان من أولياء السهمي ، فحلفا بالله : لشهادتنا أحق من شهادتهما ، وإن الجام لصاحبهم . فنزلت فيهم : { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم } }

                                                                                                                                            وعن الشعبي { أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء ، ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته ، فأشهد رجلين من أهل الكتاب ، فقدما الكوفة ، فأتيا الأشعري ، فأخبراه ، وقدما بتركته ووصيته ، فقال الأشعري : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحلفهما بعد العصر ما خانا ، ولا كذبا ، ولا بدلا ، ولا كتما ، ولا غيرا ، وأنها لوصية الرجل ، وتركته ، فأمضى شهادتهما } . رواهما أبو داود ، في " سننه " . وروى الخلال حديث أبي موسى بإسناده . وحمل الآية على أنه أراد من غير عشيرتكم ، لا يصح ; لأن الآية [ ص: 181 ] نزلت في قضية عدي ، وتميم ، بلا خلاف بين المفسرين ، وقد فسرها بما قلنا سعيد بن المسيب ، والحسن ، وابن سيرين ، وعبيدة ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، وسليمان التيمي ، وغيرهم ، ودلت عليه الأحاديث التي رويناها . ولأنه لو صح ما ذكروه ، لم تجب الأيمان ; لأن الشاهدين من المسلمين لا قسامة عليهم .

                                                                                                                                            وحملها على التحمل لا يصح ; لأنه أمر بإحلافهم ، ولا أيمان في التحمل . وحملها على اليمين لا يصح ; لقوله : { فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله } . ولأنه عطفها على ذوي العدل من المؤمنين ، وهما شاهدان .

                                                                                                                                            وروى أبو عبيد ، في " الناسخ والمنسوخ " أن ابن مسعود قضى بذلك في زمن عثمان . قال أحمد : أهل المدينة ليس عندهم حديث أبي موسى ، من أين يعرفونه ؟ فقد ثبت هذا الحكم بكتاب الله ، وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الصحابة به ، وعملهم بما ثبت في الكتاب والسنة ، فتعين المصير إليه ، والعمل به ، سواء وافق القياس أو خالفه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية