الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8391 ) مسألة ; قال : وتجوز شهادة العبد في كل شيء ، إلا في الحدود ، وتجوز شهادة الأمة فيما تجوز فيه شهادة النساء الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة ; ( 8392 ) الفصل الأول : في قبول شهادة العبد فيما عدا الحدود والقصاص ، فالمذهب أنها مقبولة . [ ص: 189 ] روي ذلك عن علي ، وأنس رضي الله عنهما . قال أنس : ما علمت أن أحدا رد شهادة العبد .

                                                                                                                                            وبه قال عروة ، وشريح ، وإياس ، وابن سيرين ، والبتي ، أبو ثور ، وداود ، وابن المنذر . وقال عطاء ، ومجاهد ، والحسن ، ومالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو عبيد : لا تقبل شهادته ; لأنه غير ذي مروءة ، ولأنها مبنية على الكمال لا تتبعض ، فلم يدخل فيها العبد ، كالميراث . وقال الشعبي ، والنخعي ، والحكم : تقبل في الشيء اليسير . ولنا ، عموم آيات الشهادة ، وهو داخل فيها ، فإنه من رجالنا ، وهو عدل تقبل روايته وفتياه وأخباره الدينية .

                                                                                                                                            وروى عقبة بن الحارث ، قال : { تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب ، فجاءت أمة سوداء ، فقالت : قد أرضعتكما . فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كيف ، وقد زعمت ذلك ؟ } . متفق عليه . وفي رواية أبي داود ، { فقلت : يا رسول الله ، إنها لكاذبة . قال : وما يدريك ، وقد قالت ما قالت ، دعها عنك } . ولأنه عدل غير متهم ، فتقبل شهادته ، كالحر ولا نسلم أنه غير ذي مروءة ، فإنه كالحر ينقسم إلى من له مروءة ، ومن لا مروءة له ، وقد يكون منهم الأمراء والعلماء والصالحون والأتقياء .

                                                                                                                                            سئل إياس بن معاوية ، عن شهادة العبيد ، فقال : أنا أرد شهادة عبد العزيز بن صهيب وكان منهم زياد بن أبي زياد مولى ابن عباس ، من العلماء الزهاد ، وكان عمر بن عبد العزيز يرفع قدره ، ويكرمه . ومنهم عكرمة مولى ابن عباس ، أحد العلماء الثقات . وكثير من العلماء الموالي كانوا عبيدا ، أو أبناء عبيد ، لم يحدث فيهم بالإعتاق إلا الحرية ، والحرية لا تغير طبعا ، ولا تحدث علما ، ولا مروءة ، ولا يقبل منهم إلا من كان ذا مروءة . ولا يصح قياس الشهادة على الميراث ، فإن الميراث خلافة للموروث في ماله وحقوقه ، والعبد لا يمكنه الخلافة ; لأن ما يصير إليه يملكه سيده ، فلا يمكن أن يخلف فيه ، ولأن الميراث يقتضي التمليك ، والعبد لا يملك ، ومبنى الشهادة على العدالة التي هي مظنة الصدق ، وحصول الثقة من القول ، والعبد أهل لذلك ، فوجب أن تقبل شهادته .

                                                                                                                                            ( 8393 ) الفصل الثاني : أن شهادته لا تقبل في الحد ، وفي القصاص احتمالان ; أحدهما ، تقبل شهادته فيه ; لأنه حق آدمي ، لا يصح الرجوع عن الإقرار به ، فأشبه الأموال . والثاني ، لا تقبل ; لأنه عقوبة بدنية تدرأ بالشبهات ، فأشبه الحد ، وذكر الشريف ، وأبو الخطاب ، في العقوبات كلها من الحدود والقصاص روايتين ; إحداهما ، تقبل ; لما ذكرنا ، ولأنه رجل عدل ، فتقبل شهادته فيها ، كالحر . والثانية ، لا تقبل . وهو ظاهر المذهب ; لأن الاختلاف في قبول شهادته في الأموال نقص وشبهة ، فلم تقبل شهادته فيما يدرأ بالشبهات ; ولأنه ناقص الحال ، فلم تقبل شهادته في الحد والقصاص ، كالمرأة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية