الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8409 ) الفصل الثاني : أنها تقبل في الأموال ، وما يقصد به المال ، بإجماع ، كما ذكر أبو عبيد ، ولا [ ص: 197 ] تقبل في حد . وهذا قول النخعي ، والشعبي ، وأبي حنيفة ، وأصحابه . وقال مالك ، والشافعي في قول ، وأبو ثور : تقبل في الحدود ، وكل حق ; لأن ذلك يثبت بشهادة الأصل ، فيثبت بالشهادة على الشهادة ، كالمال .

                                                                                                                                            ولنا ، أن الحدود مبنية على الستر ، والدرء بالشبهات ، والإسقاط بالرجوع عن الإقرار ، والشهادة على الشهادة فيها شبهة ; فإنها يتطرق إليها احتمال الغلط والسهو والكذب في شهود الفرع ، مع احتمال ذلك في شهود الأصل ، وهذا احتمال زائد ، لا يوجد في شهادة الأصل ، وهو معتبر ، بدليل أنها لا تقبل مع القدرة على شهود الأصل ، فوجب أن لا تقبل فيما يندرئ بالشبهات ، ولأنها إنما تقبل للحاجة ، ولا حاجة إليها في الحد ; لأن ستر صاحبه أولى من الشهادة عليه ، ولأنه لا نص فيها ، ولا يصح قياسها على الأموال ; لما بينهما من الفرق في الحاجة والتساهل فيها ، ولا يصح قياسها على شهادة الأصل ; لما ذكرنا من الفرق ، فبطل إثباتها .

                                                                                                                                            وظاهر كلام أحمد ، أنها لا تقبل في القصاص أيضا ، ولا حد القذف ; لأنه قال : إنما تجوز في الحقوق ، أما الدماء والحد فلا . وهذا قول أبي حنيفة . وقال مالك ، والشافعي ، وأبو ثور : تقبل . وهو ظاهر كلام الخرقي ; لقوله : في كل شيء إلا في الحدود . لأنه حق آدمي ، لا يسقط بالرجوع عن الإقرار به ، ولا يستحب ستره ، فأشبه الأموال . وذكر أصحابنا هذا رواية عن أحمد ; لأن ابن منصور نقل أن سفيان قال : شهادة رجل مكان رجل في الطلاق جائزة . قال أحمد : ما أحسن ما قال .

                                                                                                                                            فجعله أصحابنا رواية في القصاص . وليس هذا برواية ; فإن الطلاق لا يشبه القصاص . والمذهب أنها لا تقبل فيه ; لأنه عقوبة بدنية ، تدرأ بالشبهات ، وتبنى على الإسقاط ، فأشبهت الحدود ، فأما ما عدا الحدود والقصاص والأموال ، كالنكاح والطلاق ، وسائر ما لا يثبت إلا بشاهدين ، فنص أحمد على قبولها في الطلاق والحقوق ، فيدل على قبولها في جميع هذه الحقوق . وهو قول الخرقي . وقال ابن حامد : لا تقبل في النكاح . ونحوه قول أبي بكر . فعلى قولهما ، لا تقبل إلا في المال ، وما يقصد به المال .

                                                                                                                                            وهو قول أبي عبيد ; لأنه حق لا يثبت إلا بشاهدين ، فأشبه حد القذف . ووجه الأول ، أنه حق لا يدرأ بالشبهات ، فيثبت بالشهادة على الشهادة ، كالمال ، وبهذا فارق الحدود .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية