الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كوف

                                                          كوف : كوف الأديم : قطعه ; عن اللحياني ، ككيفه ، وكوف الشيء نحاه ، وكوفه : جمعه . والتكوف : التجمع . والكوفة : الرملة المجتمعة ، وقيل : الكوفة الرملة ما كانت ، وقيل : الكوفة الرملة الحمراء ، وبها سميت الكوفة . الأزهري : الليث كوفان اسم أرض ، وبها سميت الكوفة . ابن سيده : الكوفة بلد سميت بذلك لأن سعدا لما أراد أن يبني الكوفة ارتادها لهم وقال : تكوفوا في هذا المكان أي اجتمعوا فيه ، وقال المفضل : إنما قال كوفوا هذا الرمل أي نحوه وانزلوا ، ومنه سميت الكوفة . وكوفان : اسم الكوفة ; عن اللحياني ، قال : وبها كانت تدعى قبل ، قال الكسائي : كانت الكوفة تدعى كوفان . وكوف القوم : أتوا الكوفة ; قال :


                                                          إذا ما رأت يوما من الناس راكبا يبصر من جيرانها

                                                          ، ويكوف وكوفت تكويفا أي صرت إلى الكوفة عن يعقوب . وتكوف الرجل أي تشبه بأهل الكوفة أو انتسب إليهم . وتكوف الرمل والقوم أي استداروا . والكوفان والكوفان : الشر الشديد . وترك القوم كوفان أي في أمر مستدير . وإن بني فلان من بني فلان لفي كوفان وكوفان أي في أمر شديد ، ويقال في عناء ومشقة ودوران ; وأنشد ابن بري :


                                                          فما أضحى وما أمسيت إلا     وإني منكم في كوفان

                                                          وإنه لفي كوفان من ذلك أي حرز ومنعة . الكسائي : والناس في كوفان من أمرهم ، وفي كوفان وكوفان أي في اختلاط . والكوفان : الدغل بين القصب والخشب . والكاف : حرف يذكر ويؤنث ، قال : وكذلك سائر حروف الهجاء ; قال الراعي :


                                                          أشاقتك أطلال تعفت رسومها     كما بينت كاف تلوح وميمها ؟

                                                          والكاف ألفها واو ; قال ابن سيده : وهي من الحروف حرف مهموس يكون أصلا وبدلا وزائدا ويكون اسما ، فإذا كانت اسما ابتدئ بها فقيل كزيد جاءني ، يريد مثل زيد جاءني ، وكبكر غلام لزيد ، يريد [ ص: 134 ] مثل بكر غلام لزيد ، فإن أدخلت إن على هذا قلت إن كبكر غلام لمحمد ، فرفعت الغلام لأنه خبر إن ، والكاف في موضع نصب لأنها اسم إن ، وتقول إذا جعلت الكاف خبرا مقدما إن كبكر أخاك تريد إن أخاك كبكر كما تقول إن من الكرام زيدا ، وإذا كانت حرفا لم تقع إلا متوسطة ، فتقول مررت بالذي كزيد ، فالكاف هنا حرف لا محالة ، واعلم أن هذه الكاف التي هي حرف جر كما كانت غير زائدة فيما قدمنا ذكرها ، فقد تكون زائدة مؤكدة بمنزلة الباء في خبر ليس وفي خبر ما ومن وغيرها من الحروف الجارة ، وذلك نحو قوله عز وجل : ليس كمثله شيء ; تقديره ، والله أعلم : ليس مثله شيء ، ولا بد من اعتقاد زيادة الكاف ليصح المعنى لأنك إن لم تعتقد ذلك أثبت له عز اسمه مثلا ، وزعمت أنه ليس كالذي هو مثله شيء ، فيفسد هذا من وجهين : أحدهما ما فيه من إثبات المثل لمن لا مثل له - عز وعلا علوا كبيرا - والآخر أن الشيء إذا أثبت له مثلا فهو مثل مثله لأن الشيء إذا ماثله شيء فهو أيضا مماثل لما ماثله . ولو كان ذلك كذلك على فساد اعتقاد معتقده لما جاز أن يقال ليس كمثله شيء ، لأنه تعالى مثل مثله ، وهو شيء لأنه - تبارك اسمه - قد سمى نفسه شيئا بقوله : قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم ، وذلك أن أيا إذا كانت استفهاما لا يجوز أن يكون جوابها إلا من جنس ما أضيفت إليه ، ألا ترى أنك لو قال لك قائل أي الطعام أحب إليك لم يجز أن تقول له الركوب ولا المشي ولا غيره مما ليس من جنس الطعام ، فهذا كله يؤكد عندك أن الكاف في كمثله لا بد أن تكون زائدة ; ومثله قول رؤبة :


                                                          لواحق الأقراب فيها كالمقق

                                                          والمقق : الطول ، ولا يقال في هذا الشيء كالطول ، إنما يقال في هذا الشيء طول ، فكأنه قال فيها مقق أي طول ، وقد تكون الكاف زائدة في نحو ذلك وذاك وتيك وتلك وأولئك ، ومن العرب من يقول ليسك زيدا أي ليس زيدا ، والكاف لتوكيد الخطاب ، ومن كلام العرب إذا قيل لأحدهم كيف أصبحت أن يقول كخير ، والمعنى على خير ، قال الأخفش : فالكاف في معنى على ; قال ابن جني : وقد يجوز أن تكون في معنى الباء أي بخير ، قال الأخفش ونحو منه قولهم : كن كما أنت . الجوهري : الكاف حرف جر ، وهي للتشبيه ; قال : وقد تقع موقع اسم فيدخل عليها حرف الجر ، كما قال امرؤ القيس يصف فرسا :


                                                          ورحنا بكابن الماء يجنب وسطنا     تصوب فيه العين طورا وترتقي

                                                          قال : وقد تكون ضميرا للمخاطب المجرور والمنصوب كقولك غلامك وضربك ، وتكون للخطاب ولا موضع لها من الإعراب كقولك ذلك وتلك وأولئك ورويدك ، لأنها ليست باسم هاهنا وإنما هي للخطاب فقط ، تفتح للمذكر وتكسر للمؤنث . وكوف الكاف : عملها . وكوفت كافا حسنا أي كتبت كافا . ويقال : ليست عليه توفة ولا كوفة ، وهو مثل المزرية . وقد تاف وكاف . والكويفة : موضع يقال له كويفة عمرو ، وهو عمرو بن قيس من الأزد كان أبرويز لما انهزم من بهرام جور نزل به فقراه وحمله ، فلما رجع إلى ملكه أقطعه ذلك الموضع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية