الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كيل

                                                          كيل : الكيل : المكيال . غيره : الكيل كيل البر ونحوه ، وهو مصدر كال الطعام ونحوه يكيل كيلا ومكالا ومكيلا أيضا ، وهو شاذ لأن المصدر من فعل يفعل مفعل ، بكسر العين ; يقال : ما في برك مكال ، وقد قيل مكيل عن الأخفش ; قال ابن بري : هكذا قال الجوهري ، وصوابه مفعل بفتح العين . وكيل الطعام ، على ما لم يسم فاعله ، وإن شئت ضممت الكاف ، والطعام مكيل ومكيول مثل مخيط ومخيوط ، ومنهم من يقول : كول الطعام وبوع واصطود الصيد واستوق ماله ، بقلب الياء واوا حين ضم ما قبلها لأن الياء الساكنة لا تكون بعد حرف مضموم . واكتاله وكاله طعاما وكاله له ; قال سيبويه : اكتل يكون على الاتحاد وعلى المطاوعة . وقوله تعالى : الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ; أي اكتالوا منهم لأنفسهم ; قال ثعلب : معناه من الناس ، والاسم الكيلة ، بالكسر ، مثل الجلسة والركبة . واكتلت من فلان واكتلت عليه وكلت فلانا طعاما أي كلت له ; قال الله تعالى : وإذا كالوهم أو وزنوهم ; أي كالوا لهم . وفي المثل : أحشفا وسوء كيلة ؟ أي أتجمع علي أن يكون المكيل حشفا وأن يكون الكيل مطففا ; وقال اللحياني : حشف وسوء كيلة وكيل ومكيلة . وبر مكيل ، ويجوز في القياس مكيول ، ولغة بني أسد مكول ، ولغة رديئة مكال ; قال الأزهري : أما مكال فمن لغات الحضريين ، قال : وما أراها عربية محضة ، وأما مكول فهي لغة رديئة ، واللغة الفصيحة مكيل ثم يليها في الجودة مكيول . الليث : المكيال ما يكال به ، حديدا كان أو خشبا . واكتلت عليه : أخذت منه . يقال : كال المعطي واكتال الآخذ . والكيل والمكيل والمكيال والمكيلة : ما كيل به ; الأخيرة نادرة . ورجل كيال : من الكيل ; حكاه سيبويه في الإمالة ، فإما أن يكون على التكثير لأن فعله معروف ، وإما يفر إلى النسب إذا عدم الفعل ; وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          حين تكال النيب في القفيز

                                                          فسره فقال : أراد حين تغزر فيكال لبنها كيلا فهذه الناقة أغزرهن . وكال الدراهم والدنانير : وزنها ; عن ابن الأعرابي خاصة ; وأنشد لشاعر جعل الكيل وزنا :


                                                          قارورة ذات مسك عند ذي     لطف من الدنانير ، كالوها بمثقال

                                                          [ ص: 144 ] فإما أن يكون هذا وضعا ، وإما أن يكون على النسب لأن الكيل والوزن سواء في معرفة المقادير . ويقال : كل هذه الدراهم ، يريدون زن . وقال مرة : كل ما وزن فقد كيل . وهما يتكايلان أي يتعارضان بالشتم أو الوتر ; قالت امرأة من طيء

                                                          [ هي بنت بهدل بن قرفة الطائي ] :


                                                          فيقتل جبرا بامرئ لم يكن له     بواء ، ولكن لا تكايل بالدم

                                                          قال أبو رياش : معناه لا يجوز لك أن تقتل إلا ثأرك ولا تعتبر فيه المساواة في الفضل إذا لم يكن غيره . وكايل الرجل صاحبه : قال له مثل ما يقول أو فعل كفعله . وكايلته وتكايلنا إذا كال لك وكلت له فهو مكائل ، بالهمز . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : أنه نهى عن المكايلة وهي المقايسة بالقول والفعل ، والمراد المكافأة بالسوء وترك الإغضاء والاحتمال أي تقول له وتفعل معه مثل ما يقول لك ويفعل معك ، وهي مفاعلة من الكيل ، وقيل : أراد بها المقايسة في الدين وترك العمل بالأثر . وكال الزند يكيل كيلا : مثل كبا ولم يخرج نارا فشبه مؤخر الصفوف في الحرب به لأنه لا يقاتل من كان فيه . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : المكيال مكيال أهل المدينة ، والميزان ميزان أهل مكة ، قال أبو عبيدة : يقال إن هذا الحديث أصل لكل شيء من الكيل والوزن ، وإنما يأتم الناس فيهما بأهل مكة وأهل المدينة ، وإن تغير ذلك في سائر الأمصار ، ألا ترى أن أصل التمر بالمدينة كيل وهو يوزن في كثير من الأمصار ، وأن السمن عندهم وزن وهو كيل في كثير من الأمصار ؟ والذي يعرف به أصل الكيل والوزن أن كل ما لزمه اسم المختوم والقفيز والمكوك والمد والصاع فهو كيل ، وكل ما لزمه اسم الأرطال والأواقي والأمناء فهو وزن ; قال أبو منصور : والتمر أصله الكيل فلا يجوز أن يباع منه رطل برطل ولا وزن بوزن ، لأنه إذا رد بعد الوزن إلى الكيل تفاضل ، إنما يباع كيلا بكيل سواء بسواء ، وكذلك ما كان أصله موزونا فإنه لا يجوز أن يباع منه كيل بكيل ، لأنه إذا رد إلى الوزن لم يؤمن فيه التفاضل ، قال : وإنما احتيج إلى هذا الحديث لهذا المعنى ، ولا يتهافت الناس في الربا الذي نهى الله عز وجل عنه ، وكل ما كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ب مكة و المدينة مكيلا فلا يباع إلا بالكيل ، وكل ما كان بها موزونا فلا يباع إلا بالوزن لئلا يدخله الربا بالتفاضل ، وهذا في كل نوع تتعلق به أحكام الشرع من حقوق الله تعالى دون ما يتعامل به الناس في بياعاتهم ، فأما المكيال فهو الصاع الذي يتعلق به وجوب الزكاة والكفارات والنفقات وغير ذلك ، وهو مقدر بكيل أهل المدينة دون غيرها من البلدان لهذا الحديث ، وهو مفعال من الكيل ، والميم فيه للآلة ; وأما الوزن فيريد به الذهب والفضة خاصة لأن حق الزكاة يتعلق بهما ، ودرهم أهل مكة ستة دوانيق ، ودراهم الإسلام المعدلة كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، وكان أهل المدينة يتعاملون بالدراهم عند مقدم سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعدد فأرشدهم إلى وزن مكة ، وأما الدنانير فكانت تحمل إلى العرب من الروم إلى أن ضرب عبد الملك بن مروان الدينار في أيامه ، وأما الأرطال والأمناء فللناس فيها عادات مختلفة في البلدان وهم معاملون بها ومجرون عليها . والكيول : آخر الصفوف في الحرب ، وقيل الكيول مؤخر الصفوف ; وفي الحديث : أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقاتل العدو فسأله سيفا يقاتل به فقال له : فلعلك إن أعطيتك أن تقوم في الكيول ، فقال : لا ، فأعطاه سيفا فجعل يقاتل وهو يقول :


                                                          إني امرؤ عاهدني خليلي     أن لا أقوم الدهر في الكيول
                                                          أضرب بسيف الله والرسول     ضرب غلام ماجد بهلول
                                                          فلم يزل يقاتل حتى قتل

                                                          . الأزهري : أبو عبيد الكيول هو مؤخر الصفوف ، قال : ولم أسمع هذا الحرف إلا في هذا الحديث ، وسكن الباء في أضرب لكثرة الحركات . وتكلى الرجل أي قام في الكيول ، والأصل تكيل وهو مقلوب منه ; قال ابن بري : الرجز لأبي دجانة سماك بن خرشة ; قال ابن الأثير : الكيول ، فيعول ، من كال الزند إذا كبا ولم يخرج نارا ، فشبه مؤخر الصفوف به لأن من كان فيه لا يقاتل ، وقيل : الكيول الجبان ; والكيول : وما أشرف من الأرض ، يريد تقوم فوقه فتنظر ما يصنع غيرك . أبو منصور : الكيول في كلام العرب ما خرج من حر الزند مسودا لا نار فيه . الليث : الفرس يكايل الفرس في الجري إذا عارضه وباراه كأنه يكيل له من جريه مثل ما يكيل له الآخر . ابن الأعرابي : المكايلة أن يتشاتم الرجلان فيربي أحدهما على الآخر ، والمواكلة أن يهدي المدان للمدين ليؤخر قضاءه . ويقال : كلت فلانا بفلان أي قسته به ، وإذا أردت علم رجل فكله بغيره ، وكل الفرس بغيره أي قسه به في الجري ، قال الأخطل :


                                                          قد كلتموني بالسوابق كلها     فبرزت منها ثانيا من عنانيا

                                                          أي سبقتها وبعض عناني مكفوف . والكيال : المجاراة ; قال :


                                                          أقدر لنفسك أمرها     إن كان من أمر كياله

                                                          وذكر أبو الحسن بن سيده في أثناء خطبة كتابه المحكم مما قصد به الوضع من ابن السكيت فقال : وأي موقفة أخزى لواقفها من مقامة أبي يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت مع أبي عثمان المازني بين يدي المتوكل جعفر ؟ وذلك أن المتوكل قال : يا مازني سل يعقوب عن مسألة من النحو ، فتلكأ المازني علما بتأخر يعقوب في صناعة الإعراب ، فعزم المتوكل عليه وقال : لا بد لك من سؤاله ، فأقبل المازني يجهد نفسه في التلخيص وتنكب السؤال الحوشي العويص ، ثم قال : يا أبا يوسف ما وزن نكتل من قوله عز وجل : فأرسل معنا أخانا نكتل ; فقال له : نفعل ; قال : وكان هناك قوم قد علموا هذا المقدار ، ولم يؤتوا من حظ يعقوب في اللغة المعشار ، ففاضوا ضحكا ، وأداروا من اللهو فلكا ، وارتفع المتوكل وخرج السكيتي والمازني ، فقال ابن السكيت : يا أبا عثمان أسأت عشرتي وأذويت بشرتي ، فقال له المازني : والله ما سألتك عن هذا حتى بحثت فلم أجد أدنى منه محاولا ، ولا أقرب منه متناولا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية