الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 79 ] حرف الباء - المفردة

( بطائنها ) ، أي ظواهرها بالقبطية، قاله الزركشي وابن شيذلة.

( بلاء ) على ثلاثة معان: نعمة، واختبار، ومكروه، ومنه: ابتلى ونبلوكم.

( بارئكم ) خالقكم. وإنما خص هنا اسم البارئ لأن فيه توبيخا للذين عبدوا العجل، كأنه يقول: كيف عبدتم غير الذي برأكم. وروي أن من لم يعبد العجل قتل من عبده حتى بلغ القتل سبعين ألفا، فعفا الله عنهم.

( ( باءوا ) ) انصرفوا بذلك. ولا يقال " باء " إلا بشر. ويقال باء بكذا إذا أقر به. والضمير في هذه الآية راجع إلى بني إسرائيل، فتارة دعاهم بالملاطفة. وذكر الإنعام عليهم وعلى آبائهم، وتارة بالتخفيف، وتارة بإقامة الحجة وتوبيخهم على سوء أعمالهم، وذكر العقوبات التي عاقبهم بها.

فذكر من النعم عليهم عشرة أشياء، وهي: إذ أنجاكم من آل فرعون وإذ فرقنا بكم البحر بعثناكم من بعد موتكم ، وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى عفونا عنكم فتاب عليكم ويغفر لكم آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا .

وذكر من سوء أفعالهم عشرة أشياء، قولهم: سمعنا وعصينا ثم اتخذتم العجل . وقولهم: أرنا الله جهرة ، فبدل الذين ظلموا ، لن نصبر على طعام واحد يحرفونه ، " توليتم من بعد ذلك " [ ص: 80 ] قست قلوبكم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق .

وذكر من عقوبتهم عشرة أشياء: وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله يعطوا الجزية ، فاقتلوا أنفسكم ، كونوا قردة فأرسلنا عليهم رجزا من السماء " ( وأخذتهم الصاعقة ) " حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم .

وهذا كله جزاء لآبائهم المتقدمين. وخوطب به المعاصرون لمولانا محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقد وبخ المعاصرون له توبيخا آخر، وهي عشرة: كتمانهم أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - مع معرفتهم به و يحرفون الكلم ، ويقولون هذا من عند الله،

( وتقتلون أنفسكم ) و ( تخرجون فريقا من ديارهم ) . وحرصهم على الحياة وعداوتهم لجبريل. وإثباتهم للسحر. وقولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه ، يد الله مغلولة

( بديع ) : مخترع، وخالق.

( ( بث فيها ) ) : أي فرق.

( باغ ) : طالب. وقوله: غير باغ ولا عاد ، أي لا يبغي الميتة، أي لا يطلبها وهو يجد غيرها، ولا عاد في تجاوزه على الشبع، ولهذا لم يجز الشافعي الشبع من الميتة. وقال مالك: بل يشبع ويتزود، فإن استغنى عنها طرحها، ولم يرخص - في رواية عنه - للعاصي بسفره أن يأكل الميتة. والمشهور عنه الترخيص له.

( باشروهن ) : المشهور أنه كناية عن الجماع، سمي بذلك لمس البشرة البشرة، والبشرة: ظاهر الجلدة. والأدمة: باطنها، وفيها تحريم للمباشرة حين الاعتكاف.

( بسطة ) : أي سعة، من قولك: بسطت الشيء إذا كان مجموعا ففتحته [ ص: 81 ] ووسعته، ووصف في آية البقرة، طالوت بزيادته على قومه زيادة علمه بالحروب وقيل بالعلم، وكان أطول رجل يصل إلى منكبيه.

قال وهب بن منبه: أوحى الله إلى نبيهم إذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن فهو ملكهم. وقال السدي: أرسل الله إلى نبيهم شمويل وقيل شمعون، وقال له: إذا دخل عليك رجل على طول هذه العصا فهو ملكهم، فكان ذلك طالوت.

وقوله في الأعراف: وزادكم في الخلق بسطة ، فمعناه طول قوم عاد كما قدمنا أن طول أحدهم مائة ذراع. وكان الظبي يبيض ويفرخ في عين أحدهم.

( ( بكة ) ) هي مكة، والباء بدل من الميم. وقيل: مكة الحرم كله، وبكة المسجد وما حوله، وسميت بذلك لاجتماع الناس فيها من كل أفق.

وقيل: تمككت العظم: أي اجتذبت ما فيه من المخ. وتمكك الفصيل ما في ضرع الناقة، فكأنها تجذب لنفسها ما في البلاد من الأقوات ببركة دعاء إبراهيم. وقيل: إنها تمك الذنوب أي تذهبها. وقيل لقلة مائها، لأنها في بطن واد، تمكك الماء من جبالها عند نزول المطر، وتنجذب إليها السيول. وقيل الأصل الباء، ومأخذه من البك، لأنها تبك أعناق الجبابرة، أي تكسرهم فيذلون لها ويخضعون حفاة عراة. وقيل من التباك وهو الازدحام، لازدحام الناس فيها في الطواف.

( بينات ) يعني أن في مكة آيات كثيرة، منها الحجر الذي هو مقام إبراهيم وهو الذي قام عليه حين رفع القواعد من البيت، فكان كلما طال البناء ارتفع الحجر في الهواء حتى أكمل البناء وغرقت قدم إبراهيم في الحجر كأنها في طين، وذلك الأثر باق في الحجر إلى اليوم.

ومنها أن الطير لا تعلوه. ومنها هلاك الفيل ورد الجبابرة عنه، ونبع زمزم [ ص: 82 ] لهاجر أم إسماعيل بهمز جبريل بعقبه. وحفر عبد المطلب لها بعد دثور مائها. وأن ماءها ينفع لما شرب له، إلى غير ذلك.

وكان أول من بنى المسجد الحرام آدم عليه السلام، فجعل طوله خمسة وعشرين ذراعا وعرضه عشرين، وحج إليه من الهند على قدميه سبعين حجة.

وقيل إنه دفن فيه. ورد بأن طوله ستون ذراعا. فقيل: ما فضل منه فهو خارج عن البيت. وقيل: إنه دور بالبيت. وهذا فيه ضعف، ثم بناه إبراهيم عليه السلام ثم العمالقة من بعده، ثم قريش حين كان - صلى الله عليه وسلم - ينقل الحجر على عاتقه: وهو الذي وضع الحجر الأسود بتحكيم قريش عنده، ثم بناه الحجاج بعد أن هدم بعضه عبد الله بن الزبير.

( بيت ) ، أي قدم رأيه بالليل، ومنه قوله: فجاءها بأسنا بياتا ، وكذلك بيتهم العدو.

( بهيمة ) : كل ما كان من الحيوان غير ما يعقل. ويقال: البهيمة ما استبهم من الجواب، أي استغلق.

( بحيرة ) : إذا نتجت الناقة خمسة أبطن فإن كان الخامس ذكرا نحروه. فأكله الرجال والنساء، وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها، أي شقوها. وكانت حراما على النساء لحمها ولبنها. فإذا ماتت حلت للنساء.

ولما سأل قوم عن هذه الأمور التي كانت في الجاهلية: هل تعظم كتعظيم الكعبة والهدي، أخبرهم الله أنه لم يجعل شيئا لعباده من هذه البدائع التي كانت عندهم، وإنما جعلوا الكفار ذلك.

( بغتة ) ، أي فجأة، وفيه تنبيه على الاستعداد لها والتفكر في أمرها.

( بازغا ) : طالعا. والضمير في الآية يعود على القمر الذي رآه إبراهيم قبل البلوغ والتكليف، وذلك أن أمه ولدته في غار خوفا من نمرود، إذ كان يقتل الأطفال، لأن المنجمين أخبروه أن هلاكه على يد صبي. [ ص: 83 ] ويحتمل أن يكون جرى له ذلك بعد بلوغه وتكليفه، وأنه قال ذلك لقومه على وجه الرد عليهم والتوبيخ لهم، وهذا أرجح، لقوله بعد ذلك: إني بريء مما تشركون . ولا يتصور أن يقول ذلك وهو منفرد في الغار، لأن ذلك يقتضي محاجة وردا على قومه، وذلك أنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب، فأراد أن يبين لهم الخطأ في دينهم. ويرشدهم إلى أن هذه الأشياء لا يصح أن يكون واحد منها إلها لقيام الدليل على حدوثها، وأن الذي أحدثها ودبر طلوعها وغروبها وأفولها وانتقالها هو الواحد المنفرد.

فإن قلت: لم احتج بالأفول دون الطلوع، وكلاهما دليل على الحدوث لأنهما انتقال من حال إلى حال؟

قلت: الأفول أظهر في الدلالة، لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب.

( بينكم ) :، وصلكم. ومن قرأه بالرفع أسند الفعل إلى الطرف، واستعمله استعمال الأسماء، أو يكون البين بمعنى الفرقة، أو بمعنى الوصل، لأنه من الأضداد. ومن قرأه بالنصب فالفاعل مصدر الفعل، أو محذوف تقديره تقطع الاتصال بينكم.

( بصائر ) ، جمع بصيرة، وهي نور القلب، والبصر نور العين، وهذا الكلام على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله: وما أنا عليكم بحفيظ

( ( بوأكم ) ) : أنزلكم، والضمير لقوم صالح، وكانت أرضهم بين الحجاز والشام، وقد دخلها - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فقال لهم: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا وأنتم باكون مخافة أن يصيبكم مثل الذي أصابهم.

( بأسا ) : شدة. ويقال أيضا: بؤس، أي فقر وسوء حال. [ ص: 84 ] بنان : أصابع، واحدتها بنانة.

( براءة ) : خروج من الشيء ومفارقته. والمراد التبري من المشركين.

( بوأنا ) ، أي أنزلنا. والمراد أن الله أنزل بني إسرائيل منزلا حسنا، وهو مصر والشام. ويقال جعلناهم مبوأ، وهو المنزل الملزوم.

( بادي الرأي ) : أي أول الرأي من غير نظر ولا تدبر. وبادي منصوب على الظرفية، أصله وقت حدوث أول رأيهم. والعامل فيه اتبعوك على أصح الأقوال. والمعنى اتبعك الأراذل، وإنما وصفوهم بذلك لفقرهم جهلا منهم، واعتقادا أن الشرف بالمال والجاه، وليس الأمر كما اعتقدوا، بل المؤمنون كانوا أشرف منهم على حال فقرهم وخمولهم في الدنيا، وهذه عادة الله في أتباع الرسل، لا يتبعهم إلا الضعفاء، لأن المال يورث التجبر على الله ورسله.

وقيل: إنهم كانوا حاكة ونجامين.

واختار ابن عطية أنهم أرادوا أنهم أرذال في أفعالهم، لقول نوح: وما علمي بما كانوا يعملون. ويحتمل أن يكون بادي الرأي بغير همز، أي ظاهر الرأي. أي ظهر لهؤلاء صلاح رأيهم فتهكموا بهم.

( بعلا ) : ربا، بلغة اليمن. وأما قوله في الصافات: أتدعون بعلا ، فهو اسم صنم كان لقوم إلياس.

وروى البخاري عن ابن عباس قال: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق. ونسرا، وبعلا، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتفسخ العلم عبدت.

( بعير ) قال مقاتل: هو كل ما يحمل عليه بالعبرانية. وأخرج البزار عن مجاهد في قوله: كيل بعير ، أي كيل حمار على وجه الجعل. [ ص: 85 ] بقيت الله ، أي ما أبقاه الله لكم من الحلال فلا نحرمه عليكم، فيه مقنع ورضا عن الحرام.

( بعدت ) ، أي هلكت. والضمير يعود على قوم صالح.

( بخس ) : نقصان، وإنما نهاهم عن البخس لأنهم كانوا ينقصون في الكيل والوزن، فبعث الله شعيبا لينهاهم عن ذلك.

( بثي ) : أي شدة حزني، وإنما رد يعقوب شكواه إلى الله لتفنيدهم، أي إنما أشكوا إلى الله لا لكم ولا لغيركم. والحزن: أشد الهم.

فالمعنى أنه لا يصبر عليه صاحبه حتى يشكوه.

( بصيرة ) : إشارة إلى شريعة الإسلام، أي أدعو الناس إلى عبادة الله وأنا على بصيرة من أمري وحجة واضحة.

( بشير ) المراد به في قصة يوسف يهوذا، لأنه الذي جاء بقميص الدم. فقال لإخوته: إني ذهبت إليه بقميص الترحة، فدعوني أذهب إليه بالفرحة. وهو من البشارة والإعلام بالخير قبل وروده. وقد تكون للشر إذا ذكر معها كقوله: فبشرهم بعذاب أليم - تهكما بهم. ويجوز في الفعل التشديد والتخفيف. ومنه المبشر والبشير، واستبشر بالشيء إذا فرح به.

( بعثناهم ) : أحييناهم من قبورهم. ويقال: بعث الرسل إلى قومهم ساروا إليهم.

( الباقيات الصالحات ) : هي سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. هذا قول الجمهور. وقد روي في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقيل الصلوات الخمس، وقيل الأعمال الصالحة على الإطلاق.

( بارزة ) : ظاهرة لزوال الجبال عنها، فليس فيها ظل [ ص: 86 ] ولا فيء، وقد وصفها - صلى الله عليه وسلم - في الحديث كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد، ويقال للأرض الظاهرة البراز.

( بغيا ) البغي: المرأة المجاهرة بالزنى، ووزن بغي فعول. ومنه: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء . وكان لعبد الله بن أبي بن سلول جاريتان، فكان يأمرهما بالزنى لتكتسبا ويولد لهما، ويضربهما على ذلك، فشكتا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فنزلت الآية فيه وفيمن فعل مثل فعله.

( بهيج ) : حسن، أي يبهج من يراه ويسره. والبهجة السرور أيضا.

( بيت عتيق ) : المراد بالبيت، المسجد الحرام، وسمي عتيقا لأنه أقدم ما في الأرض ولم يملك. وقيل إن الله يعتق من دخله من النار إذا توفاهم على توحيده وما عليه نبيه - صلى الله عليه وسلم -. وقيل العتيق: الكريم، كقولهم فرس عتيق.

( باد ) : أي قادم عليه. والمعنى أن الناس سواء في المسجد الحرام، فيجوز للقادم أن ينزل منها حيث شاء، وليس لأحد فيها ملك.

( برزخ ) ، أي حاجز. والمراد به مكان المؤمنين في المدة التي بين الموت والقيامة، وهي تحول بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا. وأما قوله في الفرقان: وجعل بينهما برزخا ، أي فاصلا يفصل ما بينهما من الأرض بحيث لا يختلطان. وقيل هذا البرزخ يعلمه الله ولا يراه البشر.

( بغى عليهم ) : تكبر وطغى. والضمير لقارون، وذلك أنه كفر بموسى للمال الذي أعطاه الله، فدعا عليه فخسف الله به وبداره الأرض لئلا تقول بنو إسرائيل إنما دعا عليه ليرث ماله، لأنه كان ابن عم موسى، وقيل عمه.

( بيض مكنون ) ، شبه الجواري بالبيض بياضا وملاسة [ ص: 87 ] وصفاء لون، وهي أحسن منه، وإنما وقع التشبيه بلون قشر البيضة الداخلي، وهو المكنون، أي المصون تحت القشر الأول.

( ( بطشة ) ) أخذه بشدة، والمراد بها في آية الدخان، يوم بدر. وقال ابن عباس: هي يوم القيامة.

( بدر ) : قرية قرب المدينة.

وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال: كانت بدر لرجل من جهينة يسمى بدرا فسميت به.

قال الواقدي: فذكر ذلك لعبد الله بن جعفر ومحمد بن صالح فأنكرا ذلك. وقالا: فلأي شيء سميت الصفراء ورابغ. هذا ليس بشيء، إنما هو اسم الموضع. وأخرج الضحاك قال: بدر ماء بين مكة والمدينة.

( البيت العمور ) ،: بيت في السماء الرابعة حيال الكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون إليه، وبهذا عمرانه.

وقيل البيت المعمور الكعبة، وعمرانها بالحجاج والطائفين، فلا يخلو منهما أبدا إن لم تكن من البشر كانت من الملائكة.

والأول قول علي وابن عباس.

( برق البصر ) ، بفتح الراء، معناه لمع وصار له بريق. وقرئ بكسر الراء، ومعناه تحير من الفزع. وقيل معناه شخص، فيتقارب معنى الفتح والكسر.

وهذا إخبار عن يوم القيامة. وقيل عن حالة الموت، وهذا خطأ، لأن القمر لا يخسف عند موت أحد، ولا يجمع بينه وبين الشمس.

( باسرة ) : متكرهة، أي تظهر عليها الكراهة، والبسور أشد من العبوس.

( بردا ) ، أي نوما. وليس بصحيح، وإنما هو البرد، يعني أنهم [ ص: 88 ] لا يذوقون فيها برودة تخفف عنهم حر النار. وقيل: لا يذوقون ماء باردا.

( البلد الأمين ) ، هو مكة باتفاق. والأمين من الأمانة، أو من الأمن لقوله: اجعل هذا بلدا آمنا . وقوله: أولم نمكن لهم حرما آمنا ، أي لا يغار عليه.

( برية ) ، خلق، مأخوذ من برأ الله الخلق، فترك همزها. ومنهم من يجعلها من البرى، وهو التراب لخلق آدم عليه السلام من التراب. وتخفيف الهمز أكثر استعمالا عند العرب.

( بصيرة ) من البصر، يقال أبصرته وبصرت به. والبصائر: البراهين، جمع بصيرة وقوله: بل الإنسان على نفسه بصيرة . أي من الإنسان على نفسه عين بصيرة، أي جوارحه يشهدن عليه بجميع عمله.

وقيل معناه الإنسان بصير على نفسه. والهاء دخلت للمبالغة كما دخلت في علامة ونسابة.

ونحو ذلك مبلسون ، جمع مبلس، وهو البائس، وقيل الساكت الذي انقطعت حجته، وقيل الحزين النادم. ومنه يبلس، ومنه اشتق إبليس.

( بات ) معروف، ومصدره بيات

( بكم ) : خرس، والضمير راجع للمنافقين، وليس المراد به فقد الحواس. وإنما هذه الأوصاف مجاز عبارة عن عدم انتفاعهم بسمعهم وأبصارهم وكلامهم.

( برهانكم ) : حجتكم، وإنما طلب منهم الحجة على وجه التعجيز والرد عليهم. يقال: برهن على الشيء إذا بينه بحجة.

( فبهت الذي كفر ) : أي انقطع وقامت عليه الحجة. والضمير يعود على نمرود. [ ص: 89 ] فإن قيل: انتقل إبراهيم عن الدليل الأول من الإحياء والإماتة إلى الثاني،والانتقال علامة الانقطاع.

فالجواب أنه لم ينقطع، ولكنه لما ذكر الدليل الأول وهو الإحياء كان له حقيقة، وهو فعل الله، ومجاز وهو فعل غيره، فتعلق نمرود بالمجاز غلطا منه أو مغالطة، فحينئذ انتقل إبراهيم إلى الدليل الثاني، لأنه لا مجاز له، ولا يمكن الكافر عدول عنه.

( بروج ) : حصون، واحدها برج. وبروج السماء من الشمس والقمر، وهي اثنا عشر برجا تقطعها الشمس في سنة. وقيل هي النجوم العظام، لأنها تتبرج أي تظهر.

( بورا ) : هلكى.

( ( بكيا ) ) ، جمع باك، ووزنه فعول، فأدغمت الواو في الياء وكسرت الكاف فصارت بكيا.

( بدن ) : جمع بدنة، وهي ما جعل في الأضحى للنذر والنحر وأشباه ذلك، فإذا كانت للنحر على كل حال فهي جزور.

( ( بست الجبال ) ) ، أي فتتت. وقيل سيرت حتى صارت كالدقيق والسويق المبسوس، أي المبلول.

( بنيان مرصوص ) ، لاصق بعضه ببعض لا يغادر منه شيء منه شيئا، ولا يبعد أن يكون هذا أصل اللفظة.

( بر ) ، ومنه، ولكن البر من آمن بالله . فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

( بطانة ) : دخلا، وبطانة الرجل أهل سره ممن يسكن إليه ويثق بمودته. ومعنى الآية، نهي عن استخلاص الكفار وموالاتهم. [ ص: 90 ] وقيل لعمر رضي الله عنه إن هنا رجلا من النصارى لا أحد أحسن خطا منه، أفلا يكتب عنك، فقال: إذا أتخذ بطانة من دون المؤمنين.

( ( بدارا أن يكبروا ) ) : معناه مبادرة لكبرهم، يعني أن الوصي يستغنم أكل مال اليتيم قبل أن يكبر.

وموضع أن يكبروا نصب على المفعولية بـ بدارا، أو على المفعول من أجله تقديره مخافة أن يكبروا.

( بضاعة ) : قطعة من المال يتجر فيها.

( بضع سنين ) : من الثلاثة إلى العشرة. وقيل إلى التسعة. وقيل إلى السبعة. وروي أن يوسف عليه السلام سجن خمس سنين أولا، ثم سجن بعد قوله ذلك سبع سنين.

( ( بيع ) ) : جمع بيعة النصارى، وهي كنائسهم.

قال الجواليقي في كتاب المعرب: البيعة والكنيسة جعلهما بعض العلماء فارسيين معربين.

والمعنى لولا دفاع الله لاستولى الكفار على أهل الملل المتقدمة في أزمانهم. ولاستولى المشركون على هذه الأمة فهدموا مواضع عبادتهم.

( بدعا ) من الرسل. البديع من الأشياء: ما لم ير مثله، أي ما كنت أول رسول ولا جئت بأمر لم يجئ به أحد قبلي ، بل جئت بما جاء به قبلي ناس كثيرون، فلأي شيء تنكرون علي.

الباء حرف جر ، له معان:

أولا: الإلصاق، ولم يذكر له سيبويه غيره. وقيل: إنه لا يفارقها، قال في شرح اللب: وهو تعلق أحد المعنيين بالآخر. ثم قد يكون حقيقة نحو: وامسحوا برءوسكم ، أي ألصقوا المسح برءوسكم. [ ص: 91 ] فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ، وقد يكون مجازا، نحو: وإذا مروا بهم يتغامزون ، أي بمكان يقربون منه.

الثاني: التعدية كالهمزة، نحو: ذهب الله بنورهم ولو شاء الله لذهب بسمعهم ، أي أذهبه، كما قال: ليذهب عنكم الرجس .

وذهب المبرد والسهيلي أن بين تعدية الباء والهمزة فرقا، وأنك إذا قلت ذهبت بزيد كنت مصاحبا له في الذهاب، ورد في الآية.

الثالث: الاستعانة، وهي الداخلة على آلة الفعل، كباء البسملة.

الرابع: السببية، وهي التي تدخل على سبب الفعل، نحو: فكلا أخذنا بذنبه ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل . ويعبر عنها أيضا بالتعليل.

الخامس: المصاحبة، كمع، نحو: اهبط بسلام جاءكم الرسول بالحق ، فسبح بحمد ربك .

السادس: الظرفية، كـ في زمانا ومكانا، نحو: نجيناهم بسحر نصركم الله ببدر .

السابع: الاستعلاء كـ على، نحو: إن تأمنه بقنطار ، أي عليه.

الثامن: المجاوزة كعن، نحو: فاسأل به خبيرا ، أي عنه، بدليل: يسألون عن أنبائكم. ثم قيل: تختص بالسؤال، وقيل لا، نحو: يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ، أي وعن أيمانهم.

ويوم تشقق السماء بالغمام ، أي عنه.

التاسع: التبعيض كمن، نحو عينا يشرب بها عباد الله ، أي منها. [ ص: 92 ] العاشر: الغاية كـ إلى، نحو: وقد أحسن بي ، أي إلي.

الحادي عشر: المقابلة، وهي الداخلة على الأعواض، نحو: ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون . وإنما لم نقدرها بالسببية كما قالت المعتزلة. لأن المعطي بعوض قد يعطي مجانا. وأما المسبب فلا يوجد بدون السبب.

الثاني عشر: التوكيد، وهي الزائدة، فتزاد في الفاعل وجوبا، نحو: أسمع بهم وأبصر .. وجوازا غالبا، نحو: وكفى بالله شهيدا ، فإن الاسم الكريم فاعل. و " شهيدا " نصب على الحال أو التمييز، والباء زائدة، ودخلت لتأكيد الاتصال، لأن الاسم في قوله: كفى بالله - متصل بالفعل اتصال الفاعل.

قال ابن الشجري: وفعل ذلك إيذانا بأن الكفاية من الله ليست كالكفاية من غيره في عظم المنزلة، فضوعف لفظها لتضاعف معناها.

وقال الزجاج: دخلت لتضمن كفى معنى اكتفى.

قال ابن هشام: وهو من الحسن بمكان.

وقيل: الفاعل مقدر. والتقدير كفى الاكتفاء بالله، فخذف المصدر وبقي معموله دالا عليه، ولا تزاد في فاعل كفى بمعنى وقى، نحو: فسيكفيكهم الله وكفى الله المؤمنين القتال .

وفي المفعول، نحو: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وهزي إليك بجذع النخلة فليمدد بسبب إلى السماء ومن يرد فيه بإلحاد .

وفي المبتدأ، نحو: بأييكم المفتون ، أي أيكم. وقيل: هي ظرفية، أي في أي طائفة منكم.

وفي اسم ليس في قراءة بعضهم: وليس البر بأن تأتوا ، - بنصب البر. [ ص: 93 ] وفي الخبر النفي، نحو: وما الله بغافل قيل: والموجب، وخرج عليه: " جزاء سيئة بمثلها " .

وفي التوكيد، وجعل منه: يتربصن بأنفسهن .

فائدة

اختلف في الباء من قوله: وامسحوا برءوسكم ، فقيل للإلصاق. وقيل للتبعيض. وقيل زائدة. وقيل للاستعانة، وإن في الكلام حذفا وقلبا، فإن مسح يتعدى إلى المزال عنه بنفسه وإلى المزيل بالباء، فالأصل امسحوا رءوسكم بالماء.

( بل): حرف إضراب إذا تلاها جملة. ثم تارة يكون معنى الإضراب الإبطال لما قبلها، نحو: وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون . أي هم عباد مكرمون. أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق .

وتارة يكون معناها الانتقال من غرض إلى آخر، نحو: ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا . فما قبل " بل " فيه على حاله. وكذا قوله: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا .

وذكر ابن مالك في شرح كافيته أنها لا تقع في القرآن إلا على هذا الوجه. ووهمه ابن هشام. وسبق ابن مالك إلى ذكر ذلك صاحب البسيط، ووافقه ابن الحاجب، فقال في شرح المفصل: إبطال الأول وإثبات الثاني إن كانت في الإثبات من باب الغلط، فلا يقع مثله في القرآن.

أما إذا تلاها مفرد فهي حرف عطف ولم يقع في القرآن كذلك.

( بلى): حرف أصلي الألف. وقيل: الأصل بل، والألف زائدة. وقيل هي للتأنيث بدليل إمالتها. [ ص: 94 ] ولها موضعان: أحدهما أن تكون ردا لنفي يقع قبلها، نحو: ما كنا نعمل من سوء بلى ، أي عملتم السوء. لا يبعث الله من يموت بلى ، أي يبعثهم. زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن قالوا ليس علينا في الأميين سبيل . ثم قال: بلى ، أي عليهم سبيل. وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، ثم قال: بلى ، أي يدخلها غيرهم. وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة . ثم قال: بلى ، أي تمسهم ويخلدون فيها.

الثاني: أن تقع جوابا لاستفهام دخل على نفي فتفيد إبطاله. سواء كان الاستفهام حقيقة، نحو: أليس زيد بقائم، فتقول: بلى. أو توبيخا، نحو: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى.

أو تقريريا، نحو ألست بربكم قالوا بلى . قال ابن عباس وغيره: لو قالوا: نعم ... كفروا، ووجهه أن " نعم " تصديق للخبر بنفي أو إيجاب، فكأنهم قالوا: لست ربنا، بخلاف بلى، فإنها لإبطال النفي، فالتقدير أنت ربنا.

ونازع في ذلك السهيلي وغيره بأن الاستفهام التقريري خبر موجب، ولذلك منع سيبويه من جعل أم متصلة في قوله: أفلا تبصرون أم أنا خير ، لأنها لا تقع بعد الإيجاب. وإذا ثبت أنه إيجاب فنعم بعد الإيجاب تصديق له.

قال ابن هشام: ويشكل عليه أن " بلى " لا يجاب بها عن الإيجاب اتفاقا.

( بئس): لإنشاء الذم لا يتصرف. وقرئ بالهمز وتركه. وقرئ على وزن فيعل وعلى وزن فيعيل، وكلها من معنى البؤس.

( بين): قال الراغب: موضوع للخلل بين الشيئين ووسطهما. [ ص: 95 ] قال تعالى: وجعلنا بينهما زرعا ، وذلك أن أخوين من بني إسرائيل أحدهما مؤمن والآخر كافر ورثا مالا فاشترى الكافر بماله جنتين، وأنفق المؤمن ماله في طاعة الله حتى افتقر، فعيره الكافر بفقره فأهلك الله مال الكافر.

وتارة تستعمل " بين " ظرفا، وتارة اسما، فمن الظرف: لا تقدموا بين يدي الله ورسوله فقدموا بين يدي نجواكم صدقة فاحكم بيننا بالحق .

ولا تستعمل إلا فيما له مسافة نحو: بين البلدان، أو له عدد ما اثنان فصاعدا، نحو: بين الرجلين، وبين القوم.

ولا تضاف إلى ما يقتضي معنى الوحدة إلا إذا كرر، نحو: ومن بيننا وبينك . وقرئ قوله تعالى: لقد تقطع بينكم بالنصب على الظرف، وبالرفع على أنه مصدر-.

التالي السابق


الخدمات العلمية