الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

( ( له الحياة والكلام والبصر سمع إرادة وعلم واقتدر ) )


( بقدرة تعلقت بممكن     كذا إرادة فع واستبن ) )


( والعلم والكلام قد تعلقا     بكل شيء يا خليلي مطلقا ) )


( وسمعه سبحانه كالبصر     بكل مسموع وكل مبصر ) )


( وإن ما جاء مع جبريل     من محكم القرآن والتنزيل ) )


( كلامه سبحانه قديم     أعيا الورى بالنص يا عليم ) )

[ ص: 131 ]

( ( وليس في طوق الورى من أصله     أن يستطيعوا سورة من مثله ) )



الأولى ما أشار إليها بقوله مما يجب ( له ) - سبحانه وتعالى ، ( الحياة ) وهي صفة ذاتية ثبوتية ، قديمة أزلية ، تقتضي صحة العلم والقدرة لاستحالة قيامهما [ ص: 132 ] بغير الحي ، قال العلماء - رحمهم الله تعالى : حياة الباري - عز وجل - مما اتفق عليه العقلاء ، نعم ، الحياة في حقه لا يجوز أن تكون بمعنى الحياة في حقنا ; لأنها في حقنا قوة تتبع اعتدال النوع ، وهذا في حقه - تعالى - محال ، فمن ثم اختلف في معناها في حقه - تعالى ، فقال أبو الحسين البصري من المعتزلة : حياته صحة العلم والقدرة ، فمعنى كونه حيا أنه يصح أن يعلم ويقدر ، وعند الفلاسفة الحي هو الدراك الفعال ، وقال أهل السنة : حياته صفة زائدة على العلم والإرادة قديمة قائمة بذاته ، لأجلها يصح أن يعلم ويقدر ، لا نفس صحة العلم والقدرة ، وكذا فسرها جمهور الأئمة من أهل السنة والجماعة ، فهي صفة كمال في نفسها ، فاتصف بها - جل وعلا - فصفة الحياة هي الجامعة لسائر الصفات متقدمة الرتبة عليها ، فلا يتقدمها إلا الوجود ، وهي لا تتعلق بشيء لا موجود ولا معدوم ، ومثلها الوجود والقدم والبقاء عند من يعدها من الصفات الذاتية ، وضابطها أنها كل صفة لا تقتضي أمرا زائدا على قيامها بمحلها ، كما أن ضابط ما يتعلق من الصفات أنها كل صفة تقتضي أمرا زائدا على القيام بمحلها ، فإن العلم يقتضي معلوما ، والقدرة تقتضي مقدورا . . . إلخ .

( تنبيه ) : ذكر الإمام المحقق ابن القيم في البدائع أن الصفة متى قامت بموصوف لزمها أمور أربعة : أمران لفظيان ، وأمران معنويان ، فاللفظيان ثبوتي وسلبي ، فالثبوتي أن يشتق للموصوف منها اسم ، والسلبي أن يمتنع الاشتقاق لغيره ، والمعنويان ثبوتي وسلبي ، فالثبوتي أنه يعود حكمها إلى الموصوف ويخبر بها عنه ، والسلبي أنه لا يعود حكمها إلى غيره ، ولا يكون خبرا عنه . وهذه قاعدة عظيمة في معرفة الأسماء والصفات كالكلام والعلم ونحوهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية