الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 373 ] باب سجدتي السهو

                                                                                                                                            قال الإمام أحمد : يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أشياء ; سلم من اثنتين فسجد ، وسلم من ثلاث فسجد وفي الزيادة والنقصان ، وقام من اثنتين ولم يتشهد . وقال الخطابي : المعتمد عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة يعني حديثي ابن مسعود ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة ، وابن بحينة ( 892 ) مسألة : قال أبو القاسم : ومن سلم ، وقد بقي عليه شيء من صلاته ، أتى بما بقي عليه من صلاته ، وسلم ، ثم سجد سجدتي السهو ثم تشهد وسلم .

                                                                                                                                            كما روى أبو هريرة ، وعمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك وجملة ذلك ، أن من سلم قبل إتمام صلاته ساهيا ثم علم قبل طول الفصل ونقض وضوئه ، فعليه أن يأتي بما بقي ، ثم يتشهد ويسلم ، ثم يسجد سجدتي السهو ويتشهد ويسلم .

                                                                                                                                            وإن لم يذكر حتى قام ، فعليه أن يجلس لينهض إلى الإتيان بما بقي عن جلوس ; فإن هذا القيام واجب للصلاة ، ولم يأت به قاصدا لها ، فكان عليه الإتيان به مع النية . ولا نعلم في جواز إتمام الصلاة في حق من نسي ركعة فما زاد اختلافا والأصل في ذلك ما روى ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال : { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي - قال ابن سيرين : سماها لنا أبو هريرة ، ولكن أنا نسيت - فصلى ركعتين ، ثم سلم ، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد ، فوضع يده عليها كأنه غضبان فشبك أصابعه ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من المسجد ، فقالوا : أقصرت الصلاة ، وفي القوم أبو بكر ، وعمر فهاباه أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول ، يقال له : ذو اليدين فقال : يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ قال لم أنس ، ولم تقصر ، فقال : أكما يقول ذو اليدين ؟ قالوا : نعم . قال : فتقدم ، فصلى ما ترك من صلاته ، ثم سلم ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه فكبر ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه فكبر . قال فربما سألوه : ثم سلم } ؟ قال : فنبئت أن عمران بن حصين قال : ثم سلم . متفق عليه ورواه أبو داود وزاد قال : قلت فالتشهد ؟ قال : لم أسمع في التشهد ، وأحب إلي أن يتشهد وروى مسلم ، بإسناده عن أبي المهلب ، عن عمران بن الحصين ، قال { سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ، ثم قام فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين ، فقال : أقصرت الصلاة يا رسول الله ؟ فخرج مغضبا فصلى الركعة التي كان ترك ، ثم سلم ، ثم سجد سجدتي السهو ، ثم سلم } وروى ابن عمر ، وابن عباس رضي الله عنهم وذو اليدين مثل حديث أبي هريرة ، ( 893 ) فصل : فإن طال الفصل ، أو انتقض وضوءه استأنف الصلاة . وكذلك قال الشافعي إن ذكر [ ص: 374 ] قريبا مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذي اليدين ، ونحوه قال مالك .

                                                                                                                                            وقال يحيى الأنصاري ، والليث ، والأوزاعي : يبني ، ما لم ينقض وضوءه ولنا ، أنها صلاة واحدة ، فلم يجز بناء بعضها على بعض مع طول الفصل ، كما لو انتقض وضوءه . ويرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة من غير تقدير بمدة وهو مذهب الشافعي في أحد الوجوه وعنه يعتبر قدر ركعة . وقال بعضهم : يعتبر بقدر مضي الصلاة التي نسي فيها . والصحيح لا حد له ; لأنه لم يرد الشرع بتحديده ، فيرجع فيه إلى العادة والمقاربة لمثل حال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين ( 894 ) فصل : فإن لم يذكر حتى شرع في صلاة أخرى نظرت فإن كان ما عمل في الثانية قليلا ، ولم يطل الفصل ، عاد إلى الأولى فأتمها . وإن طال بطلت الأولى .

                                                                                                                                            وهذا مذهب الشافعي ، وقال الشيخ أبو الفرج في المبهج : يجعل ما شرع فيه من الصلاة الثانية تماما للأولى ، فيبني إحداهما على الأخرى ويكون وجود السلام كعدمه ; لأنه سهو معذور فيه ، وسواء كان ما شرع فيه نفلا أو فرضا وقال الحسن ، وحماد بن أبي سليمان فيمن سلم قبل إتمام المكتوبة وشرع في تطوع يبطل المكتوبة قال مالك : أحب إلي أن يبتدئها ونص عليه أحمد فقال ، في رواية أبي الحارث إذا صلى ركعتين من المغرب وسلم ثم دخل في التطوع : إنه بمنزلة الكلام ; يستأنف الصلاة . ولنا ، أنه عمل عملا من جنس الصلاة سهوا ، فلم تبطل ، كما لو زاد خامسة . وأما بناء الثانية على الأولى ، فلا يصح ، لأنه قد خرج من الأولى ولم ينوها بعد ذلك ، ونية غيرها لا تجزئ عن نيتها ، كحالة الابتداء

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية