الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          لبد

                                                          لبد : لبد بالمكان يلبد لبودا ولبد لبدا وألبد : أقام به ولزق ، فهو ملبد به ، ولبد بالأرض وألبد بها إذا لزمها فأقام ; ومنه حديث علي - رضي الله عنه - لرجلين جاءا يسألانه : ألبدا بالأرض حتى تفهما أي أقيما ، ومنه قول حذيفة حين ذكر الفتنة قال : فإن كان ذلك فالبدوا لبود الراعي على عصاه خلف غنمه لا يذهب بكم السيل ، أي اثبتوا والزموا منازلكم كما يعتمد الراعي عصاه ثابتا لا يبرح واقعدوا في بيوتكم لا تخرجوا منها فتهلكوا وتكونوا كمن ذهب به السيل . ولبد الشيء بالشيء يلبد إذا ركب بعضه بعضا . وفي حديث قتادة : الخشوع في القلب وإلباد البصر في الصلاة أي إلزامه موضع السجود من الأرض . وفي حديث أبي برزة : ما أرى اليوم خيرا من عصابة ملبدة يعني لصقوا بالأرض وأخملوا أنفسهم . واللبد واللبد من الرجال : الذي لا يسافر ولا يبرح منزله ولا يطلب معاشا وهو الأليس ; قال الراعي :


                                                          من أمر ذي بدوات لا تزال له بزلاء يعيا بها الجثامة اللبد

                                                          ويروى اللبد ، بالكسر ; قال أبو عبيد : والكسر أجود . والبزلاء : الحاجة التي أحكم أمرها . والجثامة والجثم أيضا : الذي لا يبرح من محله وبلدته . واللبود : القراد ، سمي بذلك لأنه يلبد بالأرض أي يلصق . الأزهري : الملبد اللاصق بالأرض . ولبد الشيء بالأرض ، بالفتح ، يلبد لبودا : تلبد بها أي لصق . وتلبد الطائر بالأرض أي جثم عليها . وفي حديث أبي بكر : أنه كان يحلب فيقول : أألبد أم أرغي ؟ فإن قالوا : ألبد ألزق العلبة بالضرع فحلب ، ولا يكون لذلك الحلب رغوة ، فإن أبان العلبة رغا الشخب بشدة وقوعه في العلبة . والملبد من المطر : الرش ; وقد لبد الأرض تلبيدا . ولبد : اسم آخر نسور لقمان بن عاد ، سماه بذلك لأنه لبد فبقي لا يذهب ولا يموت كاللبد من الرجال اللازم لرحله لا يفارقه ; ولبد ينصرف لأنه ليس بمعدول ، وتزعم العرب أن لقمان هو الذي بعثته عاد في وفدها إلى الحرم يستسقي لها ، فلما أهلكوا خير لقمان بين بقاء سبع بعرات : سمر من أظب عفر في جبل وعر لا يمسها القطر ، أو بقاء سبعة أنسر كلما أهلك نسر خلف بعده نسر ، فاختار النسور فكان آخر نسوره يسمى [ ص: 160 ] لبدا ، وقد ذكرته الشعراء ; قال النابغة :


                                                          أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا     أخنى عليها الذي أخنى على لبد

                                                          وفي المثل : طال الأبد على لبد . ولبدى ولبادى ولبادى ; الأخيرة عن كراع : طائر على شكل السمانى إذا أسف على الأرض لبد فلم يكد يطير حتى يطار ; وقيل : لبادى طائر . تقول صبيان العرب : لبادى فيلبد حتى يؤخذ . قال الليث : وتقول صبيان الأعراب إذ رأوا السمانى : سمانى لبادى البدي لا تري ، فلا تزال تقول ذلك وهي لابدة بالأرض أي لاصقة ، وهو يطيف بها حتى يأخذها . والملبد من الإبل : الذي يضرب فخذيه بذنبه فيلزق بهما ثلطه وبعره ، وخصصه في التهذيب بالفحل من الإبل . الصحاح : وألبد البعير إذا ضرب بذنبه على عجزه وقد ثلط عليه وبال فيصير على عجزه لبدة من ثلطه وبوله . وتلبد الشعر والصوف والوبر والتبد : تداخل ولزق . وكل شعر أو صوف ملتبد بعضه على بعض ، فهو لبد ولبدة ولبدة ، والجمع ألباد ولبود على توهم طرح الهاء ; وفي حديث حميد بن ثور :

                                                          وبين نسعيه خدبا ملبدا أي عليه لبدة من الوبر . ولبد الصوف يلبد لبدا ولبده : نفشه بماء ثم خاطه وجعله في رأس العمد ليكون وقاية للبجاد أن يخرقه ، وكل هذا من اللزوق ; وتلبدت الأرض بالمطر . وفي الحديث في صفة الغيث : فلبدت الدماث أي جعلتها قوية لا تسوخ فيها الأرجل ; والدماث : الأرضون السهلة . وفي حديث أم زرع : ليس بلبد فيتوقل ولا له عندي معول أي ليس بمستمسك متلبد فيسرع المشي فيه ويعتلى . والتبد الورق أي تلبد بعضه على بعض . والتبدت الشجرة : كثرت أوراقها ; قال الساجع :


                                                          وعنكثا ملتبدا

                                                          ولبد الندى الأرض . وفي صفة طلح الجنة : أن الله يجعل مكان كل شوكة منها مثل خصوة التيس الملبود أي المكتنز اللحم الذي لزم بعضه بعضا فتلبد . واللبد من البسط : معروف ، وكذلك لبد السرج . وألبد السرج : عمل له لبدا . واللبادة : قباء من لبود . واللبادة : لباس من لبود . واللبد : واحد اللبود ، واللبدة أخص منه . ولبد شعره . ألزقه بشيء لزج أو صمغ حتى صار كاللبد ، وهو شيء كان يفعله أهل الجاهلية إذا لم يريدوا أن يحلقوا رؤوسهم في الحج ، وقيل : لبد شعره حلقه جميعا . الصحاح : والتلبيد أن يجعل المحرم في رأسه شيئا من صمغ ليتلبد شعره بقيا عليه لئلا يشعث في الإحرام ويقمل إبقاء على الشعر ، وإنما يلبد من يطول مكثه في الإحرام . وفي حديث المحرم : لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبدا . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - أنه قال : من لبد أو عقص أو ضفر فعليه الحلق ، أبو عبيد : قوله لبد يعني أن يجعل المحرم في رأسه شيئا من صمغ أو عسل ليتلبد شعره ولا يقمل . قال الأزهري : هكذا قال يحيى بن سعيد . قال وقال غيره : إنما التلبيد بقيا على الشعر لئلا يشعث في الإحرام ولذلك أوجب عليه الحلق كالعقوبة له ; قال : قال ذلك سفيان بن عيينة ; ومنه قيل لزبرة الأسد : لبدة ; والأسد ذو لبدة . واللبدة : الشعر المجتمع على زبرة الأسد ، وفي الصحاح : الشعر المتراكب بين كتفيه . وفي المثل : هو أمنع من لبدة الأسد ، والجمع لبد مثل قربة وقرب . واللبادة : ما يلبس منها للمطر ، التهذيب في ترجمة بلد ، وقول الشاعر أنشده ابن الأعرابي :


                                                          ومبلد بين موماة ومهلكة     جاوزته بعلاة الخلق عليان

                                                          قال : المبلد الحوض القديم هاهنا ، قال : وأراد ملبد فقلب وهو اللاصق بالأرض . وما له سبد ولا لبد السبد من الشعر واللبد من الصوف لتلبده أي ما له ذو شعر ولا ذو صوف ، وقيل السبد هنا الوبر ، وهو مذكور في موضعه ، وقيل : معناه ما له قليل ولا كثير ; وكان مال العرب الخيل والإبل والغنم والبقر فدخلت كلها في هذا المثل . وألبدت الإبل إذا أخرج الربيع أوبارها وألوانها وحسنت شارتها وتهيأت للسمن فكأنها ألبست من أوبارها ألبادا . التهذيب : وللأسد شعر كثير قد يلبد على زبرته ، قال : وقد يكون مثل ذلك على سنام البعير وأنشد :


                                                          كأنه ذو لبد دلهمس

                                                          ومال لبد : كثير لا يخاف فناؤه كأنه التبد بعضه على بعض . وفي التنزيل العزيز يقول : أهلكت مالا لبدا ; أي جما ، قال الفراء : اللبد الكثير ; وقال بعضهم : واحدته لبدة ، ولبد : جماع ; قال : وجعله بعضهم على جهة قثم وحطم واحدا وهو في الوجهين جميعا : الكثير . وقرأ أبو جعفر : مالا لبدا ، مشددا ، فكأنه أراد مالا لابدا . ومالان لابدان وأموال لبد . والأموال والمال قد يكونان في معنى واحد . واللبدة واللبدة : الجماعة من الناس يقيمون وسائرهم يظعنون كأنهم بتجمعهم تلبدوا . ويقال : الناس لبد أي مجتمعون . وفي التنزيل العزيز : وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ; وقيل : اللبدة الجراد ; قال ابن سيده : وعندي أنه على التشبيه . واللبدى : القوم يجتمعون ، من ذلك الأزهري : قال وقرئ : كادوا يكونون عليه لبدا ; قال : والمعنى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صلى الصبح ببطن نخلة كاد الجن لما سمعوا القرآن وتعجبوا منه أن يسقطوا عليه . وفي حديث ابن عباس : كادوا يكونون عليه لبدا ; أي مجتمعين بعضهم على بعض ، واحدتها لبدة ; قال : ومعنى لبدا يركب بعضهم بعضا ، وكل شيء ألصقته بشيء إلصاقا شديدا ، فقد لبدته ; ومن هذا اشتقاق اللبود التي تفرش . قال : ولبد جمع لبدة ولبد ، ومن قرأ لبدا فهو جمع لبدة ; وكساء ملبد . وإذا رقع الثوب ، فهو ملبد وملبد وملبود . وقد لبده إذا رقعه وهو مما تقدم لأن الرقع يجتمع بعضه إلى بعض ويلتزق بعضه ببعض . وفي الحديث : أن عائشة - رضي الله عنها - أخرجت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كساء ملبدا أي مرقعا . ويقال : لبدت القميص ألبده ولبدته . ويقال للخرقة التي يرقع بها صدر القميص : اللبدة ، والتي يرقع بها قبه : القبيلة . وقيل : الملبد الذي ثخن وسطه وصفق حتى صار [ ص: 161 ] يشبه اللبد . واللبد : ما يسقط من الطريفة والصليان ، وهو سفا أبيض يسقط منها في أصولهما وتستقبله الريح فتجمعه حتى يصير كأنه قطع الألباد البيض إلى أصول الشعر والصليان والطريفة ، فيرعاه المال ويسمن عليه ، وهو من خير ما يرعى من يبيس العيدان ، وقيل : هو الكلأ الرقيق يلتبد إذا أنسل فيختلط بالحبة . وقال أبو حنيفة : إبل لبدة ولبادى تشكى بطونها عن القتاد ; وقد لبدت لبدا وناقة لبدة . ابن السكيت : لبدت الإبل ، بالكسر ، تلبد لبدا إذا دغصت بالصليان ، وهو التواء في حيازيمها وفي غلاصمها ، وذلك إذا أكثرت منه فتغص به ولا تمضي . واللبيد : الجوالق الضخم ، وفي الصحاح : اللبيد الجوالق الصغير . وألبدت القربة أي صيرتها في لبيد أي في جوالق ، وفي الصحاح : في جوالق صغير ; قال الشاعر :


                                                          قلت ضع الأدسم في اللبيد

                                                          قال : يريد بالأدسم نحي سمن . واللبيد : لبد يخاط عليه . واللبيدة : المخلاة ، اسم ; عن كراع . ويقال : ألبدت الفرس ، فهو ملبد إذا شددت عليه اللبد . وفي الحديث ذكر لبيداء ، وهي الأرض السابعة . ولبيد ولابد ولبيد : أسماء . واللبد : بطون من بني تميم . وقال ابن الأعرابي : اللبد بنو الحرث بن كعب أجمعون ما خلا منقرا . واللبيد : طائر . ولبيد : اسم شاعر من بني عامر .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية