الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8520 ) فصل : إذا تداعيا عينا ، فقال كل واحد منهما : هذه العين لي ، اشتريتها من زيد بمائة ، ونقدته إياها . ولا بينة لواحد منهما ، فإن أنكرهما زيد ، حلف ، وكانت العين له . وإن أقر بها لأحدهما ، سلمها إليه وحلف للآخر . وإن أقر لكل واحد منهما بنصفها ، سلمت إليهما ، وحلف لكل واحد منهما على نصفها . وإن قال : لا أعلم لمن هي منكما . أقرع بينهما ، فمن خرجت له القرعة ، حلف وأخذها .

                                                                                                                                            وإن حلف البائع أنها له ، ثم أقر بها لأحدهما ، سلمت إليه ، ثم إن أقر بها للآخر ، لزمته غرامتها له . وإن أقام كل واحد منهما بما ادعاه بينة ، نظرنا ; فإن كانت البينتان مؤرختين بتاريخين مختلفين ، مثل أن يدعي أحدهما أنه اشتراها في المحرم ، وادعى الآخر أنه اشتراها في صفر ، وشهدت بينة كل واحد منهما للآخر بدعواه ، فهي للأول ; لأنه ثبت أنه باعها للأول ، فزال ملكه عنها ، فيكون بيعه في صفر باطلا ، لكونه باع ما لا يملكه ، ويطالب برد الثمن . وإن كانتا مؤرختين بتاريخ واحد ، أو مطلقتين ، أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة ، تعارضتا ; لتعذر الجمع ، فينظر في العين ، فإن كانت في يد أحدهما ، انبنى ذلك على الخلاف في بينة الداخل والخارج ، فمن قدم بينة الداخل جعلها لمن هي في يده ، ومن قدم بينة الخارج ، جعلها للخارج . وإن كانت في يد البائع ، وقلنا : تسقط البينتان . رجع إلى البائع ، فإن أنكرهما ، حلف لهما ، وكانت له ، وإن أقر لأحدهما ، سلمت إليه ، وحلف للآخر ، وإن أقر لهما ، فهي بينهما ، ويحلف لكل واحد منهما على نصفها ، كما لو لم تكن لهما بينة .

                                                                                                                                            وإن قلنا : لا تسقط البينتان . لم يلتفت إلى إنكاره ولا اعترافه . وهذا قول القاضي ، وأكثر أصحاب الشافعي ; لأنه قد ثبت زوال ملكه ، وأن يده لا حكم لها ، فلا حكم لقوله ، فمن قال : يقرع بينهما . أقرع بينهما ، فمن خرجت له القرعة ، فهي له مع يمينه . وهذا قول القاضي ، لم يذكر شيئا سوى هذا . ومن قال : تقسم بينهما . قسمت . وهذا ذكره أبو الخطاب . وقد نص عليه أحمد ، في رواية الكوسج ، في رجل أقام البينة أنه اشترى سلعة بمائة ، وأقام الآخر بينة أنه اشتراها بمائتين ، فكل واحد منهما يستحق النصف من السلعة بنصف الثمن ، فيكونان شريكين وحمل القاضي هذه الرواية ، على أن العين في أيديهما ، أو على أن البائع أقر لهما جميعا .

                                                                                                                                            وإطلاق الرواية يدل [ ص: 254 ] على صحة قول أبي الخطاب فعلى هذا ، إن كان المبيع مما لا يدخل في ضمان المشتري إلا بقبضه ، فلكل واحد منهما الخيار ; لأن الصفقة تبعضت عليه . فإن اختارا الإمساك ، رجع كل واحد منهما بنصف الثمن ، وإن اختارا الفسخ رجع كل واحد منهما بجميع الثمن ، وإن اختار أحدهما الفسخ ، توفرت السلعة كلها على الآخر ، إلا أن يكون الحاكم قد حكم له بنصف السلعة ونصف الثمن ، فلا يعود النصف الآخر إليه . وهذا قول الشافعي في كل مبيع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية