الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها

                                                                                                                2545 حدثنا عقبة بن مكرم العمي حدثنا يعقوب يعني ابن إسحق الحضرمي أخبرنا الأسود بن شيبان عن أبي نوفل رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة قال فجعلت قريش تمر عليه والناس حتى مر عليه عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال السلام عليك أبا خبيب السلام عليك أبا خبيب السلام عليك أبا خبيب أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا أما والله إن كنت ما علمت صواما قواما وصولا للرحم أما والله لأمة أنت أشرها لأمة خير ثم نفذ عبد الله بن عمر فبلغ الحجاج موقف عبد الله وقوله فأرسل إليه فأنزل عن جذعه فألقي في قبور اليهود ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر فأبت أن تأتيه فأعاد عليها الرسول لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك قال فأبت وقالت والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني قال فقال أروني سبتي فأخذ نعليه ثم انطلق يتوذف حتى دخل عليها فقال كيف رأيتني صنعت بعدو الله قالت رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك بلغني أنك تقول له يا ابن ذات النطاقين أنا والله ذات النطاقين أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبي بكر من الدواب وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا إخالك إلا إياه قال فقام عنها ولم يراجعها

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة ، فجعلت قريش تمر عليه والناس ، حتى مر عليه عبد الله بن عمر ، فوقف عليه فقال : السلام عليك أبا خبيب ) . قوله : ( عقبة المدينة ) هي عقبة بمكة ، ( وأبو خبيب ) بضم الخاء المعجمة كنية ابن الزبير ، كني بابنه خبيب ، وكان أكبر أولاده ، وله ثلاث كنى ذكرها البخاري في التاريخ وآخرون : أبو خبيب ، وأبو بكر ، وأبو بكير . فيه استحباب السلام على الميت في قبره وغيره ، تكرير السلام ثلاثا كما كرر ابن عمر . وفيه الثناء على الموتى بجميل صفاتهم المعروفة . وفيه منقبة لابن عمر لقوله بالحق في الملأ ، وعدم اكتراثه بالحجاج ; لأنه يعلم أنه يبلغه مقامه عليه وقوله وثناؤه عليه ، فلم يمنعه ذلك أن يقول الحق ، يشهد لابن الزبير بما يعلمه فيه من الخير ، وبطلان ما أشاع عنه الحجاج من قوله : إنه عدو الله ، وظالم ، ونحوه ، فأراد ابن عمر براءة ابن [ ص: 78 ] الزبير من ذلك الذي نسبه إليه الحجاج ، وأعلم الناس بمحاسنه ، وأنه ضد ما قاله الحجاج . ومذهب أهل الحق أن ابن الزبير كان مظلوما ، وأن الحجاج ورفقته كانوا خوارج عليه .

                                                                                                                قوله : ( لقد كنت أنهاك عن هذا ) أي عن المنازعة الطويلة .

                                                                                                                قوله في وصفه : ( وصولا للرحم ) قال القاضي : هو أصح من قول بعض الإخباريين ، ووصفه بالإمساك ، وقد عده صاحب كتاب الأجود فيهم ، وهو المعروف من أحواله .

                                                                                                                قوله : ( والله لأمة أنت شرها أمة خير ) هكذا هو في كثير من نسخنا : ( لأمة خير ) ، وكذا نقله القاضي عن جمهور رواة صحيح مسلم ، وفي أكثر نسخ بلادنا : ( لأمة سوء ) ، ونقله القاضي عن رواية السمرقندي قال : وهو خطأ وتصحيف .

                                                                                                                قوله : ( ثم نفذ ابن عمر ) أي انصرف .

                                                                                                                قوله : ( يسحبك بقرونك ) أي يجرك بضفائر شعرك .

                                                                                                                قوله : ( أروني سبتي ) بكسر السين المهملة وإسكان الموحدة وتشديد آخره ، وهي النعل التي لا شعر عليها .

                                                                                                                قوله : ( ثم انطلق يتوذف ) هو بالواو والذال المعجمة والفاء . قال أبو عبيد : معناه يسرع ، وقال أبو عمر : معناه يتبختر .

                                                                                                                قوله : ( ذات النطاقين ) هو بكسر النون . قال العلماء : النطاق أن تلبس المرأة ثوبها ، ثم تشد وسطها بشيء ، وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل ، تفعل ذلك عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيلها . قيل : سميت أسماء ذات النطاقين لأنها كانت تطارف نطاقا فوق نطاق ، والأصح أنها سميت بذلك لأنها شقت نطاقها الواحد نصفين ، فجعلت أحدهما نطاقا صغيرا ، واكتفت به ، والآخر لسفرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه كما صرحت به في هذا الحديث هنا ، وفي البخاري ، ولفظ البخاري أوضح من لفظ مسلم .

                                                                                                                قولها للحجاج : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا ، فأما الكذاب فرأيناه ، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه ) أما ( أخالك ) فبفتح الهمزة وكسرها ، وهو أشهر ، ومعناه أظنك . والمبير المهلك . وقولها في الكذاب : ( فرأيناه ) تعني به المختار بن أبي عبيد الثقفي ، كان شديد الكذب ، ومن [ ص: 79 ] أقبحه ادعى أن جبريل صلى الله عليه وسلم يأتيه . واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد ، وبالمبير الحجاج بن يوسف . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية