الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8600 ) مسألة : قال وإذا كانت الأمة بين شريكين فأصابها أحدهما وأحبلها أدب ولم يبلغ به الحد ، وضمن نصف قيمتها لشريكه وصارت أم ولد له وولده حر ، وإن كان معسرا كان في ذمته نصف مهر مثلها ، وإن لم تحبل منه فعليه نصف مهر مثلها وهي على ملكيهما لا نعلم خلافا بين أهل العلم في تحريم وطء الجارية المشتركة لأن الوطء يصادف ملك غيره من غير نكاح ولم يحله الله تعالى في غير ملك ولا نكاح بدليل قوله تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } وأكثر أهل العلم لا يوجبون فيه حدا لأن له فيها ملكا فكان ذلك شبهة دارئة للحد ، وأوجبه أبو ثور لأنه وطء محرم لأجل كونه في ملك غيره فأشبه ما لو لم يكن فيها ملك ولنا أنه وطء صادف ملكه فلم يوجب به حد كوطء زوجته الحائض ، ويفارق ما لا ملك له فيها فإنه لا شبهة له فيها ، ولهذا لو سرق عينا له نصفها لم يقطع ولو لم يكن له فيها ملك قطع ، ولا خلاف في أنه يعزر لما ذكرناه في حجة أبي ثور ، من لا يخلو من حالين إما أن لا تحمل منه فهي باقية على ملكهما وعليه نصف مهر مثلها لأنه وطء سقط فيه الحد للشبهة فأوجب مهر المثل كما لو وطئها يظنها امرأته وسواء كانت مطاوعة أو مكرهة لما ذكرنا ، ولأن وطء جارية غيره يوجب المهر وإن طاوعت لأن المهر لسيدها فلا يسقط بمطاوعتها كما لو أدبت في قطع عضو من أعضائها ، ويكون الواجب نصف المهر بقدر ملك الشريك فيها . الحال الثاني أن يحبلها وتضع ما يتبين فيه بعض خلق الإنسان فإنها تصير بذلك أم ولد للواطئ كما لو كانت خالصة له وتخرج بذلك من ملك الشريك كما تخرج بالإعتاق ، وسواء كان الواطئ موسرا أو معسرا لأن الإيلاد أقوى من الإعتاق ويلزمه نصف قيمتها لأنه أخرج نصفها من ملك الشريك فلزمته قيمته كما لو [ ص: 294 ] أخرجه بالإعتاق أو الإتلاف .

                                                                                                                                            فإن كان موسرا أداه وإن كان معسرا فهو في ذمته كما لو أتلفها والولد حر يلحق نسبه بوالده لأنه من وطء في محل له فيه ملك فأشبه ما لو وطئ زوجته . وقال القاضي الصحيح عندي أنه لا يقوم عليه نصيب شريكه إذا كان معسرا بل يصح نصفها أم ولد ونصفها قنا باقيا في ملك الشريك لأن الإحبال كالعتق ويجري مجراه في التقويم والسراية ، فأعتقت في سرايته اليسار كالعتق ، وهذا قول أبي الخطاب أيضا ، ومذهب الشافعي فعلى هذا إذا ولدت احتمل أن يكون الولد كله حرا لاستحالة انعقاد الولد من حر وعبد ، واحتمل أن يكون نصفه حرا ونصفه رقيقا لأن نصف أمه أم ولد ونصفها قن لغير الواطئ فكان نصف الولد حرا ونصفه رقيقا كولد المعتق بعضها ، وبهذا يتبين أنه لم يستحل انعقاد الولد من حر وقن ، ووجه قول الخرقي أن بعضها أم ولد فكان جميعها أم ولد كما لو كان الواطئ موسرا ، ويفارق العتاق فإن الاستيلاد أقوى ولهذا ينفذ من جميع المال من المريض ومن الصبي والمجنون ، والإعتاق بخلافه .

                                                                                                                                            ( 8601 ) فصل : قال أبو الخطاب : وهل تلزمه قيمة الولد ومهر الأمة ؟ على وجهين ; أحدهما ، لا يلزمه ذلك . وهو ظاهر قول الخرقي ; لأنه لم يذكرهما ، لأن الأمة صارت مملوكة له ، فلم يلزمه مهر مملوكته ، ولا قيمة ولدها ; ولأن الولد خلق حرا ، فلم يقوم عليه ولده الحر . والوجه الثاني ، يلزمه لشريكه نصف مهر مثلها ، ونصف قيمة ولدها ; لأن الوطء صادف ملك غيره ، وإنما انتقلت بالوطء الموجب للمهر ، فيكون الوطء سبب الملك ، ولا يثبت الحكم إلا بعد تمام سببه ، فيلزم حينئذ تقدم الوطء على ملكه ، فيكون في ملك غيره ، فيوجب مهر المثل وفعله ذلك منع انخلاق الولد على ملك الشريك ، فيجب عليه نصف قيمته ، كولد المغرور .

                                                                                                                                            وقال القاضي : إن وضعت الولد بعد التقويم ، فلا شيء على الواطئ ; لأنها وضعته في ملكه وقت الوجوب حالة الوضع ، ولا حق للشريك فيها ولا في ولدها ، وإن وضعته قبل التقويم ، فهل تلزمه قيمة نصفه ؟ على روايتين ، ذكرهما أبو بكر ، واختار أنه تلزمه قيمته . ( 8602 ) فصل : ولا فرق بين أن يكون له في الأمة ملك كثير أو يسير ، وقد ذكر الخرقي ، فيما إذا وطئ جارية من المغنم ، أنها تصير أم ولد إذا أحبلها ، وإن كان إنما له فيها سهم يسير من أكثر من ألف سهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية