الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8603 ) مسألة : قال ( وإن ملك سهما ممن يعتق عليه بغير الميراث ، وهو موسر ، عتق عليه كله ، وكان لشريكه عليه قيمة حقه منه ، وإن كان معسرا ، لم يعتق عليه إلا مقدار ما ملك ، وإن ملك بعضه بالميراث ، لم يعتق منه إلا مقدار ما ملك ، موسرا كان أو معسرا ) قد ذكرنا فيما تقدم أن من ملك ذا رحم محرم ، فهو حر ; لما روى سمرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من ملك ذا رحم محرم ، فهو حر } . رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي .

                                                                                                                                            وروى ضمرة ، عن سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، [ ص: 295 ] عن ابن عمر ، رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : { من ملك ذا رحم محرم ، فهو حر } . وسئل أحمد عن ضمرة ، فقال : ثقة ، إلا أنه روى حديثين ليس لهما أصل ; أحدهما ، هذا الحديث . وروي عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عمر ، أنه قال : { من ملك ذا رحم محرم ، فهو حر } . وقد ذكرنا هذا وما فيه من الخلاف فيما تقدم . فأما إن ملك سهما ممن يعتق عليه ، مثل أن يملك سهما من ولده ، فإنه يعتق عليه ما ملك منه ، سواء ملكه بعوض ، أو بغير عوض ، كالهبة والاغتنام والوصية ، وسواء ، ملكه باختياره ، كالذي ذكرناه ، أو بغير اختياره ، كالميراث ; لأن كل ما يعتق به الكل يعتق به البعض ، كالإعتاق بالقول ، ثم ينظر ; فإن كان معسرا ، لم يسر العتق ، واستقر في ذلك الجزء ، ورق الباقي ; لأنه لو أعتقه بقوله ، لم يسر إعتاقه مع تصريحه بالعتق وقصده إياه ، فهاهنا أولى .

                                                                                                                                            وإن كان موسرا ، وكان الملك باختياره ، كالملك بغير الميراث ، سرى إلى باقيه ، فيعتق جميع العبد ، ولزمه لشريكه قيمة باقيه لأنه فوته عليه . وبهذا قال مالك ، والشافعي ، وأبو يوسف . وقال قوم : لا يعتق عليه إلا ما ملك ، سواء ملكه بشراء أو غيره ; لأن هذا لم يعتقه ، وإنما عتق عليه بحكم الشرع عن غير اختيار منه ، فلم يسر ، كما لو ملكه بالميراث ، وفارق ما أعتقه ; لأنه فعله باختياره ، قاصدا إليه .

                                                                                                                                            ولنا أنه فعل سبب العتق اختيارا منه ، وقصدا إليه ، فسرى ، ولزمه الضمان ، كما لو وكل من أعتق نصيبه ، وفارق الميراث ، فإنه حصل من غير قصده ، ولا فعله ، ولأن من باشر سبب السراية اختيارا ، لزمه ضمانها ، كمن جرح إنسانا ، فسرى جرحه ، ولأن مباشرته لما يسري ، وتسببه إليه في لزوم حكم السراية واحد ، بدليل استواء الحافز والدافع في ضمان الواقع . فأما إن ملكه بالميراث ، لم يسر العتق فيه ، واستقر فيما ملكه ، ورق الباقي ، سواء كان موسرا أو معسرا ; لأنه لم يتسبب إلى إعتاقه ، وإنما حصل بغير اختياره . وبهذا قال مالك ، والشافعي ، وأبو يوسف .

                                                                                                                                            وعن أحمد ما يدل على أنه يسري إلى نصيب شريكه ، إذا كان موسرا ; لأنه عتق عليه بعضه وهو موسر ، فسرى إلى باقيه ، كما لو وصى له به فقبله . والمذهب الأول لأنه لم يعتقه ، ولا تسبب إليه ، فلم يضمن ، ولم يسر ، كالأجنبي ، وفارق ما تسبب إليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية