الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 320 ] النوع الثالث والثلاثون .

في تخفيف الهمز .

فيه تصانيف مفردة :

اعلم أن الهمز لما كان أثقل الحروف نطقا ، وأبعدها مخرجا ، تنوع العرب في تخفيفه بأنواع التخفيف ، وكانت قريش وأهل الحجاز أكثرهم له تخفيفا ، ولذلك أكثر ما يرد تخفيفه من طرقهم ; كابن كثير من رواية ابن فليح ، وكنافع من رواية ورش ، وكأبي عمرو ; فإن مادة قراءته عن أهل الحجاز .

وقد أخرج ابن عدي من طريق موسى بن عبيدة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : ما همز رسول الله ولا أبو بكر ولا عمر ولا الخلفاء ، وإنما الهمز بدعة ابتدعوها من بعدهم .

قال أبو شامة : هذا حديث لا يحتج به ، وموسى بن عبيدة الربذي ضعيف عند أئمة الحديث .

قلت : وكذا الحديث الذي أخرجه الحاكم في المستدرك ، من طريق حمران بن أعين ، عن أبي الأسود الدؤلي ، عن أبي ذر قال : جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا نبيء الله . فقال : لست بنبيء الله ولكني نبي الله .

قال الذهبي حديث منكر ، وحمران رافضي ليس بثقة .

وأحكام الهمز كثيرة لا يحصيها أقل من مجلد ، والذي نورده هنا : أن تحقيقه أربعة أنواع :

[ ص: 321 ] أحدها : النقل لحركته إلى الساكن قبله ، فيسقط نحو : قد أفلح [ المؤمنون : 1 ] بفتح الدال ، وبه قرأ نافع من طريق ورش ، وذلك حيث كان الساكن صحيحا آخرا والهمزة أولا .

واستثنى أصحاب يعقوب عن ورش : كتابيه إني ظننت [ الحاقة : 19 - 20 ] فسكنوا الهاء وحققوا الهمزة ، وأما الباقون فخففوا وسكنوا في جميع القرآن .

وثانيها : الإبدال بأن تبدل الهمزة الساكنة حرف مد من جنس حركة ما قبلها . فتبدل ألفا بعد الفتح ، نحو : وأمر أهلك [ طه : 132 ] . واوا بعد الضم نحو : ( يومنون ) وياء بعد الكسر ، نحو : ( جيت ) وبه يقرأ أبو عمرو . وسواء كانت الهمزة فاء أم عينا أم لاما ، إلا أن يكون سكونها جزما ، نحو : ننسها [ البقرة : 106 ] أو بناء نحو : ( أرجئه ) أو يكون ترك الهمز فيه أثقل ، وهو وتؤوي إليك في [ الأحزاب : 51 ] ، أو يوقع في الالتباس ، وهو ورئيا في [ مريم : 74 ] فإن تحركت فلا خلاف عنه في التحقيق نحو : يئوده [ البقرة : 255 ] .

ثالثها : التسهيل بينها وبين حركتها :

فإن اتفق الهمزتان في الفتح : سهل الثانية الحرميان وأبو عمرو وهشام ، وأبدلها ورش ألفا ، وابن كثير لا يدخل قبلها ألفا ، وقالون وهشام وأبو عمرو يدخلونها ، والباقون من السبعة يحققون .

وإن اختلفا بالفتح والكسر : سهل الحرميان وأبو عمرو الثانية ، وأدخل قالون وأبو عمرو قبلها ألفا ، والباقون يحققون .

أو بالفتح والضم ، وذلك في قل أؤنبئكم [ آل عمران : 15 ] أؤنزل عليه الذكر [ ص : 8 ] أؤلقي [ القمر : 25 ] فقط ، فالثلاثة يسهلون ، وقالون يدخل ألفا ، والباقون يحققون .

قال الداني : وقد أشار الصحابة إلى التسهيل بكتابة الثانية واوا .

رابعها : الإسقاط بلا نقل : وبه قرأ أبو عمرو ، إذا اتفقا في الحركة وكانا في كلمتين فإن اتفقا كسرا نحو : هؤلاء إن كنتم [ البقرة : 31 ] جعل ورش وقنبل : الثانية كياء ساكنة . وقالون والبزي : الأولى كياء مكسورة ، وأسقطها أبو عمرو ، والباقون يحققون .

وإن اتفقا فتحا ، نحو : جاء أجلهم [ الأعراف : 34 ] جعل ورش وقنبل الثانية كمدة ، وأسقط الثلاثة الأولى ، والباقون يحققون .

أو ضما ، وهو : أولياء أولئك [ الأحقاف : 32 ] فقط أسقطها أبو عمرو ، وجعلها قالون والبزي كواو مضمومة ، والآخران يجعلان الثانية كواو ساكنة ، والباقون يحققون .

ثم اختلفوا في الساقط : هل هو الأولى أو الثانية ؟ الأول عن أبي عمرو والثاني عن الخليل من النحاة .

وتظهر فائدة الخلاف في المد ، فإن كان الساقط الأولى فهو منفصل ، أو الثانية فهو متصل .

التالي السابق


الخدمات العلمية