الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          لمم

                                                          لمم : اللم : الجمع الكثير الشديد . واللم : مصدر لم الشيء يلمه لما جمعه وأصلحه . ولم الله شعثه يلمه لما : جمع ما تفرق من أموره وأصلحه . وفي الدعاء : لم الله شعثك أي جمع الله لك ما يذهب شعثك ؛ قال ابن سيده : أي جمع متفرقك وقارب بين شتيت أمرك . وفي الحديث : اللهم المم شعثنا . وفي حديث آخر : وتلم بها شعثي .

                                                          هو من اللم الجمع أي اجمع ما تشتت من أمرنا .

                                                          ورجل ملم : يلم القوم أي يجمعهم . وتقول : هو الذي يلم أهل بيته وعشيرته ويجمعهم ؛ قال رؤبة :


                                                          فابسط علينا كنفي ملم



                                                          أي مجمع لشملنا أي يلم أمرنا . ورجل ملم معم إذا كان يصلح أمور الناس ويعم الناس بمعروفه . وقولهم : إن داركما لمومة أي تلم الناس وتربهم وتجمعهم ؛ قال فدكي بن أعبد يمدح علقمة بن سيف :


                                                          لأحبني حب الصبي     ولمني لم الهدي إلى الكريم الماجد



                                                          ابن شميل : لمة الرجل أصحابه إذا أرادوا سفرا فأصاب من يصحبه فقد أصاب لمة ، والواحد لمة والجمع لمة . وكل من لقي في سفره ممن يؤنسه أو يرفده لمة .

                                                          وفي الحديث : لا تسافروا حتى تصيبوا لمة أي رفقة . وفي حديث فاطمة ، رضوان الله عليها ، أنها خرجت في لمة من نسائها تتوطأ ذيلها إلى أبي بكر فعاتبته ، أي في جماعة من نسائها ؛ قال ابن الأثير : قيل هي ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقيل : اللمة المثل في السن والترب ؛ قال الجوهري : الهاء عوض من الهمزة الذاهبة من وسطه ، وهو مما أخذت عينه كسه ومه ، وأصلها فعلة من الملاءمة وهي الموافقة . وفي حديث علي ، كرم الله وجهه : ألا وإن معاوية قاد لمة من الغواة أي جماعة . قال : وأما لمة الرجل مثله فهو مخفف . وفي حديث عمر رضي الله عنه : أن شابة زوجت شيخا فقتلته فقال : أيها الناس ليتزوج كل منكم لمته من النساء ولتنكح المرأة لمتها من الرجال أي شكله وتربه وقرنه في السن . ويقال : لك فيه لمة أي أسوة ؛ قال الشاعر :


                                                          فإن نعبر فنحن لنا لمات     وإن نغبر فنحن على ندور



                                                          وقال ابن الأعرابي : لمات أي أشباه وأمثال ، وقوله : ( فنحن على ندور ) أي سنموت لا بد من ذلك . وقوله عز وجل : وتأكلون التراث أكلا لما ؛ قال ابن عرفة : أكلا شديدا ، قال ابن سيده : وهو عندي من هذا الباب ، كأنه أكل يجمع التراث ويستأصله ، والآكل يلم الثريد فيجعله لقما ؛ قال الله عز وجل : وتأكلون التراث أكلا لما ؛ قال الفراء : أي شديدا ، وقال الزجاج : أي تأكلون تراث اليتامى لما أي تلمون بجميعه . وفي الصحاح : أكلا لما أي نصيبه ونصيب [ ص: 236 ] صاحبه . قال أبو عبيدة : يقال لممته أجمع حتى أتيت على آخره . وفي حديث المغيرة : تأكل لما وتوسع ذما أي تأكل كثيرا مجتمعا . وروى الفراء عن الزهري أنه قرأ : وإن كلا لما - منون - ليوفينهم . قال : يجعل اللم شديدا كقوله تعالى : وتأكلون التراث أكلا لما ؛ قال الزجاج : أراد وإن كلا ليوفينهم جمعا لأن معنى اللم الجمع ، تقول : لممت الشيء ألمه لما إذا جمعته . الجوهري : وإن كلا لما ليوفينهم بالتشديد قال الفراء : أصله لمما فلما كثرت فيها الميمات حذفت منها واحدة ، وقرأ الزهري : لما ، بالتنوين ، أي جميعا ؛ قال الجوهري : ويحتمل أن يكون أن صلة لمن من ، فحذفت منها إحدى الميمات ؛ قال ابن بري : صوابه أن يقول ويحتمل أن يكون أصله لمن من ، قال : وعليه يصح الكلام يريد أن لما في قراءة الزهري أصلها لمن من فحذفت الميم ، قال : وقول من قال لما بمعنى إلا ، فليس يعرف في اللغة . قال ابن بري : وحكى سيبويه نشدتك الله لما فعلت بمعنى إلا فعلت ، وقرئ إن كل نفس لما عليها حافظ ؛ أي ما كل نفس إلا عليها حافظ ، وإن كل نفس لعليها حافظ . وورد في الحديث : أنشدك الله لما فعلت كذا ، وتخفف الميم وتكون ما زائدة ، وقرئ بهما لما عليها حافظ . والإلمام واللمم : مقاربة الذنب ، وقيل : اللمم ما دون الكبائر من الذنوب . وفي التنزيل العزيز : الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ؛ وألم الرجل : من اللمم وهو صغار الذنوب ؛ وقال أمية :


                                                          إن تغفر اللهم تغفر جما     وأي عبد لك لا ألما



                                                          ويقال : هو مقاربة المعصية من غير مواقعة . وقال الأخفش : اللمم المقارب من الذنوب ؛ قال ابن بري : الشعر لأمية بن أبي الصلت ؛ قال : وذكر عبد الرحمن عن عمه عن يعقوب عن مسلم بن أبي طرفة الهذلي قال : مر أبو خراش يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول :


                                                          لاهم هذا خامس إن تما     أتمه الله وقد أتما
                                                          إن تغفر اللهم تغفر جما     وأي عبد لك لا ألما



                                                          قال أبو إسحاق : قيل اللمم نحو القبلة والنظرة وما أشبهها ، وذكر الجوهري في فصل نول : إن اللمم التقبيل في قول وضاح اليمن :


                                                          فما نولت حتى تضرعت عندها     وأنبأتها ما رخص الله في اللمم



                                                          وقيل : إلا اللمم : إلا أن يكون العبد ألم بفاحشة ثم تاب ، قال : ويدل عليه قوله تعالى : إن ربك واسع المغفرة ؛ غير أن اللمم أن يكون الإنسان قد ألم بالمعصية ولم يصر عليها ، وإنما الإلمام في اللغة يوجب أنك تأتي في الوقت ولا تقيم على الشيء ، فهذا معنى اللمم ؛ قال أبو منصور : ويدل على صواب قوله قول العرب : ألممت بفلان إلماما وما تزورنا إلا لماما ؛ قال أبو عبيد : معناه الأحيان على غير مواظبة ، وقال الفراء في قوله : إلا اللمم : يقول إلا المتقارب من الذنوب الصغيرة ، قال : وسمعت بعض العرب يقول : ضربته ما لمم القتل ؛ يريدون ضربا متقاربا للقتل ، قال : وسمعت آخر يقول : ألم يفعل كذا في معنى كاد يفعل ، قال : وذكر الكلبي أنها النظرة من غير تعمد ، فهي لمم وهي مغفورة ، فإن أعاد النظر فليس بلمم ، وهو ذنب . وقال ابن الأعرابي : اللمم من الذنوب ما دون الفاحشة . وقال أبو زيد : كان ذلك منذ شهرين أو لممهما ، ومذ شهر ولممه أو قراب شهر . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم ؛ قال أبو عبيد : معناه أو يقرب من القتل ؛ ومنه الحديث الآخر في صفة الجنة : فلولا أنه شيء قضاه الله لألم أن يذهب بصره . يعني لما يرى فيها ، أي لقرب أن يذهب بصره . وقال أبو زيد : في أرض فلان من الشجر الملم كذا وكذا ، وهو الذي قارب أن يحمل . وفي حديث الإفك : وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ، أي قاربت ، وقيل : اللمم مقاربة المعصية من غير إيقاع فعل ، وقيل : هو من اللمم صغار الذنوب . وفي حديث أبي العالية : إن اللمم ما بين الحدين حد الدنيا وحد الآخرة أي صغار الذنوب التي ليست عليها حد في الدنيا ولا في الآخرة . والإلمام : النزول . وقد ألم به أي نزل به . ابن سيده : لم به وألم والتم نزل . وألم به : زاره غبا . الليث : الإلمام الزيارة غبا ، والفعل ألممت به وألممت عليه . ويقال : فلان يزورنا لماما أي في الأحايين . قال ابن بري : اللمام اللقاء اليسير ، واحدتها لمة ، عن أبي عمرو . وفي حديث جميلة : أنها كانت تحت أوس بن الصامت وكان رجلا به لمم ، فإذا اشتد لممه ظاهر من امرأته فأنزل الله كفارة الظهار ، قال ابن الأثير : اللمم هاهنا الإلمام بالنساء وشدة الحرص عليهن ، وليس من الجنون ، فإنه لو ظاهر في تلك الحال لم يلزمه شيء . وغلام ملم : قارب البلوغ والاحتلام . ونخلة ملم وملمة : قاربت الإرطاب . وقال أبو حنيفة : هي التي قاربت أن تثمر . والملمة : النازلة الشديدة من شدائد الدهر ونوازل الدنيا ؛ وأما قول عقيل بن أبي طالب :


                                                          أعيذه من حادثات اللمه



                                                          فيقال : هو الدهر . ويقال : الشدة ، ووافق الرجز من غير قصد ؛ وبعده :


                                                          ومن مريد همه وغمه



                                                          وأنشد الفراء :


                                                          عل صروف الدهر أو دولاتها     تديلنا اللمة من لماتها
                                                          فتستريح النفس من زفراتها



                                                          قال ابن بري : وحكي أن قوما من العرب يخفضون بلعل ، وأنشد :


                                                          لعل أبي المغوار منك قريب



                                                          وجمل ملموم وململم : مجتمع وكذلك الرجل ، ورجل ململم : وهو المجموع بعضه إلى بعض . وحجر ململم : مدملك صلب مستدير ، وقد لملمه إذا أداره . وحكي عن أعرابي : جعلنا نلملم مثل القطا الكدري من الثريد ، وكذلك الطين ، وهي اللملمة . ابن شميل : ناقة ململمة ، وهي المدارة الغليظة الكثيرة اللحم المعتدلة الخلق . وكتيبة ملمومة وململمة : مجتمعة ، وحجر ملموم وطين ملموم ؛ قال أبو النجم يصف هامة جمل :

                                                          [ ص: 237 ]

                                                          ملمومة لما كظهر الجنبل



                                                          وململمة الفيل : خرطومه . وفي حديث سويد بن غفلة : أتانا مصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاه رجل بناقة ململمة فأبى أن يأخذها ، قال : هي المستديرة سمنا ، من اللم الضم والجمع ؛ قال ابن الأثير : وإنما ردها لأنه نهي أن يؤخذ في الزكاة خيار المال . وقدح ملموم : مستدير ؛ عن أبي حنيفة . وجيش لملم : كثير مجتمع ، وحي لملم كذلك ، قال ابن أحمر :


                                                          من دونهم إن جئتهم سمرا     حي حلال لملم عسكر



                                                          وكتيبة ململمة وملمومة أيضا أي مجتمعة مضموم بعضها إلى بعض . وصخرة ملمومة ململمة أي مستديرة صلبة . واللمة : شعر الرأس ، بالكسر ، إذا كان فوق الوفرة ، وفي الصحاح ؛ يجاوز شحمة الأذن ، فإذا بلغت المنكبين فهي جمة . واللمة : الوفرة ، وقيل : فوقها ، وقيل : إذا ألم الشعر بالمنكب فهو لمة ، وقيل : إذا جاوز شحمة الأذن ، وقيل : هو دون الجمة ، وقيل : أكثر منها ، والجمع لمم ولمام ، قال ابن مفرغ :


                                                          شدخت غرة السوابق منهم     في وجوه مع اللمام الجعاد



                                                          وفي الحديث : ما رأيت ذا لمة أحسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، اللمة من شعر الرأس : دون الجمة ، سميت بذلك لأنها ألمت بالمنكبين ، فإذا زادت فهي الجمة . وفي حديث رمثة : فإذا رجل له لمة ؛ يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - . وذو اللمة : فرس سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وذو اللمة أيضا : فرس عكاشة بن محصن . ولمة الوتد : ما تشعث منه ؛ وفي التهذيب : ما تشعث من رأس الموتود بالفهر ؛ قال :


                                                          وأشعث في الدار ذي لمة     يطيل الحفوف ، ولا يقمل



                                                          وشعر ملمم وململم : مدهون ؛ قال :


                                                          وما التصابي للعيون الحلم     بعد ابيضاض الشعر الململم



                                                          العيون هنا سادة القوم ، ولذلك قال الحلم ولم يقل الحالمة . واللمة : الشيء المجتمع . واللمة واللمم ، كلاهما : الطائف من الجن . ورجل ملموم : به لمم ، وملموس وممسوس أي به لمم ومس ، وهو من الجنون . واللمم : الجنون ، وقيل : طرف من الجنون يلم بالإنسان ، وهكذا كل ما ألم بالإنسان طرف منه ؛ وقال عجير السلولي :


                                                          وخالط مثل اللحم واحتل قيده     بحيث تلاقى عامر وسلول



                                                          وإذا قيل : بفلان لمة ، فمعناه أن الجن تلم الأحيان . وفي حديث بريدة : أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكت إليه لمما بابنتها ؛ قال شمر : هو طرف من الجنون يلم بالإنسان أي يقرب منه ويعتريه ، فوصف لها الشونيز ، وقال : سينفع من كل شيء إلا السام وهو الموت . ويقال : أصابت فلانا من الجن لمة ، وهو المس والشيء القليل ؛ قال ابن مقبل :


                                                          فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن     إلا كلمة حالم بخيال



                                                          قال ابن بري : قوله فإذا وذلك مبتدأ ، والواو زائدة ؛ قال : كذا ذكره الأخفش ولم يكن خبره ، وأنشد ابن بري لحباب بن عمار السحيمي :


                                                          بنو حنيفة حي حين تبغضهم     كأنهم جنة أو مسهم لمم



                                                          واللامة : ما تخافه من مس أو فزع . واللامة : العين المصيبة وليس لها فعل ، هو من باب دارع . وقال ثعلب : اللامة ما ألم بك ونظر إليك ؛ قال ابن سيده : وهذا ليس بشيء . والعين اللامة : التي تصيب بسوء . يقال : أعيذه من كل هامة ولامة . وفي حديث ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين ، وفي رواية : أنه عوذ ابنيه ، قال : وكان أبوكم إبراهيم يعوذ إسحاق و يعقوب بهؤلاء الكلمات : أعيذكما بكلمة الله التامة من كل شيطان وهامة ، وفي رواية : من شر كل سامة ، ومن كل عين لامة ؛ قال أبو عبيد : قال لامة ولم يقل ملمة ، وأصلها من ألممت بالشيء تأتيه وتلم به ليزاوج قوله من شر كل سامة ، وقيل : لأنه لم يرد طريق الفعل ، ولكن يراد أنها ذات لمم فقيل على هذا لامة كما قال النابغة :


                                                          كليني لهم يا أميمة ناصب



                                                          ولو أراد الفعل لقال منصب . وقال الليث : العين اللامة هي العين التي تصيب الإنسان ، ولا يقولون لمته العين ولكن حمل على النسب بذي وذات . وفي حديث ابن مسعود قال : لابن آدم لمتان : لمة من الملك ، ولمة من الشيطان ، فأما لمة الملك فاتعاد بالخير وتصديق بالحق وتطييب بالنفس ، وأما لمة الشيطان فاتعاد بالشر وتكذيب بالحق وتخبيث بالنفس . وفي الحديث : فأما لمة الملك فيحمد الله عليها ويتعوذ من لمة الشيطان ؛ قال شمر : اللمة الهمة والخطرة تقع في القلب ؛ قال ابن الأثير : أراد إلمام الملك أو الشيطان به والقرب منه ، فما كان من خطرات الخير فهو من الملك ، وما كان من خطرات الشر فهو من الشيطان . واللمة : كالخطرة والزورة والأتية ؛ قال أوس بن حجر :


                                                          وكان ، إذا ما التم منها بحاجة     يراجع هترا من تماضر هاترا



                                                          يعني داهية ، جعل تماضر اسم امرأة داهية . قال : والتم من اللمة أي زار ، وقيل في قوله للشيطان لمة أي دنو ، وكذلك للملك لمة أي دنو . ويلملم وألملم على البدل : جبل ، وقيل : موضع ، وقال ابن جني : هو ميقات ، وفي الصحاح : ميقات أهل اليمن . قال ابن سيده ؛ ولا أدري ما عنى بهذا اللهم إلا أن يكون الميقات هنا معلما من معالم الحج ، التهذيب : هو ميقات أهل اليمن للإحرام بالحج موضع بعينه . التهذيب : وأما لما ، مرسلة الألف مشددة الميم غير منونة ، فلها معان في كلام العرب : أحدها أنها تكون بمعنى الحين إذا ابتدئ بها ، أو كانت معطوفة بواو أو فاء وأجيبت بفعل يكون جوابها كقولك : لما جاء القوم قاتلناهم أي حين جاءوا كقول الله عز وجل : ولما ورد ماء مدين ؛ وقال : فلما بلغ معه السعي قال يابني معناه كله حين ؛ وقد يقدم الجواب عليها فيقال : استعد القوم لقتال العدو لما أحسوا بهم أي حين أحسوا بهم ، وتكون لما بمعنى لم الجازمة ؛ قال الله عز وجل : بل لما يذوقوا عذاب ؛ أي لم يذوقوه ، وتكون بمعنى إلا [ ص: 238 ] في قولك : سألتك لما فعلت ، بمعنى إلا فعلت ، وهي لغة هذيل بمعنى إلا إذا أجيب بها إن التي هي جحد كقوله عز وجل : إن كل نفس لما عليها حافظ ؛ فيمن قرأ به ، معناه ما كل نفس إلا عليها حافظ ، ومثله قوله تعالى : وإن كل لما جميع لدينا محضرون ؛ شددها عاصم ، والمعنى ما كل إلا جميع لدينا . وقال الفراء : لما إذا وضعت في معنى إلا فكأنها لم ضمت إليها ما ، فصارا جميعا بمعنى إن التي تكون جحدا ، فضموا إليها لا فصارا جميعا حرفا واحدا وخرجا من حد الجحد ، وكذلك لما ؛ قال : ومثل ذلك قولهم : لولا إنما هي لو ولا جمعتا ، فخرجت لو من حدها ولا من الجحد إذ جمعتا فصيرتا حرفا ؛ قال : وكان الكسائي يقول لا أعرف وجه لما بالتشديد ؛ قال أبو منصور : ومما يدلك على أن لما تكون بمعنى إلا مع إن التي تكون جحدا قول الله عز وجل : إن كل إلا كذب الرسل ؛ وهي قراءة قراء الأمصار ؛ وقال الفراء : وهي في قراءة عبد الله : إن كلهم لما كذب الرسل ، قال : والمعنى واحد . وقال الخليل : لما تكون انتظارا لشيء متوقع ، وقد تكون انقطاعة لشيء قد مضى ؛ قال أبو منصور : وهذا كقولك : لما غاب قمت . قال الكسائي : لما تكون جحدا في مكان ، وتكون وقتا في مكان ، وتكون انتظارا لشيء متوقع في مكان ، وتكون بمعنى إلا في مكان ؛ تقول : بالله لما قمت عنا ، بمعنى إلا قمت عنا ، وأما قوله عز وجل : وإن كلا لما ليوفينهم ؛ فإنها قرئت مخففة ومشددة ، فمن خففها جعل ما صلة ، المعنى وإن كلا ليوفينهم ربك أعمالهم ، واللام في لما لام إن ، وما زائدة مؤكدة لم تغير المعنى ولا العمل ؛ وقال الفراء في لما هاهنا ، بالتخفيف ، قولا آخر جعل ما اسما للناس ، كما جاز في قوله تعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء ؛ أن تكون بمعنى من طاب لكم ، المعنى وإن كلا لما ليوفينهم ؛ وأما اللام التي في قوله ليوفينهم فإنها لام دخلت على نية يمين فيما بين ما وبين صلتها ، كما تقول هذا من ليذهبن ، وعندي من لغيره خير منه ؛ ومثله قوله عز وجل : وإن منكم لمن ليبطئن ؛ وأما من شدد لما من قوله لما ليوفينهم ، فإن الزجاج جعلها بمعنى إلا ، وأما الفراء فإنه زعم أن معناه لمن ما ، ثم قلبت النون ميما فاجتمعت ثلاث ميمات ، فحذفت إحداهن وهي الوسطى فبقيت لما ؛ قال الزجاج : وهذا القول ليس بشيء أيضا لأن من . . . لا يجوز حذفها لأنها اسم على حرفين ، قال : وزعم المازني أن لما أصلها لما ، خفيفة ، ثم شددت الميم ؛ قال الزجاج : وهذا القول ليس بشيء أيضا لأن الحروف نحو رب وما أشبهها يخفف ، ولا يثقل ما كان خفيفا فهذا منتقض ، قال : وهذا جميع ما قالوه في لما مشددة ، وما ولما مخففتان مذكورتان في موضعهما . ابن سيده : ومن خفيفه لم وهو حرف جازم ينفى به ما قد مضى ، وإن لم يقع بعده إلا بلفظ الآتي . التهذيب : وأما لم فإنه لا يليها إلا الفعل الغابر وهي تجزمه كقولك : لم يفعل ولم يسمع ، قال الله تعالى : لم يلد ولم يولد ؛ قال الليث : لم عزيمة فعل قد مضى ، فلما جعل الفعل معها على جهة الفعل الغابر جزم ، وذلك قولك : لم يخرج زيد إنما معناه لا خرج زيد ، فاستقبحوا هذا اللفظ في الكلام فحملوا الفعل على بناء الغابر ، فإذا أعيدت لا ولا مرتين أو أكثر حسن حينئذ ، لقول الله عز وجل : فلا صدق ولا صلى ؛ أي لم يصدق ولم يصل قال : وإذا لم يعد لا فهو في المنطق قبيح ، وقد جاء قال أمية :


                                                          وأي عبد لك لا ألما



                                                          أي لم يلم . الجوهري : لم حرف نفي لما مضى ، تقول : لم يفعل ذاك ، تريد أنه لم يكن ذلك الفعل منه فيما مضى من الزمان ، وهي جازمة ، وحروف الجزم : لم ولما وألم وألما ؛ قال سيبويه : لم نفي لقولك هو يفعل إذا كان في حال الفعل ، ولما نفي لقولك قد فعل ، يقول الرجل : قد مات فلان ، فتقول : لما ولم يمت ، ولما أصله لم أدخل عليه ما ، وهو يقع موقع لم ، تقول : أتيتك ولما أصل إليك أي ولم أصل إليك ؛ قال : وقد يتغير معناه عن معنى لم فتكون جوابا وسببا لما وقع ولما لم يقع ؛ تقول : ضربته لما ذهب ولما لم يذهب ، وقد يختزل الفعل بعده تقول : قاربت المكان ولما ، تريد ولما أدخله ؛ وأنشد ابن بري :


                                                          فجئت قبورهم بدءا ولما     فناديت القبور فلم تجبنه



                                                          البدء : السيد أي سدت بعد موتهم ، وقوله : ولما أي ولما أكن سيدا ، قال : ولا يجوز أن يختزل الفعل بعد لم . وقال الزجاج : لما جواب لقول القائل قد فعل فلان ، فجوابه : لما يفعل ، وإذا قال فعل فجوابه : لم يفعل ، وإذا قال لقد فعل ، فجوابه : ما فعل ، كأنه قال : والله لقد فعل ، فقال المجيب والله ما فعل ، وإذا قال : هو يفعل ، يريد ما يستقبل ، فجوابه : لن يفعل ولا يفعل ، قال : وهذا مذهب النحويين . قال : ولم ، بالكسر ، حرف يستفهم به ، تقول : لم ذهبت ؟ ولك أن تدخل عليه ما ثم تحذف منه الألف ، قال الله تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم ؛ ولك أن تدخل عليها الهاء في الوقف فتقول لمه ، وقول زياد الأعجم :


                                                          يا عجبا والدهر جم عجبه     من عنزي سبني لم أضربه



                                                          فإنه لما وقف على الهاء نقل حركتها إلى ما قبلها ، والمشهور في البيت الأول :


                                                          عجبت والدهر كثير عجبه



                                                          قال ابن بري : قول الجوهري : لم حرف يستفهم به ، تقول لم ذهبت ؟ ولك أن تدخل عليه ما قال : وهذا كلام فاسد لأن ما هي موجودة في لم ، واللام هي الداخلة عليها ، وحذفت ألفها فرقا بين الاستفهامية والخبرية ، وأما ألم فالأصل فيها لم أدخل عليها ألف الاستفهام ، قال : وأما لم فإنها ما التي تكون استفهاما وصلت بلام ، وسنذكرها مع معاني اللامات ووجوهها ، إن شاء الله تعالى .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية