الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8707 ) مسألة : قال : ( ويعطى مما كوتب عليه الربع ; لقول الله تعالى : { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } ) الكلام في الإيتاء في خمسة فصول : وجوبه ، وقدره ، وجنسه ، ووقت جوازه ، ووقت وجوبه . ( 8708 ) أما الأول : فإنه يجب على السيد إيتاء المكاتب شيئا مما كوتب عليه . روي ذلك عن علي رضي الله عنه . وبه قال الشافعي ، وإسحاق .

                                                                                                                                            وقال بريدة ، والحسن ، والنخعي ، والثوري ، ومالك ، وأبو حنيفة : ليس بواجب ; لأنه عقد معاوضة ، فلا يجب فيه الإيتاء ، كسائر عقود المعاوضات .

                                                                                                                                            ولنا ، قول الله تعالى : { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } . وظاهر الأمر الوجوب ، قال علي رضي الله عنه في تفسيرها : ضعوا عنهم ربع مال الكتابة . وعن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : ضعوا عنهم من مكاتبتهم شيئا .

                                                                                                                                            وتخالف الكتابة سائر العقود ; فإن القصد بها الرفق بالعبد ، بخلاف غيرها ، ولأن الكتابة يستحق بها الولاء على العبد مع المعاوضة ، فلذلك يجب أن يستحق العبد على السيد شيئا . فإن قيل : المراد بالإيتاء ، إعطاؤه سهما من الصدقة ، أو الندب إلى التصدق عليه ، وليس ذلك بواجب ، بدليل أن العقد يوجب العوض عليه ، فكيف يقتضي إسقاط شيء منه ؟ قلنا : أما الأول ، فإن عليا وابن عباس رضي الله عنهما ، فسراه بما ذكرناه ، وهما أعلم بتأويل القرآن ، وحمل الأمر على الندب يخالف مقتضى الأمر ، فلا يصار إليه إلا بدليل .

                                                                                                                                            وقولهم : إن العقد يوجب عليه ، فلا يسقط عنه . قلنا : إنما يجب للرفق به عند آخر كتابته ، مواساة له ، وشكرا لنعمة الله تعالى ، كما تجب الزكاة مواساة من النعم التي أنعم الله تعالى بها على عبده ، ولأن العبد ولي جمع هذا المال ، وتعب فيه ، فاقتضى الحال مواساته منه ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطعامه من الطعام الذي ولي حره ودخانه ، واختص هذا بالوجوب ; لأن فيه معونة على العتق ، وإعانة لمن يحق على الله تعالى عونه ، فإن أبا هريرة ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ثلاثة حق على الله تعالى عونهم ، المجاهد في سبيل الله ، والمكاتب الذي يريد الأداء ، والناكح الذي يريد العفاف } . أخرجه الترمذي ، وقال : حديث حسن .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية