الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ليس

                                                          ليس : الليس : اللزوم . والأليس : الذي لا يبرح بيته ، والليس أيضا : الشدة ، وقد تليس . وإبل ليس على الحوض إذا قامت عليه فلم تبرحه . وإبل ليس : ثقال لا تبرح ؛ قال عبدة بن الطبيب :


                                                          إذا ما حام راعيها استحنت لعبدة منتهى الأهواء ليس



                                                          ليس لا تفارقه منتهى أهوائها ، وأراد لعطن عبدة أي أنها تنزع إليه إذا حام راعيها . ورجل أليس أي شجاع بين الليس من قوم ليس . ويقال للشجاع : هو أهيس أليس ؛ وكان في الأصل أهوس أليس ، فلما ازدوج الكلام قلبوا الواو ياء ، فقالوا : أهيس . والأهوس : الذي يدق كل شيء ويأكله ، والأليس : الذي يبازج قرنه وربما ذموه [ ص: 265 ] بقولهم أهيس أليس ، فإذا أرادوا الذم عني بالأهيس الأهوس ، وهو الكثير الأكل ، وبالأليس الذي لا يبرح بيته ، وهذا ذم . وفي الحديث عن أبي الأسود الدؤلي : فإنه أهيس أليس ؛ الأليس : الذي لا يبرح مكانه . والأليس : البعير يحمل كل ما حمل . بعض الأعراب : الأليس : الديوث الذي لا يغار ويتهزأ به ، فيقال : هو أليس بورك فيه ! فالليس يدخل في المعنيين في المدح والذم ، وكل لا يخفى على المتفوه به . ويقال : تلايس الرجل إذا كان حمولا حسن الخلق . وتلايست عن كذا وكذا أي غمضت عنه . وفلان أليس : دهثم حسن الخلق . الليث : الليس مصدر الأليس ، وهو الشجاع الذي لا يبالي الحرب ولا يروعه ؛ وأنشد :


                                                          أليس عن حوبائه سخي



                                                          يقوله العجاج وجمعه ليس ؛ قال الشاعر :


                                                          تخال نديهم مرضى حياء     وتلقاهم غداة الروع ليسا



                                                          وفي الحديث : كل ما أنهر الدم فكل ليس السن والظفر ؛ معناه إلا السن والظفر . وليس : من حروف الاستثناء كإلا ، والعرب تستثني بليس فتقول : قام القوم ليس أخاك وليس أخويك ، وقام النسوة ليس هندا ، وقام القوم ليسي وليسني وليس إياي ؛ أنشد :


                                                          قد ذهب القوم الكرام ليسي



                                                          وقال آخر :


                                                          وأصبح ما في الأرض مني تقية     لناظره ، ليس العظام العواليا



                                                          قال ابن سيده : وليس من حروف الاستثناء ؛ تقول : أتى القوم ليس زيدا أي ليس الآتي ، لا يكون إلا مضمرا فيها . قال الليث : ليس كلمة جحود . قال الخليل : وأصله لا أيس فطرحت الهمزة وألزقت اللام بالياء ؛ وقال الكسائي : ليس يكون جحدا ويكون استثناء ينصب به كقولك ذهب القوم ليس زيدا يعني ما عدا زيدا ، ولا يكون أبدا ويكون بمعنى إلا زيدا ؛ وربما جاءت ليس بمعنى لا التي ينسق بها كقول لبيد :


                                                          إنما يجزي الفتى ليس الجمل



                                                          إذا أعرب ليس الجمل لأن ليس هاهنا بمعنى لا النسقية . وقال سيبويه : أراد ليس يجزي الجمل وليس الجمل يجزي ؛ قال : وربما جاءت ليس بمعنى لا التبرئة . قال ابن كيسان : ليس من حروف جحد ، وتقع في ثلاثة مواضع : تكون بمنزلة كان ترفع الاسم وتنصب الخبر ، تقول ليس زيد قائما وليس قائما زيد ، ولا يجوز أن يقدم خبرها عليها لأنها لا تصرف ، وتكون ليس استثناء ، فتنصب الاسم بعدها كما تنصبه بعد إلا ، تقول جاءني القوم ليس زيدا وفيها مضمر لا يظهر ، وتكون نسقا بمنزلة لا ، تقول جاءني عمرو ليس زيد ؛ قال لبيد :


                                                          إنما يجزي الفتى ليس الجمل



                                                          قال الأزهري : وقد صرفوا ليس تصريف الفعل الماضي فثنوا وجمعوا وأنثوا فقالوا ليس وليسا وليسوا وليست المرأة وليستا ولسن ، ولم يصرفوها في المستقبل . وقالوا : لست أفعل ولسنا نفعل . وقال أبو حاتم : من اسمح أنا ليس مثلك والصواب لست مثلك لأن ليس فعل واجب فإنما يجاء به للغائب المتراخي ، تقول : عبد الله ليس مثلك ؛ وتقول : جاءني القوم ليس أباك وليسك أي غير أبيك وغيرك ، وجاءك القوم ليس أباك وليسني ، بالنون ، بمعنى واحد . التهذيب : وبعضهم يقول ليسني بمعنى غيري . ابن سيده : وليس كلمة نفي وهي فعل ماض ، قال : وأصلها ليس بكسر الياء فسكنت استثقالا ، ولم تقلب ألفا لأنها لا تتصرف من حيث استعملت بلفظ الماضي للحال ، والذي يدل على أنها فعل وإن لم تتصرف تصرف الأفعال قولهم لست ولستما ولستم كقولهم ضربت وضربتما وضربتم ، وجعلت من عوامل الأفعال نحو كان وأخواتها التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار ، إلا أن الباء تدخل في خبرها وحدها دون أخواتها ، تقول ليس زيد بمنطلق ، فالباء لتعدية الفعل وتأكيد النفي ، ولك أن لا تدخلها ؛ لأن المؤكد يستغنى عنه ، ولأن من الأفعال ما يتعدى مرة بحرف جر ومرة بغير حرف نحو اشتقتك واشتقت إليك ، ولا يجوز تقديم خبرها عليها كما جاز في أخواتها ، لا تقول محسنا ليس زيد ، قال : وقد يستثنى بها ، تقول : جاءني القوم ليس زيدا ، كما تقول إلا زيدا ، تضمر اسمها فيها وتنصب خبرها بها كأنك قلت ليس الجائي زيدا ، وتقديره جاءني القوم ليس بعضهم زيدا ؛ ولك أن تقول جاءني القوم ليسك ، إلا أن المضمر المنفصل هاهنا أحسن كما قال الشاعر :


                                                          ليت هذا الليل شهر     لا نرى فيه غريبا
                                                          ليس إياي وإيا     ك ولا نخشى رقيبا



                                                          ولم يقل : ليسني وليسك ، وهو جائز إلا أن المنفصل أجود . وفي الحديث أنه قال لزيد الخيل : ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون الصفة ليسك أي إلا أنت ؛ قال ابن الأثير : وفي ليسك غرابة فإن أخبار كان وأخواتها إذا كانت ضمائر فإنما يستعمل فيها كثيرا المنفصل دون المتصل ، تقول ليس إياي وإياك ؛ قال سيبويه : وليس كلمة ينفى بها ما في الحال فكأنها مسكنة من نحو قوله صد كما قالوا علم ذلك في علم ذلك ، قال : فلم يجعلوا اعتلالها إلا لزوم الإسكان إذ كثرت في كلامهم ولم يغيروا حركة الفاء ، وإنما ذلك لأنه لا مستقبل منها ولا اسم فاعل ولا مصدر ولا اشتقاق .

                                                          فلما لم تصرف تصرف أخواتها جعلت بمنزلة ما ليس من الفعل نحو ليت ؛ وأما قول بعض الشعراء :


                                                          يا خير من زان سروج الميس     قد رست الحاجات عند قيس
                                                          إذا لا يزال مولعا بليس



                                                          فإنه جعلها اسما وأعربها . وقال الفراء : أصل ليس لا أيس ، ودليل ذلك قول العرب ائتني به من حيث أيس وليس ، وجئ به من أيس وليس أي من حيث هو وليس هو ؛ قال سيبويه : وقالوا لست كما قالوا مست ولم يقولوا لست كما قالوا خفت ؛ لأنه لم يتمكن تمكن الأفعال ، وحكى أبو علي أنهم يقولون : جيء به من حيث وليسا ؛ يريدون وليس ، فيشبعون فتحة السين إما لبيان الحركة في [ ص: 266 ] الوقف وإما كما لحقت بينا في الوصل . وإلياس وألياس : اسم ؛ قال ابن سيده : أراه عبرانيا جاء في التفسير أنه إدريس ، وروي عن ابن مسعود : وإن إدريس ، مكان : وإن إلياس لمن المرسلين ؛ ومن قرأ : على إلياسين ، فعلى أنه جعل كل واحد من أولاده أو أعمامه إلياسا فكان يجب على هذا أن يقرأ على الإلياسين ، ورويت : سلام على إدراسين ، وهذه المادة أولى به من باب ألس ؛ قال ابن سيده : وكذلك نقلته عنه اطرادا لمذهب سيبويه أن الهمزة إذا كانت أولى أربعة حكم بزيادتها حتى يثبت كونها أصلا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية