الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          مأي

                                                          مأي : مأيت في الشيء أمأى مأيا : بالغت . ومأى الشجر مأيا : طلع ، وقيل : أورق . ومأوت الجلد والدلو والسقاء مأوا ، ومأيت السقاء مأيا إذا وسعته ومددته حتى يتسع . وتمأى الجلد يتمأى تمئيا توسع ، وتمأت الدلو كذلك ، وقيل : تمئيها امتدادها ، وكذلك الوعاء ، تقول : تمأى السقاء والجلد فهو يتمأى تمئيا وتمؤوا ، إذا مددته فاتسع ، وهو تفعل ، وقال :


                                                          دلو تمأى دبغت بالحلب أو بأعالي السلم المضرب     بلت بكفي عزب مشذب
                                                          إذا اتقتك بالنفي الأشهب     فلا تقعسرها ولكن صوب



                                                          وقال الليث : المأي النميمة بين القوم . مأيت بين القوم : أفسدت ، وقال الليث : مأوت بينهم إذا ضربت بعضهم ببعض ، ومأيت إذا دببت بينهم بالنميمة ، وأنشد :


                                                          ومأى بينهم أخو نكرات     لم يزل ذا نميمة مأآأا

                                                          وامرأة مأآءة : نمامة مثل معاعة ، ومستقبله يمأى . قال ابن سيده : ومأى بين القوم مأيا أفسد ونم . الجوهري : مأى ما بينهم مأيا أي أفسد ; قال العجاج :


                                                          ويعتلون من مأى في الدحس     بالمأس يرقى فوق كل مأس

                                                          والدحس والمأس : الفساد . وقد تمأى ما بينهم أي فسد . وتمأى فيهم الشر : فشا واتسع . وامرأة ماءة ، على مثل ماعة : نمامة مقلوب ، وقياسه مآة على مثال معاة ، وماء السنور يموء مواء ، ومأت السنور كذلك إذا صاحت ، مثل أمت تأمو أماء ، وقال غيره : ماء السنور يموء كمأى . أبو عمرو : أموى إذا صاح صياح السنور . والمائة : عدد معروف ، وهي من الأسماء الموصوف بها ، حكى سيبويه : مررت برجل مائة إبله ، قال : والرفع الوجه ، والجمع مئات ومئون على وزن معون ، ومئ مثال مع ، وأنكر سيبويه هذه الأخيرة ; قال : لأن بنات الحرفين لا يفعل بها كذا ، يعني أنهم لا يجمعون عليها ما قد ذهب منها في الإفراد ثم حذف الهاء في الجمع ; لأن ذلك إجحاف في الاسم ، وإنما هو عند أبي علي المئي . الجوهري في المائة من العدد : أصلها مئى مثل معى ، والهاء عوض من الياء ، وإذا جمعت بالواو والنون قلت : مئون ، بكسر الميم ، وبعضهم يقول : مئون ، بالضم ; قال الأخفش : ولو قلت مئات مثل معات لكان جائزا ; قال ابن بري : أصلها مئي . قال أبو الحسن : سمعت مئيا في معنى مائة عن العرب ، ورأيت هنا حاشية بخط الشيخ رضي الدين الشاطبي اللغوي - رحمه الله - قال : أصلها مئية ، قال أبو الحسن : سمعت مئية في معنى مائة ; قال : كذا حكاه الثمانيني في التصريف ، قال : وبعض العرب يقول مائة درهم ، يشمون شيئا من الرفع في الدال ولا يبينون ، وذلك الإخفاء ، قال ابن بري : يريد مائة درهم بإدغام التاء في الدال من درهم ، ويبقى الإشمام على حد قوله تعالى : ما لك لا تأمنا ، وقول امرأة من بني عقيل تفخر بأخوالها من اليمن ، وقال أبو زيد إنه للعامرية :


                                                          حيدة خالي ولقيط وعلي     وحاتم الطائي وهاب المئي
                                                          ولم يكن كخالك العبد الدعي



                                                          [ ص: 11 ]

                                                          يأكل أزمان الهزال والسني     هنات عير ميت غير ذكي



                                                          قال ابن سيده : أراد المئي فخفف ، كما قال الآخر :


                                                          ألم تكن تحلف بالله العلي     إن مطاياك لمن خير المطي

                                                          ومثله قول مزرد :


                                                          وما زودوني غير سحق عباءة     وخمسمئ منها قسي وزائف

                                                          قال الجوهري : هما عند الأخفش محذوفان مرخمان ، وحكي عن يونس : أنه جمع بطرح الهاء مثل تمرة وتمر ، قال : وهذا غير مستقيم ; لأنه لو أراد ذلك لقال مئى مثل معى ، كما قالوا في جمع لثة لثى ، وفي جمع ثبة ثبا ، وقال في المحكم في بيت مزرد : أراد مئي فعول كحلية وحلي فحذف ، ولا يجوز أن يريد مئين فيحذف النون ، لو أراد ذلك لكان مئي بياء ، وأما في غير مذهب سيبويه فمئ من خمسمئ جمع مائة كسدرة وسدر ، قال : وهذا ليس بقوي لأنه لا يقال خمس تمر ، يراد به خمس تمرات ، وأيضا فإن بنات الحرفين لا تجمع هذا الجمع ، أعني الجمع الذي لا يفارق واحده إلا بالهاء ، وقوله :


                                                          ما كان حاملكم منا ورافدكم     وحامل المين بعد المين والألف

                                                          إنما أراد المئين فحذف الهمزة ، وأراد الآلاف فحذف ضرورة . وحكى أبو الحسن : رأيت مئيا في معنى مائة ، حكاه ابن جني ، قال : وهذا دلالة قاطعة على كون اللام ياء ، قال : ورأيت ابن الأعرابي قد ذهب إلى ذلك فقال في بعض أماليه : إن أصل مائة مئية ، فذكرت ذلك لأبي علي فعجب منه أن يكون ابن الأعرابي ينظر من هذه الصناعة في مثله ، وقالوا ثلثمائة ، فأضافوا أدنى العدد إلى الواحد لدلالته على الجمع كما قال :


                                                          في حلقكم عظم وقد شجينا



                                                          وقد يقال ثلاث مئات ومئين ، والإفراد أكثر على شذوذه ، والإضافة إلى مائة في قول سيبويه ويونس جميعا فيمن رد اللام مئوي كمعوي ، ووجه ذلك أن مائة أصلها عند الجماعة مئية ساكنة العين ، فلما حذفت اللام تخفيفا جاورت العين تاء التأنيث فانفتحت على العادة والعرف فقيل مائة ، فإذا رددت اللام فمذهب سيبويه أن تقرأ العين بحالها متحركة ، وقد كانت قبل الرد مفتوحة فتقلب لها اللام ألفا فيصير تقديرها مئا كثنى ، فإذا أضفت إليها أبدلت الألف واوا فقلت مئوي كثنوي ، وأما مذهب يونس فإنه كان إذا نسب إلى فعلة أو فعلة مما لامه ياء أجراه مجرى ما أصله فعلة أو فعلة ، فيقولون في الإضافة إلى ظبية ظبوي ، ويحتج بقول العرب في النسبة إلى بطية بطوي وإلى زنية زنوي ، فقياس هذا أن تجري مائة وإن كانت فعلة مجرى فعلة فتقول فيها مئوي فيتفق اللفظان من أصلين مختلفين . الجوهري : قال سيبويه يقال ثلثمائة ، وكان حقه أن يقولوا مئين أو مئات كما تقول ثلاثة آلاف ; لأن ما بين الثلاثة إلى العشرة يكون جماعة نحو ثلاثة رجال وعشرة رجال ، ولكنهم شبهوه بأحد عشر وثلاثة عشر ، ومن قال مئين ورفع النون بالتنوين ففي تقديره قولان : أحدهما فعلين مثل غسلين وهو قول الأخفش وهو شاذ ، والآخر فعيل ، كسروا لكسرة ما بعده وأصله مئي ومئي مثال عصي وعصي ، فأبدلوا من الياء نونا . وأمأى القوم : صاروا مائة وأمأيتهم أنا ، وإذا أتممت القوم بنفسك مائة فقد مأيتهم ، وهم ممئيون ، وأمأواهم فهم ممئون وإن أتممتهم بغيرك فقد أمأيتهم وهم ممأون . الكسائي : كان القوم تسعة وتسعين فأمأيتهم ، بالألف ، مثل أفعلتهم ، وكذلك في الألف آلفتهم ، وكذلك إذا صاروا هم كذلك قلت : قد أمأوا وآلفوا إذا صاروا مائة أو ألفا . الجوهري : وأمأيتها لك جعلتها مائة ، وأمأت الدراهم والإبل والغنم وسائر الأنواع : صارت مائة ، وأمأيتها مائة ، وشارطته مماآة أي على مائة ، عن ابن الأعرابي ، كقولك شارطته مؤالفة . التهذيب : قال الليث المائة حذفت من آخرها واو ، وقيل : حرف لين لا يدرى أواو هو أو ياء ، وأصل مائة على وزن معية ، فحولت حركة الياء إلى الهمزة ، وجمعها مئيات على وزن معيات ، وقال في الجمع : ولو قلت مئات بوزن معات لجاز . والمأوة : أرض منخفضة ، والجمع مأو .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية