الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8768 ) مسألة : قال : ( وإذا لم يؤد نجما حتى حل نجم آخر عجزه السيد إن أحب وعاد عبدا غير مكاتب ) . [ ص: 372 ] وجملته أن الكتابة عقد لازم لا يملك السيد فسخها قبل عجز المكاتب بغير خلاف نعلمه ، وليس له مطالبة المكاتب قبل حلول النجم ; لأنه إنما ثبت في العقد مؤجلا ، وإذا حل النجم فللسيد مطالبته بما حل من نجومه ; لأنه دين له حل فأشبه دينه على الأجنبي ، وله الصبر عليه وتأخيره به - سواء كان قادرا على الأداء أو عاجزا عنه ; لأنه حق له سمح بتأخيره أشبه دينه على الأجنبي ، فإن اختار الصبر عليه لم يملك العبد الفسخ بغير خلاف نعلمه .

                                                                                                                                            قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المكاتب إذا حل عليه نجم أو نجمان أو نجومه كلها فوقف السيد عن مطالبته وتركه بحاله ، أن الكتابة لا تنفسخ ما داما ثابتين على العقد الأول ، فإن أجله به ثم بدا له الرجوع فله ذلك ; لأن الدين الحال لا يتأجل بالتأجيل كالقرض .

                                                                                                                                            وإن حل عليه نجمان فعجز عنهما فاختار السيد فسخ كتابته ورده إلى الرق فله ذلك بغير حضور حاكم ولا سلطان ، ولا تلزمه الاستنابة . فعل ذلك ابن عمر وهو قول شريح والنخعي وأبي حنيفة والشافعي ، وقال ابن أبي ليلى : لا يكون عجزه إلا عند قاض ، وحكي نحو هذا عن مالك . وقال الحسن : إذا عجز استؤني بعد العجز سنتين .

                                                                                                                                            وقال الأوزاعي : شهرين . . ونحو ذلك . ولنا ما روى سعيد بإسناده عن ابن عمر أنه كاتب غلاما له على ألف دينار فأدى إليه تسعمائة دينار وعجزه عن مائة دينار فرده إلى الرق . وبإسناده عن عطية العوفي عن ابن عمر أنه كاتب عبده على عشرين ألفا فأدى عشرة آلاف ، ثم أتاه فقال : إني قد طفت العراق والحجاز فردني في الرق ، فرده . وروي عنه أنه كاتب عبدا له على ثلاثين ألفا فقال له : أنا عاجز . فقال له : امح كتابتك . فقال : امح أنت .

                                                                                                                                            وروى سعيد بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال : أيما رجل كاتب غلامه على مائة أوقية فعجز عن عشر أواق فهو رقيق . } ولأنه عقد عجز عن عوضه فملك مستحقه فسخه كالسلم إذا تعذر المسلم فيه ، ولأنه فسخ عقد مجمع عليه فلم يفتقر إلى الحاكم كفسخ المعتقة تحت العبد ، فإن قيل : فلم كانت الكتابة لازمة من جهة السيد ، غير لازمة من جهة العبد ؟ قلنا : هي لازمة من جهة الطرفين ولا يملك العبد فسخها بحال وإنما له أن يعجز نفسه ويمتنع من الكسب ، وإنما كان له ذلك لوجهين - أحدهما : أن الكتابة تتضمن إعتاقا بصفة ، ومن علق عتق عبده بصفة لم يملك إبطالها ويلزم وقوع العتق بالصفة ، ولا يلزم العبد الإتيان بالصفة ولا يجبر عليها .

                                                                                                                                            الثاني : أن الكتابة لحظ العبد دون سيده فكان العقد لازما لمن ألزم نفسه حظ غيره ، وصاحب الحظ بالخيار فيه كمن ضمن لغيره شيئا ، أو كفل له ، أو رهن عنده رهنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية