الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          محل

                                                          محل : المحل : الشدة . والمحل : الجوع الشديد وإن لم يكن جدب . والمحل : نقيض الخصب ، وجمعه محول وأمحال . الأزهري : المحول والقحوط احتباس المطر . وأرض محل وقحط : لم يصبها المطر في حينه . الجوهري : المحل الجدب وهو انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلأ . غيره قال : وربما جمع المحل أمحالا ، وأنشد :


                                                          لا يبرمون ، إذا ما الأفق جلله صر الشتاء من الأمحال كالأدم

                                                          ابن السكيت : أمحل البلد ، فهو ماحل ، ولم يقولوا ممحل ، قال : وربما جاء في الشعر ، قال حسان بن ثابت :


                                                          إما تري رأسي تغير لونه     شمطا ، فأصبح كالثغام الممحل
                                                          فلقد يراني الموعدي ، وكأنني     في قصر دومة أو سواء الهيكل

                                                          ابن سيده : أرض محلة ومحل ومحول ، وفي التهذيب : ومحولة أيضا بالهاء لا مرعى بها ولا كلأ ، قال ابن سيده : وأرى أبا حنيفة قد حكى أرض محول ، بضم الميم ، وأرضون محل ومحلة ومحول وأرض ممحلة وممحل ، الأخيرة على النسب ، الأزهري : وأرض ممحال ، قال الأخطل :


                                                          وبيداء ممحال كأن نعامها     بأرحائها القصوى ، أباعر همل

                                                          وفي الحديث : أما مررت بوادي أهلك محلا أي جدبا ، والمحل في الأصل : انقطاع المطر . وأمحلت الأرض والقوم وأمحل البلد ; فهو ماحل على غير قياس ، ورجل محل : لا ينتفع به . وأمحل المطر أي احتبس ، وأمحلنا نحن ، وإذا احتبس القطر حتى يمضي زمان الوسمي كانت الأرض محولا حتى يصيبها المطر . ويقال : قد أمحلنا منذ ثلاث سنين ، قال ابن سيده : وقد حكي محلت الأرض ومحلت . وأمحل القوم : أجدبوا ، وأمحل الزمان ، وزمان ماحل ، قال الشاعر :


                                                          والقائل القول الذي مثله     يمرع منه الزمن الماحل

                                                          الجوهري : بلد ماحل وزمان ماحل وأرض محل وأرض محول ، كما [ ص: 30 ] قالوا بلد سبسب وبلد سباسب وأرض جدبة وأرض جدوب ، يريدون بالواحد الجمع ، وقد أمحلت . والمحل : الغبار ، عن كراع . والمتماحل من الرجال : الطويل المضطرب الخلق قال أبو ذؤيب :


                                                          وأشعث بوشي شفينا أحاحه     غداتئذ ، ذي جردة متماحل

                                                          قال الجوهري : هو من صفة أشعث ، والبوشي : الكثير البوش والعيال وأحاحه : ما يجده في صدره من غمر وغيظ أي شفينا ما يجده من غمر العيال ، ومنه قول الآخر :


                                                          يطوي الحيازيم على أحاح



                                                          والجردة : بردة خلق . والمتماحل : الطويل . وفي حديث علي : إن من ورائكم أمورا متماحلة ، أي فتنا طويلة المدة تطول أيامها ويعظم خطرها ويشتد كلبها ، وقيل : يطول أمرها . وسبسب متماحل أي بعيد ما بين الطرفين . وفلاة متماحلة : بعيدة الأطراف ، وأنشد ابن بري لأبي وجزة :


                                                          كأن حريقا ثاقبا في إباءة     هديرهما بالسبسب المتماحل

                                                          وقال آخر :


                                                          بعيد من الحادي ، إذا ما تدفعت     بنات الصوى في السبسب المتماحل

                                                          وقال مزرد :


                                                          هواها السبسب المتماحل



                                                          وناقة متماحلة : طويلة مضطربة الخلق أيضا . وبعير متماحل : طويل بعيد ما بين الطرفين مساند الخلق مرتفعه . والمحل : البعد . ومكان متماحل : متباعد ، أنشد ثعلب :


                                                          من المسبطرات الجياد طمرة     لجوج ، هواها السبسب المتماحل

                                                          أي هواها أن تجد متسعا بعيد ما بين الطرفين تغدو به . وتماحلت به الدار تباعدت ، أنشد ابن الأعرابي :


                                                          وأعرض إني عن هواكن معرض     تماحل غيطان بكن وبيد

                                                          دعا عليهن حين سلا عنهم بكبر أو شغل أو تباعد . ومحل لفلان حقه : تكلفه له . والممحل من اللبن : الذي قد أخذ طعما من الحموضة ، وقيل : هو الذي حقن ثم لم يترك يأخذ الطعم حتى شرب ، وأنشد :


                                                          ما ذقت ثفلا ، منذ عام أول     إلا من القارص والممحل

                                                          قال ابن بري : الرجز لأبي النجم يصف راعيا جلدا ، وصوابه : ما ذاق ثفلا ، وقبله :


                                                          صلب العصا جاف عن التغزل     يحلف بالله سوى التحلل

                                                          والثفل : طعام أهل القرى من التمر والزبيب ونحوهما . الأصمعي : إذا حقن اللبن في السقاء وذهبت عنه حلاوة الحلب ولم يتغير طعمه فهو سامط ، فإن أخذ شيئا من الريح فهو خامط فإن أخذ شيئا من طعم فهو الممحل . ويقال : مع فلان ممحلة أي شكوة يمحل فيها اللبن وهو الممحل ويديرها . . . الجوهري : والممحل بفتح الحاء مشددة ، اللبن الذي ذهبت منه حلاوة الحلب وتغير طعمه قليلا . وتمحل الدراهم : انتقدها . والمحال : الكيد وروم الأمر بالحيل . ومحل به يمحل محلا : كاده بسعاية إلى السلطان . قال ابن الأنباري : سمعت أحمد بن يحيى ؟ يقول : المحال مأخوذ من قول العرب محل فلان بفلان أي سعى به إلى السلطان وعرضه لأمر يهلكه ، فهو ماحل ومحول والماحل : الساعي ، يقال : محلت بفلان أمحل إذا سعيت به إلى ذي سلطان حتى توقعه في ورطة ووشيت به . الأزهري : وأما قول الناس تمحلت مالا بغريمي فإن بعض الناس ظن أنه بمعنى احتلت وقدر أنه من المحالة ، بفتح الميم ، وهي مفعلة من الحيلة ، ثم وجهت الميم فيها وجهة الميم الأصلية فقيل تمحلت ، كما قالوا مكان وأصله من الكون ، ثم قالوا تمكنت من فلان ومكنت فلانا من كذا وكذا ، قال : وليس التمحل عندي ما ذهب إليه في شيء ، ولكنه من المحل وهو السعي ، كأنه يسعى في طلبه ويتصرف فيه . والمحل : السعاية من ناصح وغير ناصح . والمحل : المكر والكيد . والمحال : المكر بالحق . وفلان يماحل عن الإسلام أي يماكر ويدافع . والمحال : الغضب . والمحال : التدبير . والمماحلة : المماكرة والمكايدة ، ومنه قوله تعالى : شديد المحال ، وقال عبد المطلب بن هاشم :


                                                          لا يغلبن صليبهم     ومحالهم ، عدوا محالك

                                                          أي كيدك وقوتك ، وقال الأعشى :


                                                          فرع نبع يهتز في غصن المج     د ، غزير الندى ، شديد المحال

                                                          أي شديد المكر ، وقال ذو الرمة :


                                                          ولبس بين أقوام ، فكل     أعد له الشغازب والمحالا

                                                          وفي حديث الشفاعة : إن إبراهيم يقول لست هناكم أنا الذي كذبت ثلاث كذبات ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله ما فيها كذبة إلا وهو يماحل بها عن الإسلام أي يدافع ويجادل ، من المحال ، وبالكسر ، وهو الكيد ، وقيل : المكر ، وقيل : القوة والشدة ، وميمه أصلية . ورجل محل أي ذو كيد . وتمحل أي احتال ، فهو متمحل . يقال : تمحل لي خيرا أي اطلبه . الأزهري : والمحال مماحلة الإنسان ، وهي مناكرته إياه ينكر الذي قاله . ومحل فلان بصاحبه ومحل به إذا بهته وقال : إنه قال شيئا لم يقله . وماحله مماحلة ومحالا : قاواه حتى يتبين أيهما أشد . والمحل في اللغة : الشدة ، وقوله تعالى : وهو شديد المحال ، قيل : معناه شديد القدرة والعذاب ، وقيل : شديد القوة والعذاب ، قال ثعلب : أصله أن يسعى بالرجل ثم ينتقل إلى الهلكة . وفي الحديث عن ابن مسعود : إن هذا القرآن شافع مشفع وماحل مصدق ، قال أبو عبيد : جعله يمحل بصاحبه إذا لم يتبع ما فيه أو إذا هو ضيعه ، قال ابن الأثير : أي خصم مجادل مصدق ، وقيل : ساع مصدق ، من قولهم محل بفلان إذا سعى به إلى السلطان ، يعني أن من اتبعه وعمل بما فيه فإنه شافع له مقبول الشفاعة ومصدق عليه فيما يرفع من مساويه إذا ترك العمل به . وفي حديث الدعاء : [ ص: 31 ] لا ينقض عهدهم عن شية ماحل ، أي عن وشي واش وسعاية ساع ، ويروى : سنة ماحل بالنون والسين المهملة . وقال ابن الأعرابي : محل به كاده ولم يعين أعند السلطان كاده أم عند غيره ، وأنشد :


                                                          مصاد بن كعب ، والخطوب كثيرة     ألم تر أن الله يمحل بالألف ؟

                                                          وفي الدعاء : " ولا تجعله ماحلا مصدقا " . والمحال من الله : العقاب ، وبه فسر بعضهم قوله تعالى : وهو شديد المحال ، وهو من الناس العداوة . وماحله مماحلة ومحالا عاداه ، وروى الأزهري عن سفيان الثوري في قوله تعالى : وهو شديد المحال ، قال : شديد الانتقام ، وروي عن قتادة : شديد الحيلة ، وروي عن ابن جريج : أي شديد الحول ، قال : وقال أبو عبيد أراه أراد المحال بفتح الميم كأنه قرأه كذلك ولذلك فسره الحول ، قال والمحال الكيد والمكر ، قال عدي :


                                                          محلوا محلهم بصرعتنا العا     م ، فقد أوقعوا الرحى بالثفال

                                                          قال : مكروا وسعوا . والمحال ، بكسر الميم : المماكرة ، وقال القتيبي : شديد المحال أي شديد الكيد والمكر ، قال وأصل المحال الحيلة ، وأنشد قول ذي الرمة :


                                                          أعد له الشغازب والمحالا



                                                          قال ابن عرفة : المحال الجدال ماحل أي جادل ، قال أبو منصور : قول القتيبي في قوله - عز وجل - وهو شديد المحال ، أي الحيلة غلط فاحش ، وكأنه توهم أن ميم المحال ميم مفعل وأنها زائدة ، وليس كما توهمه ; لأن مفعلا إذا كان من بنات الثلاثة فإنه يجيء بإظهار الواو والياء ، مثل المزود والمحول والمحور والمعير والمزيل والمجول وما شاكلها ، قال : وإذا رأيت الحرف على مثال فعال أوله ميم مكسورة فهي أصلية ، مثل ميم مهاد وملاك ومراس ومحال وما أشبهها ، وقال الفراء في كتاب المصادر : المحال المماحلة . يقال في فعلت : محلت أمحل محلا ، قال : وأما المحالة فهي مفعلة من الحيلة ، قال أبو منصور : وهذا كله صحيح كما قاله ، قال الأزهري : وقرأ الأعرج : وهو شديد المحال ، بفتح الميم ، قال : وتفسيره عن ابن عباس يدل على الفتح لأنه قال : المعنى وهو شديد الحول ، وقال اللحياني عن الكسائي : يقال محلني يا فلان أي قوني ، قال أبو منصور : وقوله : شديد المحال أي شديد القوة . والمحالة : الفقارة . ابن سيده : والمحالة الفقرة من فقار البعير ، وجمعه محال ، وجمع المحال محل ، أنشد ابن الأعرابي :


                                                          كأن حيث تلتقي منه المحل     من قطريه وعلان ووعل

                                                          يعني قرون وعلين ووعل ، شبه ضلوعه في اشتباكها بقرون الأوعال ، الأزهري : وأما قول جندل الطهوي :


                                                          عوج تساندن إلى ممحل



                                                          فإنه أراد موضع محال الظهر ، جعل الميم لما لزمت المحالة وهي الفقارة من فقار الظهر كالأصلية . والمحل : الذي قد طرد حتى أعيا ، قال العجاج :


                                                          نمشي كمشي المحل المبهور



                                                          وفي النوادر : رأيت فلانا متماحلا وماحلا وناحلا إذا تغير بدنه . والمحال : ضرب من الحلي يصاغ مفقرا أي محززا على تفقير وسط الجراد ، قال :


                                                          محال كأجواز الجراد ، ولؤلؤ     من القلقي والكبيس الملوب

                                                          والمحالة : التي يستقي عليها الطيانون ، سميت بفقارة البعير ، فعالة أو هي مفعلة لتحولها في دورانها . والمحالة والمحال أيضا : البكرة العظيمة التي تستقي بها الإبل ، قال حميد الأرقط :


                                                          يردن ، والليل مرم طائره


                                                          مرخى رواقاه هجود سامره


                                                          ورد المحال قلقت محاوره

                                                          والمحالة : البكرة ، هي مفعلة لا فعالة بدليل جمعها على محاول ، وإنما سميت محالة لأنها تدور فتنقل من حالة إلى حالة ، وكذلك المحالة لفقرة الظهر ، هي أيضا مفعلة لا فعالة ، منقولة من المحالة التي هي البكرة ، قال ابن بري : فحق هذا أن يذكر في حول . غيره : المحالة البكرة العظيمة التي تكون للسانية . وفي الحديث : " حرمت شجر المدينة إلا مسد محالة " ، هي البكرة العظيمة التي يستقى عليها وكثيرا ما تستعملها السفارة على البئار العميقة . وقولهم : لا محالة يوضع موضع لا بد ولا حيلة ، مفعلة أيضا من الحول والقوة ، وفي حديث قس :


                                                          أيقنت أني لا محا     لة ، حيث صار القوم صائر

                                                          أي لا حيلة ، ويجوز أن يكون من الحول القوة أو الحركة وهي مفعلة منهما ، وأكثر ما تستعمل لا محالة بمعنى اليقين والحقيقة أو بمعنى لا بد ، والميم زائدة . وقوله في حديث الشعبي : إن حولناها عنك بمحول المحول ، بالكسر : آلة التحويل ، ويروى بالفتح وهو موضع التحويل ، والميم زائدة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية