الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          مرأ

                                                          مرأ : المروءة كمال الرجولية . مرؤ الرجل يمرؤ مروءة ، فهو مريء ، على فعيل وتمرأ ، على تفعل : صار ذا مروءة . وتمرأ : تكلف المروءة . وتمرأ بنا أي طلب بإكرامنا اسم المروءة . وفلان يتمرأ بنا أي يطلب المروءة بنقصنا أو عيبنا . والمروءة : الإنسانية ، ولك أن تشدد . الفراء : يقال من المروءة مرؤ الرجل يمرؤ مروءة ، ومرؤ الطعام يمرؤ مراءة وليس بينهما فرق إلا اختلاف المصدرين . وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى : خذ الناس بالعربية ; فإنه يزيد في العقل ويثبت المروءة . وقيل للأحنف : ما المروءة ؟ فقال : العفة والحرفة . وسئل آخر عن المروءة ، فقال : المروءة أن لا تفعل في السر أمرا وأنت تستحيي أن تفعله جهرا . وطعام مريء هنيء : حميد المغبة بين المرأة ، على مثال تمرة . وقد مرؤ الطعام ، ومرأ : صار مريئا ، وكذلك مرئ الطعام كما قال فقه وفقه ، بضم القاف وكسرها ، واستمرأه . وفي حديث الاستسقاء : اسقنا غيثا مريئا مريعا . يقال مرأني الطعام وأمرأني إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عنها طيبا . وفي حديث الشرب : فإنه أهنأ وأمرأ . وقالوا : هنئني الطعام ومرئني وهنأني ومرأني ، على الإتباع ، إذا أتبعوها هنأني قالوا مرأني ، فإذا أفردوه عن هنأني قالوا أمرأني ، ولا يقال أهنأني . قال أبو زيد : يقال أمرأني الطعام إمراء ، وهو طعام ممرئ ، ومرئت الطعام ، بالكسر : استمرأته . وما كان مريئا ، ولقد مرؤ . وهذا يمرئ الطعام . وقال ابن الأعرابي : ما كان الطعام مريئا ولقد مرأ ، وما كان الرجل مريئا ولقد مرؤ . وقال شمر عن أصحابه : يقال مرئ لي هذا الطعام مراءة أي استمرأته ، وهنئ هذا الطعام ، وأكلنا من هذا الطعام حتى هنئنا منه أي شبعنا ، ومرئت الطعام واستمرأته ، وقلما يمرأ لك الطعام . ويقال : ما لك لا تمرأ أي ما لك لا تطعم ، وقد مرأت أي طعمت . والمرء : الإطعام على بناء دار أو تزويج . وكلأ مريء : غير وخيم . ومرؤت الأرض مراءة ، فهي مريئة : حسن هواؤها . والمريء : مجرى الطعام والشراب ، وهو رأس المعدة والكرش اللاصق بالحلقوم الذي يجري فيه الطعام والشراب ويدخل فيه ، والجمع : أمرئة ومرؤ ، مهموزة بوزن مرع ، مثل سرير وسرر . أبو عبيد : الشجر ما لصق بالحلقوم ، والمريء بالهمز ، غير مشدد . وفي حديث الأحنف : يأتينا في مثل مريء نعام . المريء : مجرى الطعام والشراب من الحلق ضربه مثلا لضيق العيش وقلة الطعام ، وإنما خص النعام لدقة عنقه ، ويستدل به على ضيق مريئه . وأصل المريء : رأس المعدة المتصل بالحلقوم وبه يكون استمراء الطعام . وتقول : هو مريء الجزور والشاة للمتصل بالحلقوم الذي يجري فيه الطعام والشراب . قال أبو منصور : أقرأني أبو بكر الإيادي : المريء لأبي عبيد ، فهمزه بلا تشديد . قال : وأقرأني المنذري : المري لأبي الهيثم ، فلم يهمزه وشدد الياء . والمرء : الإنسان . تقول : هذا مرء ، وكذلك في النصب والخفض تفتح الميم ، هذا هو القياس . ومنهم من يضم الميم في الرفع ويفتحها في النصب ويكسرها في الخفض ، يتبعها الهمز على حد ما يتبعون الراء إياها إذا أدخلوا ألف الوصل فقالوا امرؤ . وقول أبي خراش :


                                                          جمعت أمورا ، ينفذ المرء بعضها من الحلم والمعروف والحسب الضخم

                                                          هكذا رواه السكري بكسر الميم ، وزعم أن ذلك لغة هذيل . وهما مرآن صالحان ، ولا يكسر هذا الاسم ولا يجمع على لفظه ، ولا يجمع جمع السلامة ، لا يقال أمراء ولا أمرؤ ولا مرءون ولا أمارئ . وقد ورد في حديث الحسن : أحسنوا ملأكم أيها المرءون . قال ابن الأثير : هو جمع المرء ، وهو الرجل . ومنه قول رؤبة لطائفة رآهم : أين يريد المرءون ؟ وقد أنثوا فقالوا : مرأة ، وخففوا التخفيف [ ص: 45 ] القياسي فقالوا : مرة ، بترك الهمز وفتح الراء ، وهذا مطرد . وقال سيبويه : وقد قالوا : مراة ، وذلك قليل ونظيره كماة . قال الفارسي : وليس بمطرد كأنهم توهموا حركة الهمزة على الراء ، فبقي مرأة ، ثم خفف على هذا اللفظ . وألحقوا ألف الوصل في المؤنث أيضا ، فقالوا : امرأة ، فإذا عرفوها قالوا : المرأة . وقد حكى أبو علي : الامرأة . الليث : امرأة تأنيث امرئ . وقال ابن الأنباري : الألف في امرأة وامرئ ألف وصل . قال : وللعرب في المرأة ثلاث لغات ، يقال : هي امرأته وهي مرأته وهي مرته . وحكى ابن الأعرابي : أنه يقال للمرأة إنها لامرؤ صدق كالرجل ، قال : وهذا نادر . وفي حديث علي - كرم الله وجهه - لما تزوج فاطمة - رضوان الله عليهما - : قال له يهودي ، أراد أن يبتاع منه ثيابا ، لقد تزوجت امرأة ، يريد امرأة كاملة ، كما يقال فلان رجل ، أي كامل في الرجال . وفي الحديث : يقتلون كلب المريئة ، هي تصغير المرأة . وفي الصحاح : إن جئت بألف الوصل كان فيه ثلاث لغات : فتح الراء على كل حال ; حكاها الفراء ، وضمها على كل حال ، وإعرابها على كل حال . تقول : هذا امرؤ ورأيت امرأ ومررت بامرئ ، معربا من مكانين ولا جمع له من لفظه . وفي التهذيب : في النصب تقول : هذا امرؤ ورأيت امرأ ومررت بامرئ ، وفي الرفع تقول : هذا امرؤ ورأيت امرأ ومررت بامرئ ، وتقول : هذه امرأة ، مفتوحة الراء على كل حال . قال الكسائي والفراء : امرؤ معرب من الراء والهمزة ، وإنما أعرب من مكانين ، والإعراب الواحد يكفي من الإعرابين ، أن آخره همزة ، والهمزة قد تترك في كثير من الكلام ، فكرهوا أن يفتحوا الراء ويتركوا الهمزة ، فيقولون : امرو ، فتكون الراء مفتوحة والواو ساكنة ، فلا يكون في الكلمة علامة للرفع فعربوه من الراء ليكونوا إذا تركوا الهمزة آمنين من سقوط الإعراب . قال الفراء : ومن العرب من يعربه من الهمز وحده ويدع الراء مفتوحة ، فيقول : قام امرؤ وضربت امرأ ومررت بامرئ ، وأنشد :


                                                          بأبي امرؤ ، والشام بيني وبينه     أتتني ، ببشرى ، برده ورسائله

                                                          وقال آخر :


                                                          أنت امرؤ من خيار الناس ، قد علموا     يعطي الجزيل ، ويعطى الحمد بالثمن

                                                          هكذا أنشده بأبي ، بإسكان الباء الثانية وفتح الياء . والبصريون ينشدونه ببني امرؤ . قال أبو بكر : فإذا أسقطت العرب من امرئ الألف فلها في تعريبه مذهبان : أحدهما التعريب من مكانين ، والآخر التعريب من مكان واحد ; فإذا عربوه من مكانين قالوا : قام مرء وضربت مرءا ومررت بمرء ، ومنهم من يقول : قام مرء وضربت مرءا ومررت بمرء . قال : ونزل القرآن بتعريبه من مكان واحد . قال الله تعالى : يحول بين المرء وقلبه ، على فتح الميم . الجوهري المرء : الرجل ، تقول : هذا مرء صالح ومررت بمرء صالح ورأيت مرءا صالحا . قال : وضم الميم لغة ، تقول : هذا مرؤ ورأيت مرءا ومررت بمرء ، وتقول : هذا مرء ورأيت ومررت بمرء ، معربا من مكانين . قال : وإن صغرت أسقطت ألف الوصل فقلت : مريء ومريئة ، وربما سموا الذئب امرأ ، وذكر يونس أن قول الشاعر :


                                                          وأنت امرؤ تعدو على كل غرة     فتخطئ ، فيها ، مرة وتصيب

                                                          يعني به الذئب . وقالت امرأة من العرب : أنا امرؤ لا أخبر السر . والنسبة إلى امرئ مرئي ، بفتح الراء ، ومنه المرئي الشاعر . وكذلك النسبة إلى امرئ القيس ، وإن شئت امرئي . وامرؤ القيس من أسمائهم ، وقد غلب على القبيلة ، والإضافة إليه امرئي ، وهو من القسم الذي وقعت فيه الإضافة إلى الأول دون الثاني ; لأن امرأ لم يضف إلى اسم علم في كلامهم إلا في قولهم امرؤ القيس . وأما الذين قالوا : مرئي ، فكأنهم أضافوا إلى مرء ، فكان قياسه على ذلك مرئي ، ولكنه نادر معدول النسب . قال ذو الرمة :


                                                          إذا المرئي شب له بنات     عقدن برأسه إبة وعارا

                                                          والمرآة : مصدر الشيء المرئي . التهذيب : وجمع المرآة مراء ، بوزن مراع . قال : والعوام يقولون في جمع المرآة مرايا . قال : وهو خطأ . ومرأة : قرية . قال ذو الرمة :


                                                          فلما دخلنا جوف مرأة غلقت     دساكر ، لم ترفع ، لخير ، ظلالها

                                                          وقد قيل : هي قرية هشام المرئي . وأما قوله في الحديث : لا يتمرأى أحدكم في الدنيا ، أي لا ينظر فيها ، وهو يتمفعل من الرؤية ، والميم زائدة . وفي رواية : لا يتمرأ أحدكم بالدنيا ، من الشيء المريء .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية