الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8865 ) مسألة : قال : ( وإذا أسلمت أم ولد النصراني ، منع من وطئها ، والتلذذ بها ، وأجبر على نفقتها . فإذا أسلم ، حلت له ، وإن مات قبل ذلك ، عتقت ) . وجملة ذلك أن الكافر يصح منه الاستيلاد لأمته ، كما يصح منه عتقها . وإذا استولد الذمي أمته ، ثم أسلمت ، لم تعتق في الحال . وبهذا قال الشافعي .

                                                                                                                                            وقال مالك : تعتق ، إذ لا سبيل إلى بيعها ، ولا إلى إقرار ملكه عليها ; لما فيه من إثبات ملك كافر على مسلمة ، فلم يجز ، كالأمة القن . وعن أحمد رضي الله عنه رواية أخرى ، أنها تستسعى ، فإن أدت ، عتقت . وهو قول أبي حنيفة ; لأن فيه جمعا بين الحقين ; حقها في أن لا يبقى ملك الكافر عليها ، وحقه في حصول عوض ملكه ، فأشبه بيعها إذا لم تكن أم ولد . [ ص: 422 ]

                                                                                                                                            ولنا ، أنه إسلام طرأ على ملك ، فلم يوجب عتقا ، ولا سعاية ، كالعبد القن . وما ذكروه مجرد حكمة لم يعرف من الشارع اعتبارها ، وبقاؤها ضرر ، فإن في عتقها مجانا إضرارا بالمالك ، بإزالة ملكه بغير عوض ، وفي الاستسعاء إلزام لها بالكسب بغير رضاها ، وتضييع لحقه ; لأن فيه إحالة على سعاية لا ندري هل يحصل منها شيء أو لا ؟ وإن حصل ، فالظاهر أنه يكون يسيرا ، في أوقات متفرقة ، وجوده قريب من عدمه ، والحق أن يبقى الملك على ما كان عليه ، ويمنع من وطئها ، والتلذذ بها ، كي لا يطأها ويبتذلها وهو مشرك ، ويحال بينه وبينها ، ويمنع الخلوة بها ، لئلا يفضي إلى الوطء المحرم ، ويجبر على نفقتها على التمام ; لأنها مملوكته ، ومنعه من وطئها بغير معصية منها ، فأشبهت الحائض والمريضة ، وتسلم إلى امرأة ثقة ، تكون عندها ، لتحفظها ، وتقوم بأمرها ، وإن احتاجت إلى أجر ، أو أجر مسكن ، فعلى سيدها .

                                                                                                                                            وذكر القاضي أن نفقتها في كسبها ، وما فضل من كسبها فهو لسيدها . وإن عجز عن نفقتها ، فهل يلزم سيدها تمام نفقتها ؟ على روايتين . ونحو هذا مذهب الشافعي والصحيح أن نفقتها على سيدها ، وكسبها له ، يصنع به ما شاء ، وعليه نفقتها على التمام ، سواء كان لها كسب أو لم يكن ; لأنها مملوكة له ، ولم يجر بينهما عقد يسقط نفقتها ، ولا يملك به كسبها ، فأشبهت أمته القن ، أو ما قبل إسلامها ، ولأن الملك سبب لهذين الحكمين ، والحادث منهما لا يصلح مانعا ; لأن الاستيلاد لا يمنع منهما ، بدليل ما قبل إسلامها ، والإسلام لا يمنع ، بدليل ما لو وجد قبل ولادتها ، واجتماعهما لا يمنع ; لأنه لا نص فيه ، ولا هو في معنى المنصوص عليه ، ولأنه إذا لم تلزمه نفقتها ، ولم يكن لها كسب ، أفضى إلى هلاكها وضياعها ، ولأنه يملك فاضل كسبها ، فيلزمه فضل نفقتها ، كسائر مماليكه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية