الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          مرا

                                                          مرا : المرو : حجارة بيض براقة تكون فيها النار وتقدح منها النار ، قال أبو ذؤيب :

                                                          الواهب الأدم كالمرو الصلاب ، إذا ما حارد الخور ، واجتث المجاليح واحدتها مروة ، وبها سميت المروة بمكة ، شرفها الله تعالى . ابن شميل : المرو حجر أبيض رقيق يجعل منها المظار ، يذبح بها يكون المرو منها كأنه البرد ، ولا يكون أسود ولا أحمر ، وقد يقدح بالحجر الأحمر فلا يسمى مروا ، قال : وتكون المروة مثل جمع الإنسان وأعظم وأصغر ، قال شمر : وسألت عنها أعرابيا من بني أسد فقال : هي هذه القداحات التي يخرج منها النار . وقال أبو خيرة : المروة الحجر الأبيض الهش يكون فيه النار . أبو حنيفة : المرو أصلب الحجارة ، وزعم أن النعام تبتلعه وذكر أن بعض الملوك عجب من ذلك ودفعه حتى أشهده إياه المدعي . وفي الحديث : قال له عدي بن حاتم : إذا أصاب أحدنا صيدا وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشقة العصا ؟ المروة : حجر أبيض براق ، وقيل : هي التي يقدح منها النار ، ومروة المسعى التي تذكر مع الصفا وهي أحد رأسيه اللذين ينتهي السعي إليهما ; سميت بذلك ، والمراد في الذبح جنس الأحجار لا المروة نفسها . وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : إذا رجل من خلفي قد وضع مروته على منكبي فإذا هو علي ، ولم يفسره . وفي الحديث : أن جبريل - عليه السلام - لقيه عند أحجار المراء ، قيل : هي بكسر الميم قباء ، فأما المراء ، بضم الميم ، فهو داء يصيب النخل . والمروة : جبل مكة ، شرفها الله تعالى . وفي التنزيل العزيز : إن الصفا والمروة من شعائر الله . والمرو : شجر طيب الريح . والمرو : ضرب من الرياحين . قال الأعشى :

                                                          وآس وخيري ومرو وسمسق إذا كان هنزمن ، ورحت مخشما ويروى : وسوسن ، وسمسق هو المرزجوش ، وهنزمن : عيد لهم . والمخشم : السكران . ومرو : مدينة بفارس ، النسب إليها مروي ومروي ومروزي ، الأخيرتان من نادر معدول النسب ، وقال الجوهري : النسبة إليها مروزي على غير قياس ، والثوب مروي على القياس . ومروان : اسم رجل . ومروان : جبل . قال ابن دريد : أحسب ذلك . والمروراة : الأرض أو المفازة التي لا شيء فيها وهي فعوعلة والجمع المرورى والمروريات والمراري . قال ابن سيده : [ ص: 63 ] والجمع مرورى ، قال سيبويه : هو بمنزلة صمحمح وليس بمنزلة عثوثل لأن باب صمحمح أكثر من باب عثوثل . قال ابن بري : مروراة عند سيبويه فعلعلة ، قال في باب ما تقلب فيه الواو ياء نحو أغزيت وغازيت : وأما المروراة فبمنزلة الشجوجاة وهما بمنزلة صمحمح ، ولا تجعلهما على عثوثل ; لأن فعلعلا أكثر . ومروراة : اسم أرض بعينها ، قال أبو حية النميري :


                                                          وما مغزل تحنو لأكحل أينعت لها بمروراة الشروج الدوافع

                                                          التهذيب : المروراة الأرض التي لا يهتدي فيها إلا الخريت . وقال الأصمعي : المروراة قفر مستو ، ويجمع مروريات ومراري . والمري : مسح ضرع الناقة لتدر . مرى الناقة مريا : مسح ضرعها للدرة والاسم المرية وأمرت هي در لبنها وهي المرية والمرية ، والضم أعلى . سيبويه : وقالوا حلبتها مرية ، لا تريد فعلا ولكنك تريد نحوا من الدرة . الكسائي : المري الناقة التي تدر على من يمسح ضروعها ، وقيل : هي الناقة الكثيرة اللبن ، وقد أمرت ، وجمعها مرايا . ابن الأنباري : في قولهم مارى فلان فلانا معناه قد استخرج ما عنده من الكلام والحجة ، مأخوذ من قولهم مريت الناقة إذا مسحت ضرعها لتدر . أبو زيد : المري الناقة تحلب على غير ولد ولا تكون مريا ومعها ولدها وهو غير مهموز ، وجمعها مرايا . وفي حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له امر الدم بما شئت ، من رواه أمره فمعناه سيله وأجره واستخرجه بما شئت ، يريد الذبح وهو مذكور في مور ، ومن رواه امره أي سيله واستخرجه ، فمن مريت الناقة إذا مسحت ضرعها لتدر ، وروى ابن الأعرابي : مرى الدم وأمراه إذا استخرجه ، قال ابن الأثير ويروى : أمر الدم من مار يمور إذا جرى ، وأماره غيره ، قال : وقال الخطابي أصحاب الحديث يروونه مشدد الراء وهو غلط ، وقد جاء في سنن أبي داود والنسائي أمرر ، براءين مظهرتين ، ومعناه اجعل الدم يمر أي يذهب ، قال : فعلى هذا من رواه مشدد الراء يكون قد أدغم ، قال : وليس بغلط ، قال : ومن الأول حديث عاتكة :


                                                          مروا بالسيوف المرهفات دماءهم



                                                          أي استخرجوها واستدروها . ابن سيده : مرى الشيء وامتراه استخرجه . والريح تمري السحاب وتمتريه : تستخرجه وتستدره . ومرت الريح السحاب إذا أنزلت منه المطر . وناقة مري : غزيرة اللبن ; حكاه سيبويه وهو عنده بمعنى فاعلة ولا فعل لها ، وقيل : هي التي ليس لها ولد فهي تدر بالمري على يد الحالب ، وقد أمرت وهي ممر . والممري : التي جمعت ماء الفحل في رحمها . وفي حديث نضلة بن عمرو : أنه لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - بمريين هي تثنية مري بوزن صبي ، ويروى : مريتين تثنية مرية والمري ، والمرية : الناقة الغزيرة الدر من المري ، ووزنها فعيل أو فعول . وفي حديث الأحنف : وساق معه ناقة مريا . ومرية الفرس : ما استخرج من جريه فدر لذلك عرقه ، وقد مراه مريا . ومرى الفرس مريا إذا جعل يمسح الأرض بيده أو رجله ويجرها من كسر أو ظلع . التهذيب : ويقال مرى الفرس والناقة إذا قام أحدهما على ثلاث ثم بحث الأرض باليد الأخرى ، وكذلك الناقة ، وأنشد :


                                                          إذا حط عنها الرحل ألقت برأسها     إلى شذب العيدان ، أو صفنت تمري

                                                          الجوهري : مريت الفرس إذا استخرجت ما عنده من الجري بسوط أو غيره ، والاسم المرية ، بالكسر ، وقد يضم . ومرى الفرس بيديه إذا حركهما على الأرض كالعابث . ومراه حقه أي جحده ، وأنشد ابن بري :


                                                          ما خلف منك يا أسماء فاعترفي     معنة البيت تمري نعمة البعل

                                                          أي تجحدها ، وقال عرفطة بن عبد الله الأسدي :


                                                          أكل عشاء من أميمة طائف     كذي الدين لا يمري ولا هو عارف

                                                          ؟ أي لا يجحد ولا يعترف . وماريت الرجل أماريه مراء إذا جادلته . والمرية والمرية : الشك والجدل ، بالكسر والضم ، وقرئ بهما قوله - عز وجل - : فلا تك في مرية منه ، قال ثعلب : هما لغتان ، قال : وأما مرية الناقة فليس فيه إلا الكسر ، والضم غلط . قال ابن بري : يعني مسح الضرع لتدر الناقة ، قال : وقال ابن دريد : مرية الناقة ، بالضم ، وهي اللغة العالية ، وأنشد :

                                                          شامذا تتقي المبس على المر ية ، كرها ، بالصرف ذي الطلاء شبه بناقة قد شمذت بذنبها أي رفعته ، والصرف : صبغ أحمر والطلاء : الدم . والامتراء في الشيء : الشك فيه ، وكذلك التماري . والمراء : المماراة والجدل ، والمراء أيضا : من الامتراء والشك . وفي التنزيل العزيز : فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ، قال : وأصله في اللغة الجدال وأن يستخرج الرجل من مناظره كلاما ، ومعاني الخصومة وغيرها من مريت الشاة إذا حلبتها واستخرجت لبنها ، وقد ماراه مماراة وميراء . وامترى فيه وتمارى : شك ، قال سيبويه : وهذا من الأفعال التي تكون للواحد . وقوله في صفة سيدنا رسول الله : لا يشاري ولا يماري ، يشاري : يستشري بالشر ولا يماري : لا يدافع عن الحق ولا يردد الكلام . وقوله - عز وجل - : أفتمارونه على ما يرى ، وقرئ : أفتمرونه على ما يرى ، فمن قرأ أفتمارونه فمعناه أفتجادلونه في أنه رأى الله - عز وجل - بقلبه وأنه رأى الكبرى من آياته ، قال الفراء وهي قراءة العوام ، ومن قرأ أفتمرونه فمعناه أفتجحدونه ، وقال المبرد في قوله أفتمرونه على ما يرى أي تدفعونه عما يرى ، قال : وعلى في موضع عن . وماريت الرجل وماررته إذا خالفته وتلويت عليه ، وهو مأخوذ من مرار الفتل ، ومرار السلسلة تلوي حلقها إذا جرت على الصفا . وفي الحديث : سمعت الملائكة مثل مرار السلسلة على الصفا . وفي حديث الأسود : أنه سأل عن رجل فقال ما فعل الذي كانت امرأته تشاره وتماريه ؟ وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا تماروا في القرآن فإن مراء فيه كفر " ، المراء : الجدال . والتماري والمماراة : المجادلة على مذهب الشك والريبة ، ويقال للمناظرة مماراة لأن كل واحد [ ص: 64 ] منهما يستخرج ما عند صاحبه ويمتريه كما يمتري الحالب اللبن من الضرع ، قال أبو عبيد : ليس وجه الحديث عندنا على الاختلاف في التأويل ، ولكنه عندنا على الاختلاف في اللفظ ، وهو أن يقرأ الرجل على حرف فيقول له الآخر ليس هو هكذا ولكنه على خلافه ، وقد أنزلهما الله - عز وجل - كليهما وكلاهما منزل مقروء به ، يعلم ذلك بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : نزل القرآن على سبعة أحرف ، فإذا جحد كل واحد منهما قراءة صاحبه لم يؤمن أن يكون ذلك قد أخرجه إلى الكفر لأنه نفى حرفا أنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، قال ابن الأثير : والتنكير في المراء إيذانا بأن شيئا منه كفر ، فضلا عما زاد عليه ، قال : وقيل إنما جاء هذا في الجدال والمراء في الآيات التي فيها ذكر القدر ونحوه من المعاني ، على مذهب أهل الكلام وأصحاب الأهواء والآراء ، دون ما تضمنته من الأحكام وأبواب الحلال والحرام ، فإن ذلك قد جرى بين الصحابة فمن بعدهم من العلماء - رضي الله عنهم أجمعين - وذلك فيما يكون الغرض منه والباعث عليه ظهور الحق ليتبع دون الغلبة والتعجيز . الليث : المرية الشك ، ومنه الامتراء والتماري في القرآن ، يقال : تمارى يتمارى تماريا وامترى امتراء إذا شك . وقالالفراء في قوله - عز وجل - : فبأي آلاء ربك تتمارى يقول : بأي نعمة ربك تكذب أنها ليست منه ، وكذلك قوله - عز وجل - : فتماروا بالنذر ، وقال الزجاج : والمعنى أيها الإنسان بأي نعمة ربك التي تدلك على أنه واحد تتشكك . الأصمعي : القطاة المارية ، بتشديد الياء ، هي الملساء المكتنزة اللحم . وقال أبو عمرو : القطاة المارية ، بالتخفيف ، وهي لؤلئية اللون . ابن سيده : المارية ، بتشديد الياء من القطا الملساء . وامرأة مارية : بيضاء براقة . قال الأصمعي : لا أعلم أحدا أتى بهذه اللفظة إلا ابن أحمر ، ولها أخوات مذكورة في مواضعها . والمريء : رأس المعدة والكرش اللازق بالحلقوم ومنه يدخل الطعام في البطن ، قال أبو منصور : أقرأني أبو بكر الإيادي المريء لأبي عبيد فهمزه بلا تشديد ، قال : وأقرأنيه المنذري المري لأبي الهيثم فلم يهمزه وشدد الياء . والماري : ولد البقرة الأبيض الأملس . والممرية من البقر : التي لها ولد ماري أي براق . والمارية : البراقة اللون . والمارية : البقرة الوحشية ، أنشد أبو زيد لابن أحمر :

                                                          مارية لؤلؤان اللون أوردها طل ، وبنس عنها فرقد خصر وقال الجعدي :

                                                          كممرية فرد من الوحش حرة أنامت بذي الدنين ، بالصيف ، جؤذرا ابن الأعرابي : المارية بتشديد الياء . ابن بزرج : الماري الثوب الخلق ، وأنشد :


                                                          قولا لذات الخلق الماري



                                                          ويقال : مراه مائة سوط ومراه مائة درهم إذا نقده إياها . ومارية : اسم امرأة ، وهي مارية بنت أرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة بن عوف بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر ، وابنها الحارث الأعرج الذي عناه حسان بقوله :


                                                          أولاد جفنة حول قبر أبيهم     قبر ابن مارية الكريم المفضل

                                                          وقال ابن بري : هي مارية بنت الأرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة بن عمرو ، وهو مزيقياء بن عامر ، وهو ماء السماء بن حارثة ، وهو الغطريف بن امرئ القيس ، وهو البطريق بن ثعلبة ، وهو البهلول بن مازن ، وهو الشداخ ، وإليه جماع نسب غسان بن الأزد ، وهي القبيلة المشهورة ، فأما العنقاء فهو ثعلبة بن عمرو مزيقياء . وفي المثل : خذه ولو بقرطي مارية ، يضرب ذلك مثلا في الشيء يؤمر بأخذه على كل حال ، وكان في قرطيها مائتا دينار . والمري : معروف ، قال أبو منصور : لا أدري أعربي أم دخيل ، قال ابن سيده : واشتقه أبو علي من المريء ، فإن كان ذلك فليس من هذا الباب ، وقد تقدم في مرر ، وذكره الجوهري هناك . ابن الأعرابي : المريء الطعام الخفيف ، والمري الرجل المقبول في خلقه وخلقه . التهذيب : وجمع المرآة مراء مثل مراع ، والعوام يقولون في جمعها مرايا ، وهو خطأ ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية