الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 74 ] مسك

                                                          مسك : المسك ، بالفتح وسكون السين : الجلد وخص بعضهم به جلد السخلة ، قال : ثم كثر حتى صار كل جلد مسكا ، والجمع مسك ومسوك ، قال سلامة بن جندل :


                                                          فاقني لعلك أن تحظي وتحتبلي في سحبل ، من مسوك الضأن ، منجوب

                                                          ومنه قولهم : أنا في مسكك إن لم أفعل كذا وكذا . وفي حديث خيبر : أين مسك حيي بن أخطب ؟ كان فيه ذخيرة من صامت وحلي قومت بعشرة آلاف دينار ، كانت أولا في مسك حمل ثم مسك ثور ثم مسك جمل . وفي حديث علي - رضي الله عنه - : ما كان على فراشي إلا مسك كبش أي جلده . ابن الأعرابي : والعرب تقول نحن في مسوك الثعالب ، إذا كانوا خائفين ، وأنشد المفضل :


                                                          فيوما ترانا في مسوك جيادنا     ويوما ترانا في مسوك الثعالب

                                                          قال : في مسوك جيادنا معناه أنا أسرنا فكتفنا في قدود من مسوك خيولنا المذبوحة ، وقيل في مسوك أي على مسوك جيادنا أي ترانا فرسانا نغير على أعدائنا ثم يوما ترانا خائفين . وفي المثل : لا يعجز مسك السوء عن عرف السوء أي لا يعدم رائحة خبيثة ، يضرب للرجل اللئيم يكتم لؤمه جهده فيظهر في أفعاله . والمسك : الذبل . والمسك : الأسورة والخلاخيل من الذبل والقرون والعاج ، واحدته مسكة . الجوهري : المسك ، بالتحريك ، أسورة من ذبل أو عاج ، قال جرير :


                                                          ترى العبس الحولي جوبا بكوعها     لها مسكا ، من غير عاج ولا ذبل

                                                          .

                                                          وفي حديث أبي عمرو النخعي : رأيت النعمان بن المنذر وعليه قرطان ودملجان ومسكتان ، وحديث عائشة - رضي الله عنها - : شيء ذفيف يربط به المسك . وفي حديث بدر قال ابن عوف ومعه أمية بن خلف : فأحاط بنا الأنصار حتى جعلونا في مثل المسكة أي جعلونا في حلقة كالسوار وأحدقوا بنا ، واستعاره أبو وجزة فجعل ما تدخل فيه الأتن أرجلها من الماء مسكا فقال :


                                                          حتى سلكن الشوى منهن في مسك     من نسل جوابة الآفاق مهداج

                                                          التهذيب : المسك الذبل من العاج كهيئة السوار تجعله المرأة في يديها فذلك المسك ، والذبل القرون فإن كان من عاج فهو مسك وعاج ووقف ، وإذا كان من ذبل فهو مسك لا غير . وقال أبو عمرو : المسك مثل الأسورة من قرون أو عاج ، قال جرير :


                                                          ترى العبس الحولي جونا بكوعها     لها مسكا من غير عاج ولا ذبل

                                                          وفي الحديث : أنه رأى على عائشة - رضي الله عنها - مسكتين من فضة ، المسكة ، بالتحريك : السوار من الذبل ، وهي قرون الأوعال ، وقيل : جلود دابة بحرية ، والجمع مسك . الليث : المسك معروف إلا أنه ليس بعربي محض . ابن سيده : والمسك ضرب من الطيب مذكر وقد أنثه بعضهم على أنه جمع ، واحدته مسكة . ابن الأعرابي : وأصله مسك محركة ، قال الجوهري : وأما قول جران العود :


                                                          لقد عاجلتني بالسباب وثوبها     جديد ، ومن أردانها المسك تنفح

                                                          فإنما أنثه لأنه ذهب به إلى ريح المسك . وثوب ممسك : مصبوغ به ، وقول رؤبة :


                                                          إن تشف نفسي من ذبابات الحسك     أحر بها أطيب من ريح المسك

                                                          فإنه على إرادة الوقف كما قال :


                                                          شرب النبيذ واعتقالا بالرجل

                                                          ورواه الأصمعي :


                                                          أحر بها أطيب من ريح المسك

                                                          وقال : هو جمع مسكة . ودواء ممسك : فيه مسك . أبو العباس في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحيض : " خذي فرصة فتمسكي بها " ، وفي رواية : " خذي فرصة ممسكة فتطيبي بها " ، الفرصة : القطعة يريد قطعة من المسك ، وفي رواية أخرى : " خذي فرصة من مسك فتطيبي بها " ، قال بعضهم : تمسكي تطيبي من المسك ، وقالت طائفة : هو من التمسك باليد ، وقيل : ممسكة أي متحملة يعني تحتملينها معك ، وأصل الفرصة في الأصل القطعة من الصوف والقطن ونحو ذلك ، قال الزمخشري : الممسكة : الخلق التي أمسكت كثيرا ، قال : كأنه أراد أن لا يستعمل الجديد من القطن والصوف للارتفاق به في الغزل وغيره ، ولأن الخلق أصلح لذلك وأوفق ، قال ابن الأثير : وهذه الأقوال أكثرها متكلفة والذي عليه الفقهاء أن الحائض عند الاغتسال من الحيض يستحب لها أن تأخذ شيئا يسيرا من المسك تتطيب به أو فرصة مطيبة من المسك . وقال الجوهري : المسك من الطيب فارسي معرب ، قال : وكانت العرب تسميه المشموم . ومسك البر : نبت أطيب من الخزامى ونباتها نبات القعفاء ولها زهرة مثل زهرة المرو ، حكاه أبو حنيفة ، وقال مرة : هو نبات مثل العسلج سواء . ومسك بالشيء وأمسك به وتمسك وتماسك واستمسك ومسك ، كله : احتبس . وفي التنزيل : والذين يمسكون بالكتاب قال خالد بن زهير :


                                                          فكن معقلا في قومك ، ابن خويلد     ومسك بأسباب أضاع رعاتها

                                                          التهذيب في قوله تعالى : والذين يمسكون بالكتاب بسكون الميم وسائر القراء يمسكون بالتشديد ، وأما قوله تعالى : ولا تمسكوا بعصم الكوافر ، فإن أبا عمرو وابن عامر ويعقوب الحضرمي قرأوا ولا تمسكوا ، بتشديدها ، وخففها الباقون ، ومعنى قوله تعالى : والذين يمسكون بالكتاب ، أي يؤمنون به ويحكمون بما فيه . الجوهري : أمسكت بالشيء وتمسكت به واستمسكت به وامتسكت كله بمعنى اعتصمت ، وكذلك مسكت به تمسيكا ، وقرئ : ولا تمسكوا بعصم الكوافر . وفي التنزيل : فقد استمسك بالعروة الوثقى ، وقال زهير : [ ص: 75 ]

                                                          بأي حبل جوار كنت أمتسك ولي فيه مسكة

                                                          أي ما أتمسك به . والتمسك : استمساكك بالشيء ، وتقول أيضا : امتسكت به ، قال العباس :


                                                          صبحت بها القوم حتى امتسك     ت بالأرض أعدلها أن تميلا

                                                          وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا يمسكن الناس علي بشيء فإني لا أحل إلا ما أحل الله ولا أحرم إلا ما حرم الله " ، قال الشافعي : معناه إن صح أن الله تعالى أحل للنبي - صلى الله عليه وسلم - أشياء حظرها على غيره من عدد النساء والموهوبة وغير ذلك ، وفرض عليه أشياء خففها عن غيره فقال : لا يمسكن الناس علي بشيء ، يعني بما خصصت به دونهم فإن نكاحي أكثر من أربع لا يحل لهم أن يبلغوه لأنه انتهى بهم إلى أربع ، ولا يجب عليهم ما وجب علي من تخيير نسائهم لأنه ليس بفرض عليهم . وأمسكت عن الكلام أي سكت . وما تماسك أن قال ذلك أي ما تمالك . وفي الحديث : من مسك من هذا الفيء بشيء أي أمسك . والمسك والمسكة : ما يمسك الأبدان من الطعام والشراب ، وقيل : ما يتبلغ به منهما ، وتقول : أمسك يمسك إمساكا . وفي حديث ابن أبي هالة في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - : بادن متماسك ، أراد أنه مع بدانته متماسك اللحم ليس بمسترخيه ولا منفضجه أي أنه معتدل الخلق كأن أعضاءه يمسك بعضها بعضا . ورجل ذو مسكة ومسك ، أي رأي وعقل يرجع إليه ، وهو من ذلك . وفلان لا مسكة له أي لا عقل له . ويقال : ما بفلان مسكة أي ما به قوة ولا عقل . ويقال : فيه مسكة من خير ، بالضم ، أي بقية . وأمسك الشيء : حبسه . والمسك والمساك : الموضع الذي يمسك الماء ، عن ابن الأعرابي . ورجل مسيك ومسكة أي بخيل . والمسيك : البخيل ، وكذلك المسك ، بضم الميم والسين ، وفي حديث هند بنت عتبة : أن أبا سفيان رجل مسيك أي بخيل يمسك ما في يديه لا يعطيه أحدا وهو مثل البخيل وزنا ومعنى . وقال أبو موسى : إنه مسيك ، بالكسر والتشديد ، بوزن الخمير والسكير أي شديد الإمساك لماله ، وهو من أبنية المبالغة ، قال : وقيل المسيك البخيل إلا أن المحفوظ الأول ، ورجل مسكة ، مثل همزة أي بخيل ، ويقال : هو الذي لا يعلق بشيء فيتخلص منه ولا ينازله منازل فيفلت ، والجمع مسك ، بضم الميم وفتح السين فيهما ، قال ابن بري : التفسير الثاني هو الصحيح ، وهذا البناء - أعني مسكة - يختص بمن يكثر منه الشيء مثل الضحكة والهمزة . وفي حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - حين قال له ابن عرانة : أما هذا الحي من بلحرث بن كعب فحسك أمراس ، ومسك أحماس ، تتلظى المنايا في رماحهم ، فوصفهم بالقوة والمنعة وأنهم لمن رامهم كالشوك الحاد الصلب وهو الحسك ، وإذا نازلوا أحدا لم يفلت منهم ولم يتخلص ، وأما قول ابن حلزة :


                                                          ولما أن رأيت سراة قومي     مساكى ، لا يثوب لهم زعيم

                                                          قال ابن سيده : يجوز أن يكون مساكى في بيته اسما لجمع مسيك ، ويجوز أن يتوهم في الواحد مسكان فيكون من باب سكارى وحيارى . وفيه مسكة ومسكة ، عن اللحياني ، ومساك ومساك ومساكة وإمساك : كل ذلك من البخل والتمسك بما لديه ضنا به ، قال ابن بري : والمساك الاسم من الإمساك ، قال جرير :


                                                          عمرت مكرمة المساك وفارقت     ما شفها صلف ولا إقتار

                                                          والعرب تقول : فلان حسكة مسكة أي شجاع كأنه حسك في حلق عدوه . ويقال : بيننا ماسكة رحم كقولك ماسة رحم وواشجة رحم . وفرس ممسك الأيامن مطلق الأياسر : محجل الرجل واليد من الشق الأيمن وهم يكرهونه ، فإن كان محجل الرجل واليد من الشق الأيسر قالوا : هو ممسك الأياسر مطلق الأيامن ، وهم يستحبون ذلك . وكل قائمة فيها بياض ، فهي ممسكة لأنها أمسكت بالبياض ، وقوم يجعلون الإمساك أن لا يكون في القائمة بياض . التهذيب : والمطلق كل قائمة ليس بها وضح ، قال : وقوم يجعلون البياض إطلاقا والذي لا بياض فيه إمساكا ، وأنشد :


                                                          وجانب أطلق بالبياض     وجانب أمسك لا بياض

                                                          قال : وفيه من الاختلاف على القلب كما وصف في الإمساك .

                                                          والمسكة والماسكة : قشرة تكون على وجه الصبي أو المهر ، وقيل : هي كالسلى يكونان فيها . وقال أبو عبيدة : الماسكة الجلدة التي تكون على رأس الولد وعلى أطراف يديه ، فإذا خرج الولد من الماسكة والسلى فهو بقير ، وإذا خرج الولد بلا ماسكة ولا سلى فهو السليل . وبلغ مسكة البئر ومسكتها : إذا حفر فبلغ مكانا صلبا . ابن شميل : المسك الواحدة مسكة وهو أن تحفر البئر فتبلغ الموضع الذي لا يحتاج أن يطوى فيقال : قد بلغوا مسكة صلبة وإن بئار بني فلان في مسك ، قال الراجز :


                                                          الله أرواك وعبد الجبار     ترسم الشيخ وضرب المنقار

                                                          ،

                                                          في مسك لا مجبل ولا هار

                                                          الجوهري : المسكة من البئر الصلبة التي لا تحتاج إلى طي . ومسك بالنار : فحص لها في الأرض ثم غطاها بالرماد والبعر ودفنها . أبو زيد : مسكت بالنار تمسيكا وثقبت بها تثقيبا ، وذلك إذا فحصت لها في الأرض ثم جعلت عليها بعرا أو خشبا أو دفنتها في التراب . والمسكان : العربان ، ويجمع مساكين ، ويقال : أعطه المسكان . وفي الحديث : أنه نهى عن بيع المسكان ، هو بالضم بيع العربان والعربون ، وهو أن يشتري السلعة ويدفع إلى صاحبها شيئا على أنه إن أمضى البيع حسب من الثمن وإن لم يمض كان لصاحب السلعة ولم يرتجعه المشتري ، وقد ذكر في موضعه . ابن شميل : الأرض مسك وطرائق : فمسكة كذانة ومسكة مشاشة ومسكة حجارة ومسكة لينة ، وإنما الأرض طرائق فكل طريقة مسكة ، والعرب تقول للتناهي التي تمسك ماء السماء مساك ومساكة ومساكات ، كل ذلك مسموع منهم . وسقاء مسيك : كثير الأخذ للماء . وقد مسك ، بفتح السين ، مساكة ، رواه أبو حنيفة . أبو زيد : المسيك من الأساقي التي تحبس الماء فلا ينضح . وأرض مسيكة : لا تنشف الماء لصلابتها . وأرض مساك أيضا . ويقال للرجل يكون مع القوم يخوضون في الباطل : إن فيه [ ص: 76 ] لمسكة عما هم فيه . وماسك : اسم . وفي الحديث ذكر مسك ، هو بفتح الميم وكسر الكاف صقع بالعراق قتل فيه مصعب بن الزبير ، وموضع بدجيل الأهواز حيث كانت وقعة الحجاج وابن الأشعث .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية