الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          مهل

                                                          مهل : المهل والمهل والمهلة ; كله : السكينة والتؤدة والرفق . وأمهله : أنظره ورفق به ولم يعجل عليه . ومهله تمهيلا : أجله . والاستمهال : الاستنظار . وتمهل في عمله : اتأد . وكل ترفق تمهل . ورزق مهلا : ركب الذنوب والخطايا فمهل ولم يعجل . ومهلت الغنم إذا رعت بالليل أو بالنهار على مهلها . والمهل : اسم يجمع معدنيات الجواهر . والمهل : ما ذاب من صفر أو حديد ، وهكذا فسر في التنزيل ، والله أعلم . والمهل والمهلة : ضرب من القطران ماهي رقيق يشبه الزيت ، وهو يضرب إلى الصفرة من مهاوته ، وهو دسم تدهن به الإبل في الشتاء ، قال : والقطران الخاثر لا يهنأ به ، وقيل : هو دردي الزيت ، وقيل : هو العكر المغلى ، وقيل : هو رقيق الزيت ، وقيل : هو عامته ، وأنشد ابن بري للأفوه الأودي :


                                                          وكأنما أسلاتهم مهنوءة بالمهل ، من ندب الكلوم إذا جرى

                                                          شبه الدم حين يبس بدردي الزيت . وقوله - عز وجل - : يغاثوا بماء كالمهل ، يقال : هو النحاس المذاب . وقال أبو عمرو : المهل دردي الزيت ، قال : والمهل أيضا القيح والصديد . ومهلت البعير إذا طليته بالخضخاض فهو ممهول ، قال أبو وجزة :


                                                          صافي الأديم هجان غير مذبحه     كأنه بدم المكنان ممهول

                                                          وقال الزجاج في قوله - عز وجل - : يوم تكون السماء كالمهل ، قال : المهل دردي الزيت ، قال الأزهري : ومثله قوله : فكانت وردة كالدهان ، قال أبو إسحاق : كالدهان أي تتلون كما يتلون الدهان المختلفة ، ودليل ذلك قوله تعالى : يوم تكون السماء كالمهل ; كالزيت الذي قد أغلي . وسئل ابن مسعود عن قوله تعالى : كالمهل يشوي الوجوه ، فدعا بفضة فأذابها فجعلت تميع وتلون ، فقال : هذا من أشبه ما أنتم راؤون بالمهل ، قال أبو عبيد : أراد تأويل هذه الآية . وقال [ ص: 144 ] الأصمعي : حدثني رجل ، قال وكان فصيحا ، أن أبا بكر - رضي الله عنه - أوصى في مرضه فقال : ادفنوني في ثوبي هذين فإنهما للمهلة والتراب ، بفتح الميم ، وقال بعضهم : المهلة ، بكسر الميم ، وقالت العامرية : المهل عندنا السم . والمهل : الصديد والدم يخرج فيما زعم يونس . والمهل : النحاس الذائب ، وأنشد :


                                                          ونطعم من سديف اللحم شيزى     إذا ما الماء كالمهل الفريغ

                                                          وقال الفراء في قوله تعالى : وكانت الجبال كثيبا مهيلا ; الكثيب الرمل ، والمهيل الذي يحرك أسفله فينهال عليه من أعلاه ، والمهيل من باب المعتل . والمهل : ما يتحات عن الخبزة من الرماد ونحوه إذا أخرجت من الملة . قال أبو حنيفة : المهل بقية جمر في الرماد تبينه إذا حركته . ابن شميل : المهل عندهم الملة إذا حميت جدا رأيتها تموج . والمهل والمهل والمهلة : صديد الميت . وفي الحديث عن أبي بكر - رضي الله عنه - : أنه أوصى في مرضه فقال : ادفنوني في ثوبي هذين فإنما هما للمهل والتراب ، قال أبو عبيدة : المهل في هذا الحديث الصديد والقيح ، قال : والمهل في غير هذا كل فلز أذيب ، قال : والفلز جواهر الأرض من الذهب والفضة والنحاس ، وقال أبو عمرو : المهل في شيئين ، هو في حديث أبي بكر - رضي الله عنه - القيح والصديد ، وفي غيره دردي الزيت ، لم يعرف منه إلا هذا ، وقد قدمنا أنه روي في حديث أبي بكر المهلة والمهلة ، بضم الميم وكسرها ، وهي ثلاثتها القيح والصديد الذي يذوب فيسيل من الجسد ، ومنه قيل للنحاس الذائب مهل . والمهل والتمهل : التقدم . وتمهل في الأمر : تقدم فيه . والمتمهل والمتمئل ، الهمزة بدل من الهاء : الرجل الطويل المعتدل ، وقيل : الطويل المنتصب . أبو عبيد : التمهل التقدم . ابن الأعرابي : الماهل السريع ، وهو المتقدم . وفلان ذو مهل أي ذو تقدم في الخير ولا يقال في الشر ، وقال ذو الرمة :


                                                          كم فيهم من أشم الأنف ذي مهل     يأبى الظلامة منه الضيغم الضاري

                                                          أي تقدم في الشرف والفضل . وقال أبو سعيد : يقال أخذ فلان على فلان المهلة إذا تقدمه في سن أو أدب ، ويقال : خذ المهلة في أمرك أي خذ العدة ، وقال في قول الأعشى :


                                                          إلا الذين لهم فيما أتوا مهل

                                                          قال : أراد المعرفة المتقدمة بالموضع . ويقال : مهل الرجل : أسلافه الذين تقدموه ، يقال : قد تقدم مهلك قبلك ، ورحم الله مهلك . ابن الأعرابي : روي عن علي - عليه السلام - أنه لما لقي الشراة قال لأصحابه : أقلوا البطنة وأعذبوا ، وإذا سرتم إلى العدو فمهلا مهلا - أي رفقا رفقا - ، وإذا وقعت العين على العين فمهلا مهلا - أي تقدما تقدما - الساكن الرفق ، والمتحرك التقدم أي إذا سرتم فتأنوا وإذا لقيتم فاحملوا . وقال الجوهري : المهل ، بالتحريك ، التؤدة والتباطؤ ، والاسم المهلة . وفلان ذو مهل ، بالتحريك ، أي ذو تقدم في الخير ، ولا يقال في الشر . يقال : مهلته وأمهلته أي سكنته وأخرته . ومنه حديث رقيقة : ما يبلغ سعيهم مهله أي ما يبلغ إسراعهم إبطاءه ، وقول أسامة بن الحارث الهذلي :


                                                          لعمري ! لقد أمهلت في نهي خالد     عن الشام ، إما يعصينك خالد

                                                          أمهلت : بالغت ، يقول : إن عصاني فقد بالغت في نهيه . الجوهري : اتمهل اتمهلالا أي اعتدل وانتصب ، قال الراجز :


                                                          وعنق كالجذع متمهل

                                                          أي منتصب ، وقال القحيف :


                                                          إذا ما الضباع الجلة انتجعتهم     نما الني في أصلائها فاتمهلت

                                                          وقال معن بن أوس :


                                                          لباخية عجزاء جم عظامها     نمت في نعيم ، واتمهل بها الجسم

                                                          وقال كعب بن جعيل :


                                                          في مكان ليس فيه برم     وفراش متعال متمهل

                                                          وقال حبيب بن المر قال العبدي :


                                                          لقد زوج المرداد بيضاء طفلة     لعوبا تناغيه ، إذا ما اتمهلت

                                                          وقال عقبة بن مكدم :


                                                          في تليل كأنه جذع نخل     متمهل مشذب الأكراب

                                                          والاتمهلال أيضا : سكون وفتور . وقولهم : مهلا يا رجل ، وكذلك للاثنين والجمع والمؤنث ، وهي موحدة بمعنى أمهل ، فإذا قيل لك مهلا ، قلت لا مهل والله ، ولا تقل لا مهلا والله ، وتقول : ما مهل والله بمغنية عنك شيئا ، قال الكميت :


                                                          أقول له ، إذا ما جاء : مهلا !     وما مهل بواعظة الجهول

                                                          وهذا البيت أورده الجوهري :


                                                          أقول له إذ جاء : مهلا !     وما مهل بواعظة الجهول

                                                          قال ابن بري : هذا البيت نسبه الجوهري للكميت وصدره لجامع بن مرخية الكلابي ، وهو مغير ناقص جزءا ، وعجزه للكميت ووزنهما مختلف : الصدر من الطويل والعجز من الوافر ، وبيت جامع :


                                                          أقول له : مهلا ، ولا مهل عنده     ولا عند جاري دمعه المتهلل

                                                          وأما بيت الكميت فهو :


                                                          وكنا ، يا قضاع ، لكم فمهلا     وما مهل بواعظة الجهول

                                                          فعلى هذا يكون البيت من الوافر موزونا ، وقال الليث : المهل السكينة والوقار . تقول : مهلا يا فلان أي رفقا وسكونا لا تعجل ، ويجوز لك كذلك ويجوز التثقيل ، وأنشد :


                                                          فيا ابن آدم ، ما أعددت في مهل ؟     لله درك ما تأتي وما تذر !

                                                          وقال الله - عز وجل - : فمهل الكافرين أمهلهم ; فجاء باللغتين أي أنظرهم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية