الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        22 - الحديث الأول : عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال { كنت رجلا مذاء ، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني ، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله ، فقال : يغسل ذكره ، ويتوضأ وللبخاري اغسل ذكرك وتوضأ ولمسلم توضأ وانضح فرجك }

                                        [ ص: 117 ]

                                        التالي السابق


                                        [ ص: 117 ] " المذي " مفتوح الميم ساكن الذال المعجمة ، مخفف الياء ، هذا هو المشهور فيه ، وقيل : فيه لغة أخرى : وهي كسر الذال وتشديد الياء - هو الماء الذي يخرج من الذكر عند الإنعاظ وقول علي رضي الله عنه " كنت رجلا مذاء " هي صيغة مبالغة ، على زنة فعال ، من المذي ، يقال : مذى يمذي ، وأمذى يمذي ، وفي الحديث فوائد :

                                        أحدها : استعمال الأدب ، ومحاسن العادات في ترك المواجهة بما يستحى منه عرفا " والحياء " تغير وانكسار يعرض للإنسان من تخوف ما يعاتب به ، أو يذم عليه ، كذا قيل في تعريفه ، وقوله " فاستحييت " هي اللغة الفصيحة ، وقد يقال : استحيت ، وثانيها : وجوب الوضوء من المذي ، وأنه ناقض للطهارة الصغرى ، وثالثها : عدم وجوب الغسل منه ، ورابعها : نجاسته ، من حيث إنه أمر بغسل الذكر منه .



                                        وخامسها : اختلفوا ، هل يغسل منه الذكر كله ، أو محل النجاسة فقط ؟ فالجمهور على أنه يقتصر على محل النجاسة ، وعند طائفة من المالكية : أنه يغسل منه الذكر كله ، تمسكا بظاهر قوله " يغسل ذكره " فإن اسم " ' الذكر " حقيقة في العضو كله ، وبنوا على هذا فرعا ، وهو : أنه هل يحتاج إلى نية في غسله ؟ فذكروا قولين ، من حيث إنا إذا أوجبنا غسل جميع الذكر : كان ذلك تعبدا ، والطهارة التعبدية تحتاج إلى نية ، كالوضوء ، وإنما عدل الجمهور عن استعمال الحقيقة في " الذكر " كله ، نظرا منهم إلى المعنى ، فإن الموجب للغسل : إنما هو خروج الخارج ، وذلك يقتضي الاقتصار على محله .



                                        وسادسها : قد يستدل به على أن صاحب سلس المذي يجب عليه الوضوء منه ، من حيث إن عليا رضي الله عنه وصف نفسه بأنه " كان مذاء " وهو الذي يكثر منه المذي ، ومع ذلك أمر بالوضوء ، وهو استدلال ضعيف ; لأن كثرته قد تكون على وجه الصحة ، لغلبة الشهوة ، بحيث يمكن دفعه ، وقد تكون على وجه المرض والاسترسال ، بحيث لا يمكن دفعه ، وليس في الحديث بيان صفة هذا الخارج ، [ ص: 118 ] على أي الوجهين هو . ؟




                                        الخدمات العلمية